يجبرني على العودة مجددا، لما أطلقه جياني إينفانتينو رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم من عيارات ناسفة، خلال ندوة تطوير المسابقات والبنيات التحتية بإفريقيا، المنظمة مؤخرا بمركب محمد السادس لكرة القدم بسلا، أولًا دقة هذه العيارات في استهداف الكثير من الحيتان، التي تضخمت بفعل الفساد، لدرجة أنها حجبت شمس الأمل وأنهكت سواعد الإصلاح، وثانيًا لتوقيتها وجرأتها، فقد كانت كرة القدم الإفريقية بحاجة إلى من يجهر بحقائقها المؤلمة، وقد مر عليها كثير من المنتفعين ومن ذوي قضاء الحاجات بالكذب والمغالطة ودغدغة المشاعر. صحيح أن ما اتكأ عليه إينفانتينو ليكون جهره بهذه الحقائق الصارخة، وليقدم مقترحات بالغة الأهمية والدقة، تقارير رفعتها له أمينته العامة، السينغالية فاطمة سامورا التي قضت ستة أشهر داخل دواليب الكونفدرالية الإفريقية، تقلب الأوراق وتفك شفرات ملفات سرية وتفتحص آليات العمل والتدبير لتقدم في النهاية ما يشبه تقرير حالة، إلا أنه يحسب لإينفانتينو أنه حاد كثيرا عن الديبلوماسية الغبية التي انتهجها من قبله جوزيف بلاتير، فكان راعيًا للفساد، بحجة أنه لا يريد ضرب الأفارقة في كبريائهم وهو من تلاعب بهم وبأصواتهم لعقود من الزمن، منذ أن كان ظل هافلانج في إمبراطورية الفيفا، إلى أن أصبح حاكمها الأول. كان من الممكن أي يهادن إينفانتينو، ويمرر للأفارقة خطاب الإستنكار من كآبة المشهد الكروي الإفريقي، بطريقة ذكية لا تؤذي ولا توجع، إلا أن معرفته اليقينية أن نجاح المقاربة التصحيحية والإصلاحية لكرة القدم في كينونتها، يقتضي وجود نوع من العولمة لهذا الإصلاح، فقد اختار جيدًا طريقة اللعب، فلا قوة للفيفا، ولا أمل في أي ثورة على الفساد الذي استشرى داخل كرة القدم العالمية، إذا لم يتم اختراق كل الجحور، وفي الكونفدراليات القارية الكثير منها، لذلك كان من الحتمي أن يصعد إينفانتينو اللهجة والخطاب ويختار المقاربة الأنجع في عولمة الإصلاح، المباشرة في كشف الحقائق وفي اقتراح البدائل والحلول. ولا نحتاج لكثير من الذكاء، لنقرأ في ثنايا خطاب إينفانتينو ما يظنه بالكرة الإفريقية، وبالجهاز الوصي عليها وأيضا بالجامعات الوطنية، فهو يتحدث عن فساد استشرى حتى هوى بالحكامة إلى مستويات متدنية، ويتحدث عن تحكيم هو ضامن العدالة والنزاهة في كرة القدم، وقد غدا أسيرا لأهواء ونزوات بل وتحت سلطة الحكومات قبل الجامعات، ويتحدث عن أوصياء على كرة القدم الإفريقية غير جديرين بالثقة، بدليل أنه يرفض رفضا قاطعا أن يضع ملايين الأوروات التي سترصد لبناء الملاعب والمرافق الرياضية بإفريقيا في جيوب المسؤولين، ويتحدث أيضا عن نمطية قاتلة في إدارة المسابقات التي توجد تحت مسؤولية الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، نمطية تكبل الأيدي ولا تسمح بتحصيل عوائد مالية أكبر. بالقطع ليس كل ما قاله إينفانتينو أو اقترحه في الدليل الإصلاحي، هي أوامر صادرة للكونفدرالية للإذعان لها وتنفيذها بالحرف، وإلا فما حاجتنا إلى مؤسسة ترعى الكرة الإفريقية وتدافع عن مصالحها وتضمن لها الإستقلالية التي تعزز هويتها وخصوصيتها في المشهد الكروي العالمي، إذا لم تكن لها الشخصية القوية والقدرة على قولبة هذا الإصلاح، إلا أن هناك حاجة لأن يكون كل هذا الذي قدمه رئيس الفيفا من مقترحات، موضوع دراسة معمقة ينكب عليها خبراء، إذا توفروا للكاف بالقدر الكافي، تضاف لنتائج الإفتحاص الذي خضعت له الكاف، ليكون ممكنا صياغة استراتيجية عمل جديدة، غايتها تحرير كرة القدم الإفريقية من الرتابة التي تطبع سيرها، واستئصال الفساد من جذوره، ورفع الحكامة لمستويات عالية والحصول على نخب رياضية إفريقية تكون أهلًا للتحديات القادمة. كأس إفريقية للأمم كل أربع سنوات بدل سنتين، هذا أمر مقدور عليه والعمل به فرض عين إن كان فيه مصلحة للكرة الإفريقية، واعتماد دوري ممتاز للأندية للرفع من قيمة اللاعب الإفريقي، هذا أيضا مقترح جيد ستكون له تداعيات إيجابية على الكرة الإفريقية، كل هذه الأشياء على أهميتها، لا تعلو على رهان تنظيف المشهد الكروي الإفريقي من الفساد، فقد بحت أصوات أساطير الكرة الإفريقية من فرط المطالبة بتسيير احترافي لكرة القدم الإفريقية، على أمل أن نصل يومًا لمشهد كروي إفريقي، يكون نجومه لاعبين مبدعين فوق البساط الأخضر، ولا يكون أبطاله مسيرين تنتفخ أرصدتهم بعرق النجوم، ولا يفارقون المنصات الإعلامية حبا في الظهور..