انتخب البرلمان العراقي الجديد الأحد محمد الحلبوسي رئيسا له، في جلسة تخللتها مشادات وفوضى على خلفية التوترات السياسية المتواصلة منذ الانتخابات الأخيرة قبل ثلاثة اشهر. ووقعت مشادات عنيفة داخل البرلمان في وقت سابق وسادت فوضى تعرض خلالها رئيس الجلسة "لاعتداء" نقل على أثره الى المستشفى، وفق ما ذكرت شخصيات شاركت في الجلسة لوكالة فرانس برس. ويأتي ذلك على خلفية توتر سياسي مستمر منذ الانتخابات التي تصد ر نتائجها التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، فيما ند دت الأحزاب والمجموعات المدعومة من إيران بهذه النتيجة. وينعكس التوتر على عملية تشكيل الحكومة التي تتعثر، وسط إصرار الصدر على تشكيل حكومة أكثرية، وتمسك آخرين بحكومة توافقية تتمثل فيها جميع القوى الشيعية. وكانت الجلسة التي ترأسها النائب الأكبر سنا محمود المشهداني (73 عاما )، بدأت بأداء النواب الجدد اليمين، قبل أن تندلع مشادات بين النواب وتسود الفوضى. وقال النائب مثنى أمين من الاتحاد الإسلامي الكردستاني لفرانس برس "بدأت الجلسة بشكل طبيعي برئاسة رئيس السن وتمت تأدية اليمين الدستوري". وأضاف "بعدها تقدم الإطار التنسيقي (يضم أحزابا شيعية بينها قوى موالية لإيران) بطلب تثبيت كونهم الكتلة الأكبر مشيرين الى أن كتلتهم مؤلفة من 88 نائبا. عندها طلب رئيس السنة التدقيق في هذه المعلومة، وحصلت مداخلات، وقام بعض النواب بالاعتداء عليه". وأفادت وكالة الأنباء العراقية أن المشهداني تعرض ل"وعكة صحية خلال جلسة مجلس النواب" وأن حالته الصحية "مستقرة". وحصد التيار الصدري 73 مقعدا في البرلمان، وفق النتائج الرسمية. ولم يكن في الإمكان التأكد من عدد النواب الذين انضموا الى "الإطار التنسيقي". وأكد النائب رعد الدهلكي من كتلة "تقد م" برئاسة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي لفرانس برس أن "مشادات حصلت ووقع تدافع بين الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي حول أحقية أحدهما بأنه الكتلة الأكبر". وبعدما سادت الفوضى لفترة، استؤنفت الجلسة برئاسة خالد الدراجي من تحالف "عزم" السني (14 مقعدا ). وأعيد انتخاب محمد الحلبوسي زعيم تحالف "تقدم" السني (37 مقعدا ) والبالغ 41 عاما ، ب200 صوت، رئيسا للبرلمان. وكان يترأس البرلمان السابق منذ العام 2018. وحاز منافسه محمود المشهداني من "عزم" 14 صوتا فيما اعتبرت 14 ورقة لاغية. وكان عدد النواب المشاركين 240 أدلى 228 منهم بأصواتهم، كما أفادت وكالة الأنباء العراقية. والخطوة التالية تكون انتخاب نائبيه الذي يقتضي العرف أن يكون أحدهما سنيا والآخر كرديا . وكان مقررا أن تنطلق الجلسة عند الساعة 11,00 بالتوقيت المحلي لكن تأخر عقدها لبضع ساعات، إذ جرت مداولات مكثفة قبل الجلسة خارج قاعة البرلمان لمحاولة تخفيف التوترات. ومدفوعا بحيازته العدد الأكبر من المقاعد (73 مقعدا من أصل 329)، كرر الصدر إصراره على تشكيل "حكومة أغلبية" ما يعني قطيعة مع التقليد السياسي الذي يقضي بالتوافق بين الأطراف الشيعية الكبرى. ويبدو أن التيار الصدري يتجه للتحالف مع كتل سنية وكردية بارزة من أجل الحصول على الغالبية المطلقة (النصف زائد واحد من أعضاء البرلمان)، وتسمية رئيس للوزراء يقتضي العرف أن يكون شيعيا . وقال الصدر في تغريدة عشية الجلسة "اليوم لا مكان للطائفية ولا مكان للعرقية. بل حكومة أغلبية وطنية". في المقابل، تدفع أحزاب شيعية أخرى منضوية في الإطار التنسيقي، منها قوى موالية لإيران، إلى حكومة توافقية تتقاسم فيها جميع الأطراف الشيعية المهيمنة على المشهد السياسي في البلاد منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003، المناصب والحصص. ويضم الإطار التنسيقي تحالف الفتح الممثل للحشد الشعبي الذي حصل على 17 مقعدا فقط مقابل 48 في البرلمان السابق، فضلا عن تحالف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (33 مقعدا )، وأحزاب شيعية أخرى. ولعدة أسابيع، أصرت القوى الموالية لإيران على رفضها نتائج الانتخابات وقد مت طعنا للمحكمة الاتحادية لإلغائها، لكن المحكمة ردت الدعوى. وتظاهر مناصرون لها أمام بوابات المنطقة الخضراء لأسابيع تنديدا بالنتائج، فيما وصل التوتر في البلاد إلى ذروته مع محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في نوفمبر. ويرى رئيس مركز التفكير السياسي والباحث العراقي إحسان الشمري أن الوضع يشي بأن "شكل الحكومة المقبلة قد يكون وفق مبدأ جديد هو ما يسمى توافق الأغلبية، أي حكومة ائتلافية لكن بصيغة جديدة"، على عكس الحكومات السابقة التي شاركت فيها جميع الأطراف الشيعية. ويوضح "قد نكون أمام مفهوم جديد يسمى توافق الأغلبية أي أن يتحالف الصدر مع البيت السني الذي يمثله عزم وتقدم، ومع البيت السياسي الكردي (الحزب الديموقراطي والاتحاد الوطني)، وحتى جزء من الإطار التنسيقي قد يلتحق بمشروع السيد مقتدى الصدر". ويفترض أن ينتخب البرلمان بعد جلسته الأولى، خلال 30 يوما ، رئيسا جديدا للجمهورية الذي عليه بدوره أن يكلف رئيسا للحكومة خلال 15 يوما من تاريخ انتخابه، يكون مرشح "الكتلة النيابية الأكبر عددا "، وفق الدستور. واعتبارا من يوم تكليفه يكون أمام الرئيس الجديد للحكومة 30 يوما لتشكيلها. ويبلغ عدد النساء في البرلمان الجديد 95 فيما كان في البرلمان السابق 75. ويضم البرلمان أيضا كتلتين من المستقلين، الأولى تضم 28 نائبا من حركة امتداد المنبثقة من الحركة الاحتجاجية وحركة الجيل الجديد الكردية، والثانية تضم تسعة نواب من كتلة "اشراقة كانون" ومستقلين. ومعظم هؤلاء يدخلون البرلمان للمرة الأولى.