جرائم قتل كثيرة تقع في طنجة، لكن بشاعتها وطريقة تنفيذها تختلف من جريمة لأخرى، بيد أن هناك قليلا هي الجرائم التي يتم فيها التنكيل بالجثث وتقطيعها. جريمة «مشلاوة» واحدة منها. فالجانية قتلت ضحيتها بلوحة خشبية، لكن عملية التنكيل استعمل فيها السكين وشاقور وآلة حادة، وهي الوسائل نفسها التي استعان بها أحد السفاحين بطنجة عندما قطّع أطراف جثة طفلة، ثلاث سنوات، بحي بنديبان سنة 2011، وقام بطهيها. جريمة «مشلاوة» التي ما تزال ألسن الناس تحكي عنها، تتضمن تفاصيل مثيرة، فالفعل لم يكن يتناسب مع الأسباب التي أدت إلى القتل، أما الدهشة والصدمة فهما شعوران لم يفارقا أبناء الضحية وأقربائها لحد الساعة. قبل الجريمة كعادتها استيقظت الضحية (عائشة.ز 45 سنة) عند الساعة السادسة صباحا، بدأت تستعد للتوجه لعملها، بمصنع البلاستيك، الذي يوجد بمنطقة غير بعيدة عن مكان سكناها، يروي أحد أبنائها أنها غادرت المنزل بينما كانوا كعادتهم نائمين، لكنه أكد أن عملها يبدأ عند الساعة السابعة والنصف صباحا. خرجت الضحية وهي تقصد عملها، فجأة سمعت صوت سيدة تناديها، إنها الجانية، 50 سنة، صديقتها أو بالأحرى عدوتها التي لم تُكن لها أي حب أو عاطفة. استدارت عائشة، ومن خلال الصوت علمت أن صديقتها هي المنادية، فبالإضافة إلى أنها زميلتها في العمل، هي جارتها، إذ يقطنان الحي نفسه. طلبت الجانية من عائشة طلبا بدا بسيطا، حيث قالت لها: «عافاك دخلي عاونيني فواحد البوطة». كانت عائشة تعتقد أن الأمر لن يتطلب أكثر من 5 دقائق، ثم تكمل مع الجانية طريقها إلى العمل. موت غادر دخلت عائشة إلى المنزل، حيث مسرح الجريمة، توجهت مباشرة إلى المطبخ، حيث يوجد الفرن الذي ستساعد صاحبته في حمله، كانت مستديرة على النحو الذي جعلت مدخل المطبخ وراء ظهرها، من هناك أتت الجانية التي كانت تخفي هراوة خشبية في إحدى الغرف بالبيت. وفي غفلة من الضحية، وجهت الجانية ضربة قوية على الرأس فسقطت الهالكة أرضا، لكن المتهمة لم توقف عملية الضرب الموجه مباشرة إلى الرأس، إلى أن تأكدت بأنها فارقت الحياة. يقول المحققون تابعون للدرك الملكي، إن المتهمة، قامت بفعل إجرامي لا يختلف كثيرا عما يقوم به المجرمون المحترفون، رغم أن السجل العدلي للجانية ليس به أي متابعة سابقة، ولم يسبق لها أن تشاجرت مع أحد ولم تسجل من قبل شكاية في حقها. بدت الجانية واثقة من نفسها، كانت تعلم بأن عملها سيكلل بالنجاح، وستقضي على غريمتها ذات خمسة أبناء، يقول أحد المحققين: «أبدت الجانية قدرا كبيرا من الشجاعة في هذه الجريمة، وحتى الطريقة التي تعاملت بها مع الجثة اتسمت بنوع من الجرأة غير معهودة في عدد من الجرائم». مرحلة ما بعد القتل تركت الجانية الضحية مدرجة بدمائها بمنزلها، وبالضبط مرمية بالمطبخ، حيث كانت ستساعدها في حمل الفرن، واتجهت نحو المصنع، لكن ليس من أجل العمل، ولكن من أجل طلب رخصة 24 ساعة لقضاء مآرب خاصة. لم يرفض المسؤول بالشركة عن العمال طلب هذه المستخدمة، فعادت مسرعة إلى البيت. يقول أحد الدركيين بمنطقة «مشلاوة»، بأن الجانية قبل أن ترتكب الجريمة كانت تخطط للطريقة التي تمكنها من التخلص من الجثة لكي تخفي معالم جريمتها، لذلك اختارت التوقيت، الذي كان في الصباح الباكر، ثم اختارت، أيضا، رمي أطراف الجثة، التي تمكنت من تقطيعها، في مناطق متفرقة. وهي في طريقها إلى بيتها توجهت الجانية إلى دكان قريب من الحي، حيث اقتنت منه أكياسا بلاستيكية، لتضع فيها أطراف الجثة. دخلت البيت مجددا واتجهت نحو المطبخ، وشرعت في عملية التنكيل، إذ بدأت بساقها، ثم اتجهت إلى يدها، قبل أن تصل إلى الرأس التي عانت معه كثيرا قبل أن تنجح في فصله عن باقي أطراف الجسد. بعد نحو ساعة تقريبا نجحت الجانية في إتمام جريمتها، حيث نظفت المكان، واتجهت بعد ذلك بالأكياس نحو الشارع الرئيس المؤدي إلى مدينة تطوان، وبالضبط في النقطة الحدودية التي تفصل ما بين النفوذ الترابي للدرك الملكي والأمن، هناك ألقت الساق المقطوعة، وفي واد غير بعيد عن المنطقة ألقت الجسد والرأس، وفي منطقة أخرى رمت اليدين. الأم اختفت ..والبحث عنها بدأ حان وقت عودة الأم من العمل. لكن لم تعد، انتظر الأبناء كثيرا، أما الأب فكان في مهمة بمدينة آسفي. ومن شدة انتظار وقلق الأبناء على والدتهم، اتصلوا بالجيران فنفوا رؤية أمهم، حلّ الظلام ولم يظهر أي أثر للأم. بعد مشاورة الأبناء مع خالهم استقر الأمر على أن يتم إخبار الدرك الملكي حول اختفاء والدتهم، وكذلك كان. في الصباح الموالي، وكان يوم جمعة، توصلت عناصر الدرك بإخبارية تُفيد أن أحدهم وجد ساقا مبتورة في منطقة قريبة من الشارع. هرعت فرقة تابعة للدرك إلى عين المكان، حيث وجدت الساق، فاستدعت الفرقة العلمية والتقنية، يقول أحد الدركيين: «لم يساورنا شك في أن الأمر يتعلق بجريمة قتل. رجحنا منذ البدء أن تكون الساق للأم المختفية». لم يخبر عناصر الدرك أبناء الضحية بالأمر، لأنهم لم يعثروا، في تلك الأثناء سوى على الساق، ولم تكن هويتها قد حُددت بعد. استدعت عناصر الدرك الملكي فرقة الكلاب المدربة، علها تساعد في عملية إيجاد أطراف أخرى من الجسد، وفعلا نجحت في ذلك. التحقيق بدأ انطلق التحقيق الذي قادته عناصر الدرك الملكي، من أجل فك لغز هذه الجريمة المروعة، حيث بدأ المحققون في معرفة الأشخاص الذين كانت تربطهم صلة بالضحية، لاسيما أولائك الذين كان بينهم وبينها نزاع أو صراع داخل العمل. توجه المحققون إلى مقر عمل الضحية، إذ أكد المسؤولون عن الشركة للمحققين أن عائشة غابت عن العمل في ذلك اليوم، كما أن صديقتها، أيضا، طلبت في اليوم نفسه رخصة لقضاء حوائجها، وقد استجابت الإدارة لها. هنا بدأت تنكشف شيئا فشيئا خيوط ومعالم الجريمة، المتهمة بريئة حتى الساعة، لكن المحققين توجهوا لها مباشرة من أجل توجيه بعض الأسئلة إليها، ليس باعتبارها متهمة، ولكن صديقة مقربة من الضحية. أين كنت صباح الخميس 2 أبريل؟ يسأل المحققون المتهمة. «كنت في العمل» تجيب الجانية. كانت عناصر الدرك حينها على علم بأن هذه السيدة لم تكن في العمل خصوصا وأنها طلبت رخصة. وجه المحققون أسئلة متتالية للجانية حتى اعترفت في الأخير أنها لم تكن في المعمل، إذ طلبت يوم إجازة، لكنها رفضت الإفصاح أين ذهبت ذلك اليوم. سمح المحققون للمتهمة بالرحيل، لكنهم وضعوها تحت المراقبة، لأن الشكوك كانت تحوم حولها. في المقابل قاموا باستدعاء سيدة ثانية، حيث حققوا معها، لكن تبين أنها لا تربطها أي علاقة قوية مع الضحية، ولم يسبق أن نشب خلاف بينهما، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أحد الأشخاص. في المنطقة التي تقطن فيها الضحية، وأيضا، المتهمة يوجد دكان، حيث كان صاحبه يضع كاميرا مراقبة في الخارج، هذه الكاميرا استطاعت رصد المتهمة وهي تقتني الأكياس البلاستيكية وتقصد بعد ذلك الطريق المؤدية إلى منزلها. لم تمر سوى ساعات قليلة للتأكد من تسجيلات الكاميرا، حتى استدعى المحققون المتهمة مرة ثانية، في هذه المرة وقعت المتهمة في شراك كذبها، وسرعان ما اعترفت باقترافها لهذه الجريمة النكراء، أما السبب فأقل ما يمكن أن يقال عنه إنه غريب. المتهمة تعيد تمثيل جريمتها في ساعات مبكرة من يوم الأحد الماضي قامت الجانية بإعادة تمثيل جريمتها، بحي مشلاوة، وسط جمهور غفير من سكان الحي. وكانت عناصر الدرك الملكي أحالت المتهمة على الوكيل العام للملك، هذا الأخير أمر بإعادة تمثيل الجريمة وتوفير الظروف الملائمة لها. لذلك اتخذت جميع الإجراءات الأمنية اللازمة من أجل ضمان إعادة تمثيل هذه الجريمة في أحسن الظروف، تحسبا من تهور أحد أبناء الضحية الخمسة رغبة في الانتقام لأمه. ووفقا لما كشفته عملية إعادة التمثيل، فإن الجانية التي كانت تقطن بجوار الضحية، طلبت منها خلال الصباح الدخول معها إلى المنزل لمساعدتها في حمل فرن، مستغلة هذه الفرصة وعالجتها بواسطة قطعة خشبية بضربة قوية على الرأس، لتسقط على الأرض مغمية عليها، قبل أن تكرر العملية بضربات أخرى همّت مختلف مناطق الجسد إلى أن فارقت الحياة. وبحسب ما روته الجانية أثناء عملية التمثيل، فإنها توجهت بعد ذلك إلى المعمل لطلب إذن بالتغيب في ذلك اليوم، مبررة ذلك بأن لديها أشغال مهمة تريد قضائها، وبعدما استجاب المسؤول عن العمل لطلبها، اتجهت نحو دكان لشراء أكياس بلاستيكية كبيرة الحجم، وعادت للتو إلى مسرح الجريمة، حيث بدأت في تقطيع الجثة بداية من الرجلين والأطراف ثم الرأس، بواسطة شاقور وسكين. بعد ذلك قامت الجانية برمي الجسد والرأس بمجرى مائي يقع تحت قنطرة السكة الحديدية بمنطقة مشلاوة، والأمر نفسه بالنسبة إلى الرجل واليد بحفرة مجاورة، واللذين لم يتم العثور عليهما، نظرا لعدم تذكر الجانية المكان. وغادرت المتهمة مسرح الجريمة وسط إجراءات أمنية مشددة، أما الجمهور، الذي تابع تفاصيل إعادة التمثيل، فلم يصدق ما رآه، لاسيما وأن المنطقة قروية ولأول مرة تقع جريمة قتل من هذا النوع في قريته، ويعاد فيها تمثيل الجريمة. لهذه الأسباب قتلت عائشة بدت تصريحات المتهمة على قدر كبير من الغرابة، فبمجرد ما اعترفت باقترافها لجريمة القتل، حتى بدأت تحكي عن قصتها مع المتهمة، وقالت إنها على علاقة بها منذ سنين وكانت تعمل معها في المصنع نفسه. بدأت المشاكل تتطور بينهما، لأنها كانت متفوقة في عملها فيما هي كانت تتلقى كل أنواع السب والشتم من المسؤول المباشر عن العمل، هذا الأمر كان يغيظها وكانت تعتقد أن الضحية هي من تحرض عليها. تقول المتهمة في محضر اعترافاتها أنها صبرت على هذا الأمر لشهور، لكنها لم تفكر أن تصل إلى درجة الانتقام منها بالقتل، وأضافت بأن صبرها نفذ في الأسابيع الأخيرة، فقررت وضع حد لحياتها بهذه الطريقة. بعد انتهاء التحقيق أحالت مصالح الدرك المتهمة على الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بطنجة، الذي وجه لها تهمة «القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والتنكيل بجثة».