تجدد تشريفي، والإتحاد الدولي للصحافة الرياضية، يختارني لأن أكون مجددا من بين المتحدثين، من أيقونات الرياضة ومرجعيات الإعلام الدولي، في محور ساخن يتعلق بالأشكال الشيطانية، التي تظهر بها اليوم العنصرية في المشهد الرياضي العالمي. وارتأيت أن تشاركونني لحظة المكاشفة، من الزاوية التي اخترتها لمقاربتي لهذه الظاهرة البغيضة، وقد كنت في ذلك سفيرا للإعلام الرياضي المغربي والعربي في ندوة عن بعد جمعت أقطاب الرياضة والإعلام من كل قارات العالم.. لن نختلف ونحن نرصد ما يسود اليوم المشهد الرياضي العالمي من مظاهر سلوكية هدامة ومنبوذة، على أن العنصرية والتمييز بمختلف تمظهراته، هما أكثر هذه الظواهر مدعاة للقلق وأكثرها حاجة لتحرك عالمي يحول دون استفحالهما، فهما معا تضربان في الصميم كل القيم الإنسانية التي انتصرت لها الرياضة منذ قرن ونصف من الزمان. وبرغم أننا كعرب وكأفارقة، نظهر في بؤرة العنصرية والتمييز كضحايا فعليين أو مفترضين لأفعال عنصرية لا كجناة، بالنظر لما يستهدف رياضيينا، وبخاصة منهم من ينتقلون بعيدا عن أوطانهم ليكملوا مسارهم الرياضي بقارة غير قارتهم، من حملات عنصرية مقيتة ومن تعبيرات وممارسات تمييزية عرقية وجنسية ولغوية ودينية في مدرجات الملاعب وفوق البساط الأخضر وفي الغرف المغلقة وفي المنابر الصحفية التي تفوح منها رائحة القذارة العنصرية، وبرغم أن ظاهر الأشياء يقول بأن مشهدنا الرياضي المغربي وحتى الإفريقي لا يشكو من ظاهرة العنصرية والتمييز، بذات الحدة والوطأة التي تسود المشهد الرياضي الأوروبي على سبيل المثال لا الحصر، إلا أنه عند الإستقراء العميق للتدبير الرياضي وللخطاب الإعلامي وللغة المناصرة السائدة في المدرجات، سنقف على مجموعة من التجاوزات السلوكية واللفظية التي لها طبيعة عنصرية وتمييزية، إن لم يتم التحسيس بخطورتها، وإن لم يتم السيطرة عليها بتحذيرات قانونية، فإنها ستضعنا أمام نمط جديد من العنصرية، قد يختلف عن النمط السائد اليوم، ولكنها في النهاية عنصرية في المبنى والمضمون. إننا نعطي بتكريسنا لقيم التعايش والإنفتاح والقبول بالآخر، الإنطباع على أننا لسنا عنصريين لا بالفعل ولا بالقول ولا بالتعبير، وعلى أن مشهدنا الرياضي يخلو تماما من خطابات التمييز والكراهية والتطرف، إلا أننا في حقيقة الأمر، نصدر من خلال ملاعبنا الرياضية ومن خلال الخطابات الإعلامية الكثير من التعبيرات التي تصنف في العادة على أنها عنصرية وتمييزية، بخاصة عندما يتعلق الأمر بإعلاء قيمة الإنتماء للوطن أو للنادي الرياضي، فعندما نسمح للجماهير بأن تردد أوصافا قدحية للتقليل من شأن المنافسين ولتحطيم معنوياتهم، وعندما لا ننتفض وصافرات الإستهجان تنطلق من مدرجات ملاعبنا والنشيد الوطني للفريق المنافس يعزف، وعندما نقول بأن رياضيينا يقتحمون الأدغال والأحراش لكسر شوكة المنافسين، وكأننا نعطي الإنطباع على أنهم ذاهبون لمواجهة وحوش ضارية، وليس لمقارعة لاعبين بشرا من لحم ودم، وعندما لا ننتبه لما تمرره الجماهير في أناشيدها من عبارات تمييزية إما دينية أو لغوية أو لونية أو جسدية، فإننا نسمح للعنصرية بأن تستوطن مشهدنا الرياضي وتحطم القيم النبيلة والرفيعة للرياضة الواحدة بعد الأخرى، وإزاء ذلك وجب أن نرفع درجة اليقظة. إننا ننحاز للتعبئة التي يشهدها العالم في حربه ضد العنصرية والتمييز، ونقف على خط واحد مع كل القوى الحية لمواجهة خطرها المستشري، وبحكم أننا كأفارقة وكعرب أكثر المتضررين من العنصرية ومن التمييز ومن النظرة الدونية التي تتفجر من سلوكات الآخرين، من خطاباتهم التنقيصية ومن نرجسيتهم الوقحة ومن تضييقهم المقيت على الحريات الدينية لرياضيينا، فإننا أكثر من يدعو العائلة الرياضية العالمية إلى تجفيف منابع العنصرية والتطرف والمعاملة الدونية، وبالقدر ذاته فإن المعركة التي نخوضها كعرب وكأفارقة ضد كل المظاهر السلبية للتمييز العرقي والديني واللغوي التي ترتع في المشهد الرياضي العالمي، هي نفسها المعركة التي يجب أن نخوضها كعرب وكأفارقة لكي لا ننتقل من وضعية الضحية إلى وضعية الجاني والمذنب، والقصد هنا أن لا نصاب بالعدوى، أن نراقب خطابنا الإعلامي فنمنع عنه كل جنوح للتطرف أو للتمييز تحت أي ظرف، فلا يكفي أن نستنكر العنصرية قولا، ولا يكفي أن نناهض بالتعبير الجاف التمييز بمختلف أشكاله، ولكن يجب أن نفتح النقاش لنعرف من أين تأتينا هذه العنصرية؟ وبأي شكل تأتينا؟ وكيف ندفعها عن بيتنا الرياضي. إن الإعلام الرياضي بوصفه مخاطبا لقاعدة كبيرة من الجماهير عبر الكثير من وسائط الإتصال، يستطيع أن يلعب دور الرقابة والتوعية والتحسيس ويساهم في نبذ العنف والعنصرية والكراهية، وكلها معاول هدامة للقيم الإنسانية الجميلة للرياضة، قيم الإندماج والإنفتاح والقبول بالآخر، وبالطبع فإن هذه الوظيفة التحسيسية للإعلام الرياضي في عالمنا العربي وفي قارتنا الإفريقية، يجب أن تواكبها وظيفة تمتيع الخطاب الإعلامي الرياضي بالحصانة التي تحول بينه وبين التعبيرات والتوصيفات العنصرية والتمييزية التي تشجع على التطرف والكراهية ورفض الآخر. وكما أننا بادرنا في حربنا القوية على العنف في الملاعب وعلى الغش وعلى التعاطي للمنشطات، إلى إقرار قوانين زجرية، فإن الحاجة للإستباقية ولدرء المخاطر، تفرض على حكوماتنا أن تبادر إلى جعل المنظومة القانونية للرياضة تعاقب كل فعل له طبيعة عنصرية بالتصريح أو حتى بالتلميح، وأن تجرم كل حركة هدفها التمييز بكل أشكاله وإشاعة خطاب الكراهية، بل وأن تنتبه حكوماتنا إلى ما يوجد في المشهد الرياضي العربي والإفريقي من مظاهر التمييز غير المعلن، والدال عليه الوضع الكارثي لرياضة المرأة ورياضة ذوي الإحتياجات الخاصة، فكلاهما يأتي بعد مسافة كبيرة من الرياضة الذكورية. ومن أنواع التمييز والتبخيس السائدة عندنا، والتي لا يقبل بها عقل راجح، أن المرأة تجد عندنا صعوبات كبيرة في الوصول إلى مراكز القرار الرياضي إن على المستوى الوطني أو المستوى القاري، وهذه التفاوتات هي من أصل تمييز مقيت وتنقيص للقدرات والمهارات، لا يمكن القبول بهم إطلاقا. إن معركة مناهضة العنصرية في الرياضة هي معركتنا جميعا، معركة تستدعي أن نقول جميعا بلسان واحد مهما اختلفت اللغات والعقائد ودرجات الشكوى.. لا للعنصرية.. لا للتمييز بمختلف أجناسه.. لا لخطاب الكراهية.. لا لكل ما يريد ضرب القيم الجميلة لرياضتنا.. وأن نقول نعم للتسامح وللتعايش وللإبداع الإنساني ولقبول الآخر، وأن نشجع على التربية التي تناهض العنصرية والتطرف والغش. ولا أشك في أن الإتحاد الدولي للصحافة الرياضة سيمثل الجسر الذي يعبره كل الإعلاميين في كل القارات، ليقفوا على هضبة واحدة للدفاع عن المبادئ السامية والإنسانية التي تأسست عليها الرياضة، فكانت بها أداة للإندماج وللوحدة وللتكافل الإنساني.. الرياضة التي أبدعت في تعميم ملاعب الفرجة على كل القارات، وجعلت من العالم عالما واحدا يتنفس هواء واحدا ويتحدث لغة واحدة، لغة العشق والوله، وينشد نشيدا واحدا.. نشيد الأمل الذي تزدهي به الحياة.. تلك الرياضة التي يستحيل أن تعيش في مستنقع العنصرية وفي مزابل التمييز..