لا أقذر من اتفاقية أوسلو التي تنص على نزع سلاح الفلسطينيين، وتركهم أذلاء مذمومين تحت رحمة الجندي الإسرائيلي، ولا أطهر من المقاومة الفلسطينية التي امتشقت البندقية، وارتقت بالفلسطيني نداً في الميادين. فكرة المقاومة الفلسطينية تتناقض كلياً مع اتفاقية أوسلو، بل أن المقاومة هي الرصاصة السياسية التي أطلقت على رأس اتفاقية أوسلو، ودفنت بنودها عميقاً في أنفاق غزة، لذلك لا أستغرب أن تمتشق إسرائيل اتفاقية أوسلو، وأن تشهر بنودها في مفاوضات القاهرة، وتطالب بنزع سلاح المقاومة، وتطالب بعودة غزة إلى بيت الطاعة، وانصياع سكانها إلى بنود اتفاقية أوسلو، كشرط من شروط فك الحصار عن قطاع غزة. إن الفلسطيني الذي يرى باتفاقية أوسلو مرجعية سياسية تنظم العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هو فلسطيني يصطف إلى جانب الإسرائيليين في مطالبتهم بنزع سلاح المقاومة، وهذه إحدى نقاط ضعف الوفد الفلسطيني الموحد في الشكل، والمفكك في الرؤيا السياسية. القضية الفلسطينية بعد حرب غزة ليست هي ذاتها التي كانت قبل الحرب، والوفد الفلسطيني في القاهرة أمام خيارات صعبة؛ فإما أن يواصل التمسك باتفاقية أوسلو، ويرضخ لشروط إسرائيل القاضية بتجريد الفلسطينيين من السلاح مقابل فك الحصار عن غزة، وإما أن يمزق اتفاقية أوسلو، ويتمرد على شروط إسرائيل القاضية بتجريد الفلسطينيين من سلاحهم، ويصر على فك الحصار عن غزة، وفق اتفاقية جديدة، فرضها الواقع الجديد، ولا تمت بصلة إلى اتفاقية أوسلو، اتفاقية جديدة قد تصلح لأن تطبق على الضفة الغربية في المستقبل. ستظل إسرائيل تناور وتحاور طالما كانت المرجعية للعلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي اتفاقية أوسلو، لذلك على الفلسطينيين حسم موقفهم من اتفاقية أوسلو قبل أن يلتقوا مع الإسرائيليين على طاولة المفاوضات، أما إذا لم يجمع الفلسطينيون بكافة مشاربهم على دفن اتفاقية أوسلو تحت جنازير الدبابات، فإن مصلحة سكان غزة تقضي بالتوصل إلى اتفاقية تهدئة جديدة مع الإسرائيليين، اتفاقية تتناسب مع حجم التضحيات، اتفاقية محكومة بالقدرات القائمة على الأرض، اتفاقية تنظم العلاقة بين سكان قطاع غزة وبين الإسرائيليين بعيداً عن اتفاقية أوسلو، وما دون ذلك فالمفاوضات مضيعة للوقت، وتحايل على الشعب الفلسطيني الذي بات منقسماً سياسياً على اتفاقية أوسلو الميته، وأصبح موحداً في ميادين القتال.