سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه، لأن غفلتك من وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور... ".
من الحكم العطائية نسبة إلى العالم الفقيه والصوفي الجليل سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري (1260-1309ه) كتب الله -عز وجل- لها القبول عند عامة الناس وخاصتهم، وهي جواهر فريدة في أصول الأخلاق والسلوك ودرر تليدة في قواعد السير إلى ملك الملوك، لها من الشروح ما يند عن الحصر والعد، مغربا ومشرقا، وترجمت إلى عدة لغات. "لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه، لأن غفلتك من وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور، وما ذلك على الله بعزيز". في هذه الحكمة المباركة ينهى الشيخ بن عطاء الله رحمه الله عن ترك الذكر لرؤية أو لمس غفلة فيه، وعدم حضور القلب أثناءه مع المذكور، الله جل جلاله. وهو –أجزل الله مثوبته- هنا يضع اليد على أحد أخفى وأخطر مداخل الشيطان للمرشحين من العباد للتكميل، وهو مدخل يتمثل في الازورار بهم من التكميل الذي هو في متناول كل إنسان، إلى الكمال الذي يختص به في حدود الإمكان البشري ... الأفراد من بني الإنسان! ويشير الشيخ ابن عطاء الله –أجزل الله مثوبته- في هذه الحكمة المباركة إلى وجوب إنشاء الإنسان في حظيرة عاداته لمجال يوطّن عادة الذكر ويثبتها فيه، دون أن يصرفه عن ذلك توقه –وكما تقدم- إلى الكمال، منتهجا في ذلك الموازنة والترجيح بين غفلتين، دارئا أعظمهما ومحتفظا بأدناهما، حيث انفصل رحمه الله بأن الغفلة مع وجود الذكر أهون من الغفلة في غيابه وذلك بقوله: "غفلتك من وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره"، ملمحا إلى أن المرء باستدامته الوقوف بالباب، قد يرحم ويفتح له الباب وينفذ للُّباب. وقد بيّن الشيخ بن عطاء الله رحمه الله في هذه الحكمة الطيبة أن الحضور في الذكر مراتب أربع: -أولها: الذكر مع وجود الغفلة وهو أفضل من عدم الذكر. -ثانيها: الذكر مع وجود اليقظة، حيث يكون الذاكر يقظا متفطنا منتبها لكونه يذكر الله جل وعلا، ويستمطر رحماته ورضوانه. -ثالثها: الذكر مع وجود حضور؛ ويقصد به الحضور مع المذكور، والجمعية بكل مكونات الذات والوجدان عليه. ورابعها: الذكر مع وجود الغيبة عمن وعما سوى الله المذكور، وهو ما قصده العارف بالله مولاي عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه في صلاته المتفرّدة حين قال: "وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحسّ إلا بها" [الصلاة المشيشية]. والله المستعان. الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء