كأي مشروع جديد، كانت هناك جيوب المقاومة التي وجدت مصالحها مهددة بشكل أو بآخر، خصوصا بعد إقبار تجربتي مجموعتي النخبة والهواة. ولم يكن انطلاق مشروع الاحتراف بالمغرب موسم 2011-2012 سوى تنفيذ للإشارة التي حملتها الرسالة الملكية لسنة 2008 التي أوصت بضرورة دخول المغرب لعالم الاحتراف، فعلي الفاسي الفهري الذي خلف الجنرال دوديفيزيون حسني بنسليمان شهر أبريل من سنة 2009 على إثر الخسارة بالدارالبيضاء أمام الغابون، حضر بأجندة تتضمن نقطة أساسية وهي الخروج من نمط اللاهواية إلى الإحتراف وفق دفتر تحملات واضح يقطع مع مختلف التجادذبات والمشاريع السابقة. وما جعل ركائز المشروع تقف على أرض صلبة هو صدور قانون التربية البدنية 09.30 سنة 2010 الذي حدد تعريفا نهائيا للهاوي والمحترف، وفرض عقود شغل بين الجمعية الرياضية والرياضيين والأطر الرياضية المحترفة، إلى جانب تحديد معايير وشروط إحداث عصب احترافية وشركات رياضية. ونجحت جامعة كرة القدم في زمن قياسي في إعداد دفتر تحملات يتضمن شروط حصول الأندية على رخصة تمكنها من المشاركة في البطولة الإحترافية والمنافسات الإفريقية، وحصر معايير المشاركة في البطولة الاحترافية والمنافسات الإفريقية، ووضع جدول للعقوبات في حالة خرق أو عدم احترام نادي لمعايير المشاركة في البطولة الاحترافية، واستند ذلك على خمسة معايير هي: الرياضيون والبنية التحتية والجوانب الإدارية والقانونية والمالية، كل ذلك بانسجام مع أهداف ومضمون قرار الجمعية العمومية للفيفا سنة 2006 ودورية الكاف لسنة 2012، واللذين يلحان بالأساس على ضمان مصداقية وسلامة الأندية، وتحسين الجوانب الإحترافية لدى مختلف المتدخلين في اللعبة، وتعزيز الشفافية المالية في تدبير ممتلكات الأندية وفي مراقبة. بعد تسع سنوات على انطلاق المشروع، يتوجب أولا التنويه إلى الدور الذي لعبه المكتب الجامعي برئاسة علي الفاسي الفهري الذي ربما ربط البعض مرحلته بعدم تأهل منتخب الكبار لمونديال البرازيل 2014 والإقصاء من الدور الأول من النهائيات القارية سنتي 2012 و2013، ولم يتم الإلتفات إلى عملية التقعيد الإداري والإجرائي والقانوني التي اشتغل عليها طيلة 4 سنوات ومكنت جامعة فوزي لقجع من إغنائها وتطويرها. لم يكن ذلك نهاية المشوار، فبما أن الأمر يتعلق بتغيير عقلية وليس بمساطر وإجراءات، فقد حتم ذلك على لجنة المتابعة والتدقيق (OPI) بالجامعة ممارسة مرونة شديدة في تعاملها مع نواقص الملفات المقدمة للجامعة التي كان بعضها يؤدي إلى إنزال الفريق إلى القسم الموالي بالنظر إلى عدم احترامها لدفتر التحملات، ما دفع الجامعة إلى إجراء معاينات مباشرة والتواصل مع الجماعات المحلية إن اقتضى الحال. وضمن الحصيلة التقنية الأولية يمكن تسجيل تحسن الأداء التقني وارتفاع عدد الأهداف المسجلة في كل موسم كروي ما بين 2013 و2019 بحوالي 100 هدف، كما تم القطع مع الممارسات السابق الخاصة بعقود اللاعبين ومستحقاتهم المالية، إلى جانب اتساع قاعدة الممارسين المرخصين على مستوى الجامعة من 64 ألف مرخص له سنة 2014 إلى 89 ألف مرخص له سنة 2018 وتسجيل 5 أندية مغربية حضورها في الأدوار المتقدمة من المنافسات الإفريقية وتحقيق أربعة منها لستة ألقاب في السنوات التسع الأخيرة، وتربع البطولة المغربية في المركز الأول إفريقيا رغم أن مصر وتونس وجنوب إفريقيا ولجوا الاحتراف سنوات قبل المغرب. لقد أصبح المغرب منجذبا صوب الإحتراف أكثر منه صوب اللاهواية، مع بداية وجود حالة من الإقتناع بأن بلوغ قمة الإحتراف قد تتطلب 10 أو 15 سنة، وأنه من الطبيعي أن تعرف البداية تمنعا في قبول شكل جديد من التدبير، بما أن الأمر يتعلق بتغيير عقلية وليس بضخ أموال...فالمغرب، شئنا أم أبينا، يعيش مرحلة انتقالية صوب الاحتراف ولم يصل بعد للمحطة النهائية. د. منصف اليازغي (باحث جامعي في السياسات الرياضية)