يكشف تقرير معهد سيربانتيس لسنة 2018 حول انتشار اللغة الإسبانية في العالم أن 1664823 شخصا في الداخل المغربي لديهم مهارات محدودة في اللغة الإسبانية، و22 ألفا في الأقاليم الجنوبية للمملكة، و6586 آخرين اكتسبوا التحدث بها. ويعتبر المغرب أول بلد يضم أكبر عدد من الناطقين باللغة الإسبانية، مقارنة مع الناطقين بها في غينيا الاستوائية التي كانت مستعمرة إسبانية ولغتها الرسمية هي اللغة الإسبانية، كما يتجاوز عدد الناطقين بها في البرازيل، الذين يصل عددهم إلى نحو 500 ألف ناطق، علما أنه، مثلا، في الجارة الجزائر هناك نحو 500 ألف ناطق بالإسبانية. لكن أهمية الحفاظ على اللغة الإسبانية في المغرب ترتكز على خمسة عناصر، وفق تقرير سيربانتيس: الإسبانية هي اللغة الأم لحوالي 480 مليون شخص، أغلبهم في إسبانيا وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية، وإذا ما أضيف إليهم 97 مليون مكتسب لها، فقد يصل العدد إلى نحو 577 مليون ناطق بها في العالم؛ ثانيا، تعتبر الإسبانية اللغة الثانية الأم في العالم من حيث الناطقين بعد الصينية، كما أنها اللغة الثانية في العالم كلغة أم أو مكتسبة والطلبة الدارسين لها؛ ثالثا، حتى من حيث النمو الديمغرافي، يلاحظ أن عدد السكان الناطقين بالإسبانية هو في ارتفاع، مقابل تراجع الناطقين بالصينية والإنجليزية؛ رابعا، من الناحية الإحصائية، تصل النسبة إلى 7.6 في المائة من سكان العالم (نحو 577 مليونا) يتحدثون سنة 2018 باللغة الإسبانية. وتشير التوقعات إلى أن النسبة ستصل إلى 7.7 في أفق سنة 2050. خامسا، في الوقت الذي تراجع تدريس الإسبانية في المغرب، تقريبا، سجل التقرير أن نحو 21815280 طالبا في العالم درسوا الإسبانية كلغة أجنبية. هذا التراجع المهول في تدريس اللغة الإسبانية في المغرب جاء ليخدم لغات أجنية أخرى مثل الفرنسية والإنجليزية والألمانية، رغم الارتباط القوي بين شمال وجنوب المغرب بإسبانيا، باعتبارها المُستعمِر السابق، على غرار العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية؛ يؤكد تقرير سيربانتيس بشكل دقيق. إذ إن المغرب تراجع إلى المرتبة 16 من حيث الدول التي تدرس فيها الإسبانية كلغة أجنبية، حيث تفوقت عليه بلدان إفريقيا بعيدة كل البعد عن إسبانيا وأمريكا اللاتينية، مثل ساحل العاج والسنغال والغابون والبنين… كل هذا في الوقت الذي يسعى فيه المغرب إلى الانفتاح على أمريكا اللاتينية، حيث اللغة الإسبانية رسمية في كل بلدانها، باستثناء البرازيل وبعض الجزر الصغيرة، دون نسيان أنها رسمية بإسبانيا وغينيا الاستوائية. ويوضح التقرير أن نحو 82185 طالبا/تلميذا يدرسون الإسبانية في المغرب في 2018؛ مبرزا أن 70793 في التعليم الإعدادي أو الثانوي أو في التكوينات المهنية، و2692 فقط في الجامعة، و8700 يدرسونها بشكل غير منظم، فيما 7626 آخرين يدرسونها في مختلف معاهد سيربانتيس في بعض المدن المغربية مثل الدارالبيضاءوالرباطوفاس وطنجة ومراكش. ومقارنة مع بعض بلدان أخرى، نجد 8157386 طالبا للإسبانية في أمريكا، و6120000 في البرازيل، و2589717 في فرنسا، و687152 في إيطاليا، و566178 في ساحل العاج، و554423 في ألمانيا، و519660 في بريطانيا، و412515 في البنين، و 216633في الغابون. لهذا يبقى التساؤل كيف تهمش لغة بهذه الأهمية في المغرب بعدما كانت منذ الاستقلال حتى سنة 2000 تقريبا، تحظى بالاهتمام الكافي مقارنة اليوم. ومن أجل أغناء النقاش الصحي السائد اليوم، حول لغة التدريس بعد الجدل الذي أثاره قانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، لم تكتف «أخبار اليوم»، بلغة الأرقام، بل عرضنا القضية على مجموعة من المهتمين باللغة والثقافة الإسبانيتين بالمغرب باختلاف مواقعهم ومواقفهم. مراد زروق، المترجم وأستاذ الدراسات الإسبانية بجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء، يجد نفسه أقرب إلى المدافعين عن التدريس بالإنجليزية بدل الفرنسية، وفي هذا يقول: «رغم أنني أستاذ بقسم الدراسات الإسبانية إلا أنه وبكل موضوعية أرى أن اللغة الأجنبية الأولى يجب أن تكون هي الإنجليزية، نظرا لما لها من مصلحة تهم البلاد والعباد. ثم إن السياسة اللغوية للدولة في الشق المتعلق باللغات الأجنبية يجب أن تكون برغماتية»؛ وأضاف أن «الفرنسية أصبحت إرثا استعماريا ثقيلا، في ما اللغة الإسبانية، وعلى الرغم من انتشارها الواسع، إلا أنها لا تصل إلى مستوى ومقام اللغة الإنجليزية. ثم إنه كلما تأخرنا في اعتماد اللغة الإنجليزية أجلنا لسنوات تمكين الأجيال الجديدة من لغة العصر». وبخصوص الصراع الحاد بين أنصار العربية والفرنسية بالمغرب اليوم، يقول: «كل النقاش الدائر حول ذات اللغة ومقارنة اللغات من هذه الزاوية، هو مضيعة للوقت لأن كل اللغات صالحة لنقل المعلومات. المقارنة الحقيقية التي يجن تؤخذ بعين الاعتبار هي وضع اللغة على الصعيد العالمي. وهنا تدخل اعتبارات أخرى لها علاقة مباشرة بوضع مستعملي هذه اللغة. من جانب آخر، لا يعقل أن نجتر النقاش نفسه منذ الاستقلال إلى الآن». حسين بوزينب، مترجم القصر الملك المغربي وأستاذ الدراسات الإسبانية بجامعة الرباط، أوضح من جانبه، في اللقاء الذي احتضنه معهد سيربانتيس، أن «دراسة الأدب العربي وتاريخ المغرب يحتاج إلى اللغة الإسبانية، لأن 80 في المائة من تاريخ المملكة مكتوب باللغة الإسبانية». وأضاف أن رسائل الملوك المغاربة ما كانت لتصل إلينا اليوم، لو لم يحافظ عليها الإسبان، إذ احتفظوا بها في أرشيفاتهم. ويرى الأستاذ حسين أنه رغم استقلال المغرب سنة 1956، ومع ذلك استمر الفرنسيون في فرض برامجهم في وزارة التعليم بعد 15 أو 20 عاما من استقلاله؛ وفي هذا الصدد يقول: «هؤلاء المسنون «فاعلو الخير» منعوا تطور اللغة الإسبانية بالمغرب». فيما شرح الطالب في سلك الدكتوراه بجامعة فاس، إسماعيل خواجة، أسباب تراجع الإسبانية قائلا: «إن اللغة الإسبانية على أهميتها على الصعيد العالمي كثاني لغة من حيث عدد الناطقين بها، إلى أن آفاقها جد محدودة في بلد كالمغرب، الذي إلى جانب اللغة العربية والأمازيغية يعتمد الفرنسية بشكل أساسي، وعلى الإنجليزية بشكل حتمي». وتابع قائلا: «إن العديد ممن اختار أو فرض عليه دراسة اللغة الإسبانية تُصيبه خيبة أمل لأنه لا يجد فرصا للشغل، ولا حتى منح دراسية تسعفه على الدراسة بالخارج. إذ منذ سنة 2012 لم يتم فتح مباراة التدريس في وجه الطلبة المجازين في هذه اللغة، ذلك أن أغلب أساتذة هذه اللغة يتقاضون أجورهم دون أداء مهامهم، نظرا إلى أن أولياء التلاميذ لا يحبذون فكرة تدريس أبنائهم لغة «سيرفانتيس» التي لا أفاق لها»، حسبهم. وفي الوقت الذي تنشط فيه حوالي 1000 مقاولة إسبانية في المغرب، علاوة على المئات من المقاولات الإسبانية التي لديها شراكات مع نظيراتها المغربية، إلى جانب العلاقات الاستراتيجية بين الحكومتين في مجموعة من القضايا ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي وغيرها، فضلا عن علاقة الصداقة المتينة بين الجالسين على العرش في المملكتين المغربية والإسبانية؛ ومع ذلك لا تتم حماية اللغة الإسبانية بما يكفي بالمغرب. لهذا يخلص إسماعيل خواجة إلى أن «كل هاته المشاكل لا تجد صدى لا لدى الحكومة المغربية، ولا نظيرتها الإسبانية المسؤولة الأولى والأخيرة عن لغتها الرسمية الإسبانية. وهنا تكفي الإشارة إلى أن آخر اجتماع جمع بين الملك فيليب السادس ومجموعة مغربية من أساتذة وأدباء هذه اللغة، حينما تم طرح مشكلة اللغة الإسبانية في المغرب، تدخلت الملكة ليتسيا لمطالبتهم بتوجيه الملف مباشرة إلى وزير الثقافة الإسباني.