الدرس جاء من تطوان ليس مجازفة ولا مخاطرة أن يخرج كل الوزراء الذين تعاقبوا على الشباب والرياضة في العقد الأخير ليقولوا بأن المشهد الرياضي الوطني به العديد من الإختلالات البنيوية وما لا يعد ولا يحصى من التشوهات الهيكلية والتدبيرية، فقد إستندوا في ذلك على لغة الأرقام ليقدموا أحكام قيمة لا يعلى عليها، ولغة الأرقام هي التي أفصحت عنها تقارير صادرة على مكاتب دراسات دولية كلفت بإجراء إفتحاص علمي ودقيق على نظام عمل المؤسسات الرياضية وبخاصة منها الجامعات. قالت السيدة نوال المتوكل أن الأجهزة الرياضية بها علل كثيرة، وقال السيد منصف بلخياط أن المشهد الرياضي بحاجة إلى تقويم للهيكل العام، وقال بعدهما السيد محمد أوزين أن الرياضة المغربية مريضة بحكامتها، ويقول المآل الحزين أن الرياضة الوطنية بحاجة إلى إختراقات كثيرة باسم القانون تسقط حصون الفساد وتنهي عهودا من الإحتكار لوجوه وأشخاص لا يكاد يخلو حديث عن إستفحال الأزمة من أسمائهم، كيف ذلك وبأي أدوات ووفق أي منهج؟ يرى وزير الشباب والرياضة أن عملية التطهير بدأت بالفعل ويرمز لذلك بما قال أنه في السنة التي نودعها نجحت وزارته في تثبيث الشرعية، عندما فرضت على أغلب الجامعات عقد جموع عامة إستثنائية للمصادقة على القوانين النموذجية وبعدها عقد جموع عادية إنتخبت رؤساء ومكاتب مديرية باعتماد مقاربات جديدة، ولكن هل مجرد إحلال الشرعية داخل الجامعات الرياضية التي إستوطنتها لسنوات كائنات نعرف من أين جاءت، ومن جاء بها ولأي هدف جاءت وبمن ظلت تحتمي لتستولي لسنوات طويلة على مركز القرار، هل تجديد نسيج الجامعات يمكن أن يخرج الرياضة الوطنية من حالة التنافر والتضاد التي توجد فيها؟ مؤكد أن الحكامة الجيدة التي يقصدها السيد الوزير وتضعها الشرائع الدولية مقدمة لأي إصلاح بنيوي وهيكلي وتدبيري، تتحقق بإحلال الشرعية التي تعني بالأساس دمقرطة الهيئات والأندية الرياضية، ولكن المؤكد أكثر أن الوصول إلى الحكامة الجيدة لا يكون إلا باحترام القانون، بالعيش تحت القانون وليس فوقه، وحقيقة الأمر أن الذين يأتون برياح المصالح والإنتفاع وليس بدافع الحب والشغف ليعملوا بالمشهد الرياضي لا يقيمون وزنا للقانون ولا يريدون العمل تحت رقابة القانون، وحتى إن أقاموا وزنا لهذا القانون فصلوه على مقاسهم. تظن وزارة الشباب والرياضة أنها أوقعت في الفخ ما يمكن وصفه بمافيا الفساد المالي، تعطيها تقارير مكاتب الدراسات الدولية ما لا يعد وما لا يحصى من الإختلالات، وتساق إليها وقائع عن خروقات مفضوحة للقانون وأكثر منها يضج المشهد الرياضي التي هي وصية عليه بتفويض من الدولة بعشرات من الإتهامات وبعشرات الفضائح المالية، بل إنها تبلّغ عن أسماء وعن وقائع، ومع ذلك لا نسمع عن يد من حديد هوت لتضرب كل هؤلاء المفسدين، لتقاضي الجناة والفاسدين ولتطهر المشهد من الذين يعيثون فيه فسادا.. ثورة الإصلاح الحقيقية التي تنتصر لإرادة الشعب ولأحكام التغيير الراديكالي وتنسجم مع نضال المغاربة ملكا وشعبا من أجل بناء مغرب ديمقراطي وحداثي، لا تكون بالسكوت على الفضائح والتغطية على الضالعين في الفساد وبالتسامح مع الذين يركبون على القانون. ثورة الإصلاح لا تكون بترك المشهد الرياضي يحرسه ذئاب المصالح والإنتفاعية، فلا حكامة جيدة مع مخالفة روح الثورة، وثورة الإصلاح لا تكون فيها التنازلات تحت أي إعتبار.. ---------------------- العصب الجهوية هي من مسؤولية الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، إنها جهاز من أجهزتها، تعمل تحت وصايتها وأبدا لا يحق لأي القول بأنها مستقلة في أحكامها وقراراتها.. قد تكون العصب محكومة ومنظمة مثلها مثل كل الجمعيات الرياضية بأحكام ظهير الحريات العامة ولكن هذه العصب لا تجد قوتها قانونا إلا بتبعيتها الكاملة للجامعة ولا تجد قوتها هيكليا إلا بعدد الأندية التي تنضوي تحت لوائها.. وهذه التبعية القانونية لا يحق لأحد أن يزايد فيها أو أن يفصلها حسب مزاجه ولا أن يكيف الإنتماء بالقدر الذي يراه مدافعا عن مواقفه، لذلك أزعجني أن تكون عصبة الغرب لكرة القدم قد خرجت بفعل ما يحدث بداخلها من تجاذبات عن الطوق الأدبي وعن أدبيات التبعية الكاملة للجامعة الأم، فقد يحصل صراع على كرسي الرئاسة، ويأخذ هذا الصراع طابعا سلبيا لهواية التفكير ولشخصنة المنافسة، ما دام أن الحكامة الجيدة تفرض أن يكون هناك صراع البرامج، ولكن ما من شيء يقول بأن هذه العصب أو من يرأسها يمكن أن يخرج علينا ليقول بأنه فوق الجامعة، بذريعة أن من يختار الرئيس والمكتب الجامعي هي العصب والأندية، فما من شيء يقول بأن العصب والأندية سابقة قانونيا على الجامعات، وما من شيء يجيز مغالطة الناس ونقض المنطق وخرق الأعراف. يشغلنا جميعا إعلاما ورأيا عاما ما يحدث داخل عصبة الغرب من إقتتال بين من كانوا إلى وقت قريب عصبة تتوحد على كلمة سواء، وقد كنا على إستعداد لنعتبر ذلك فورة طبيعية وظاهرة صحية في إطار تجديد النخب، ولكن أن يتعدى الأمر ذلك ليصل إلى ملاسنات ومهاترات وخروج عن النص ويشتد النقاش للإنتصار لهذا الشخص أو ذاك وليس للعصبة نفسها التي هي واحدة من أقدم وأقوى معاقل كرة القدم الوطنية، فهذا ما أقصده، عندما أقول أن هيئاتنا وأنديتنا الرياضية، بعضها أو جلها يريد أن يكون فوق القانون. إذا ما جاز القول أن هناك شيئا متنازعا عليه داخل عصبة الغرب، يجب أن يرد إلى القطاع الوصي الذي هو الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وقد تفاءلت والجامعة تتحرك أخيرا في إتجاه إحتواء الأزمة بتحكيم المتنازعين للقانون الذي لا يمكن أن يكون قاصرا في الفصل، إلا أنني وجدت أن الجامعة «عْماتْها» عندما أرادت أن «تُكحِّلها»، فعوض أن تطلب المتنازعين إلى جلسة إستماع وتتحرى جيدا عن هذا الذي حدث وكان سببا في الإحتقان، وجدناها تقرر تجميد نشاط عصبة الغرب، ومن يجمد نشاط عصبة لا يمكن بالضرورة أن يوقف مبارياتها، ومن يوقف المباريات لا يوقف مباريات أندية القسم الشرفي دون سواها من الأندية، ما يعني أن الجامعة كالت بمكيالين فوضعت نفسها في حيص بيص. وعندما تعطي الجامعة الإنطباع للمتنازعين أنها تنتصر لطرف على حساب الآخر دون تقيد كامل بأحكام القانون، فإنها تقلل من قيمتها، بل وتسمح لجهاز من أجهزتها بالتمرد، والمحزن في كل هذا أنها لا تقيم وزنا ولا إعتبارا لما يطلق جزافا من تهم ثقيلة وخطيرة، لا هي قادرة على المتابعة والمساءلة برغم أن هناك مسا خطيرا بأخلاقيات كرة القدم. بصرف النظر عمن يكون المتنازعون في قضية عصبة الغرب، هذا الذي يحدث يقول بوجود شرخ كبير ليس من مصلحة الجامعة ولا من مصلحة كرة القدم المغربية السكوت عنه أو حتى التعامل معه باستخفاف. --------------------- تذكرون أننا أثرنا في أحد أعدادنا السابقة إلى ما يمثله العشق المعبر عنه من قبل المغاربة لغريمي الكرة الإسبانية برشلونة وريال مدريد من خطر على الإنتماء للأندية المغربية، ليس هذا فقط، بل إن الأمر يمثل خطرا داهما على المستقبل الإقتصادي والفكري والرياضي لهذه الأندية، وانتهينا إلى ما يشبه حكم قيمة، أن الإقبال المفرط على مباريات الريال والبارصا هو إستثناء كبير بالمغرب، لأنه مرتبط بالفرجة التي تقدمها الأندية المغربية، أي متى تعافى المشهد الكروي الوطني ومتى إرتقت الفرجة في مبارياتنا، متى أصبحت مشاهدة مباريات البارصا والريال للمتعة وليس للضرورة. وحكم القيمة بما تفرع عنه تأكد الأحد الماضي في تطوانالمدينة التي يقتسم حب الريال وبرشلونة هواءها وناسها، فقد شاءت البرمجة أن يواجه المغرب التطواني الجيش الملكي في توقيت حساس، فقد تزامنت الجولة الأولى لمباراة سانية الرمل مع الجولة الأولى لمباراة ريال مدريد وإسبانيول برشلونة وتزامنت الجولة الثانية من قمة الماط والفار مع الجولة الأولى لمباراة القمة بين برشلونة وأتلتيكو مدريد، ومع ذلك تواجد بمدرجات سانية الرمل أكثر من عشرة آلاف متفرج، أتحدى أن لا يكون واحدا منهم محبا لبرشلونة أو لريال مدريد، وهو الدليل القاطع على أن الإنتماء للأصل لا يموت أبدا، قد يعيش معه إنتماء للفرع ولكن مهما طال السفر فإن العودة دائما للأصل. شكرا لجمهور تطوان أنه حمى الإنتماء وذكرنا برائعة الشاعر أبو تمام. نقل فؤادك حيت شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل.