ما بالك بشباب تشع قلوبهم بالنور والصفاء، وتتفجر من عقولهم معاني الحب والإخاء، والشباب بطابعه الحركي الأصيل، وجوهره النقي ينفر من حياة التبلد، ويرفض لأمته الاتكالية والانهزامية، بل إنه ليدمغ المنسحبين الفارين من ميادين الحياة، ويدمدم على القابعين في جحور العزلة والجمود، إنه شباب التكامل بين الدين والدنيا، كما يسعى إليه كل غيور على أمته وإنسانيته، لتحقيق مستقبل مشرق لصنع التقدم وتحقيق الرخاء وتأمين الأرض وما عليها من عباد، وتطويع الصعب وتطوير الواقع وسط ظلام التخلف الحالك السواد، ومن خلال ضباب المواقف الدنيئة للمتقاعسين والسلبيين ومن بين ركام التخلف المزمن، الذي ران على فكر الأمة الحضاري بفعل عقول متحجرة كبلت القوة المبدعة المتألقة وعرقلة جهود الشباب المنفتحة عن الانطلاق نحو الخلق والابتكار، فمواقف الشباب تشكر في التقريب بين ألوان الثقافات والتأليف بين المتنافرين وإزالة ما بينهم من بغضاء وكراهية. والحديث عن الشباب يؤدي إلى تحريك أوتار طال العهد بهمودها، وإلى نفض غبار عن أجداث وجثث ممددة، وعواثر من الأشواك أدمت الحلوق والألسنة، وعوائق باعدت بين الإنسان والإنسان، والإنصاف عند النخبة جحود وإنكار، وبلادة وغباء، نخبة آثرت الانزواء والخمول والانكماش والتستر، ومع ذلك فالسفينة تمخر عباب محيط الحياة وسط الرياح والأمواج العاتية؛ لأن الربان ماهر اختير من خيرة الشباب، ساهر لا يهمه وإن نام جميع الركاب، هذه الشريحة التي تسمي نفسها (النخبة)، وأنا أسميها الحثالة الفاشلة التي ورثنا من آثارها الخمول والانكماش والجهل بآليات الحياة، وبئس الميراث الذي عاق أجيالا من الرحلة لجمع الفضائل، وترويض المعارف والعلوم وتوسيع المدارك وتلقيحها بلقاح المنصف للقيام بما تحتاجه الحياة وميادينها المتشعبة. وأكبر عيوب النخبة جهل مطبق بأحوال العصر ولوازمه وأكبر عيوب البعض، جهل فاضح بحقائق الإسلام وأخلاقه وآدابه، وبتاريخ الإسلام وهو المصباح المضيء، والكوكب الدري المنير، ولا راحة لنا من هؤلاء إلا إذا جاء الشباب وحان وقت العمل، فإن القافلة إذا سارت وشدت الرحال تخلف العاطل وظهر الحق من الباطل، والحياة آلتها تتحرك تمتد إلى العلاقات البشرية بشتى ألوانها، والروابط في مختلف أنواعها؛ ومن شاء أن ينظر إلى خيرة الشباب وهم يقتحمون سبل الحياة لفتح الأبواب الموصدة والقلوب النافرة الجامحة حتى تلين، يثابر ويصابر ويكافح وينافح بعزيمة لا تقبل مراودة ولا مساومة، ورغبة عارمة، وبمشاعر التضامن والمصير المشترك بيننا وبين الآخر، من التحرير والتأصيل والتنقيب لتجديد معالم الحياة بسلوك جاد، لولوج الفضاء الرحب وانسجام مع الضمير ومتطلبات العصر، لبناء إنسان جديد فخور بإنسانيته متفاعل مع عصره . إننا في حاجة إلى أجيال من الشباب القوي البناء الداخلي، راسخ الجذور خبير بأزمات التاريخ ليحول جبابرة العصر إلى أتباع وخدام أوفياء، كما حول في الماضي شباب الأمة جبابرة المغول والأتراك إلى أتباع وخدام أوفياء، وعلينا أن نكون عقليات اجتهادية جبارة، كأبي حنيفة النعمان وأضرابه رضوان الله عليهم وهذه الخطوة تبدأ بتجلية العبقريات، ثم كيفية التعامل مع هذه العبقريات، إن طيب الأصل في الشباب إذا آزره طيب البيئة الراعية، والحق وإن استتر زمان بتبوت التضليل والباطل، لابد أن يظهر ولو بعد حين، وصدق الله العظيم إذ يقول: "وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ" [ص، 86]، والاستمساك بالدين أصل لكل فضيلة، ومثل هذه العبقريات يشهد الواقع للشباب من خلالها بأنه بز الرجال بصفاته الكمالية الكريمة، تجعله يؤسس مفهوم العيش المشترك، وترسيخه بما يعني لنا وللآخر اتساع الدنيا، وفضل الله ونعمه فيها لمخلوقات الله أجمعين، والأخوة الإنسانية هي الأساس الذي يؤهل الجميع للتعارف والتعامل وتبادل المصالح والمنافع، والطعام والشراب لا يطيب مع الشحناء والبغضاء. ومن يتتبع خطوات الشباب يتنامى عنده الفخر والإعجاب، فكل ما في الشباب يدعو للإعجاب به والمودة له: علمه، أخلاقه، تواضعه، جهاده ومثابرته وتفانيه، وسحر كلامه وشخصية آسرة ومضيئة، وجماع ذلك الخير الذي يسديه للبشرية بلا من كإنسان حي القلب ريان الضمير، ملاذ يأوي إليه كل محرور من نوائب الدهر كما يأوي المحرور من الشمس إلى ظل دوحة وارفة الظلال، وكما يأوي العطشان إلى نبع ثر يفيض بالماء القراف النمير، فدين الله حق للمسلمين ولغير المسلمين، وأعمال وجهود الشباب منصبة ومتوجهة إلى خدمة الناس أجمعين. والشعور بالواجب هو مشكلة الإنسانية في هذا العصر، والشباب بهذا الشعور يذلل للأمة والآخر ما أمامهم من عقبات، فتراه ينطلق مرسيا دعائم الحق تعليما وإرشادا في ثوب من التوازن والاتساق، في الصلاح والإصلاح، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، والشباب بنبض قلبه وفيض إيمانه وصادق عرفانه بربه عز وجل، وصريح فهمه للحياة وما وراء الحياة، وهو قلعة من الحياة، وشهاب يضيئ بأنواره العالم، وذلك فضل الله يوتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، والابتعاد عن دوائر التعصب والانغلاق وقديما قيل: "لشعب من معدنه لا يستغرب" وهم خير من يبحث عن المداخل الحقيقية للتغيير بغطاء الاعتدال والتوسط واستقامة السلوك، وبث روح الطموح والتطلع إلى العلياء والتغلب على الموانع بالحلم والأناة، والتمسك بالفضيلة، وبما يدفع بالإنسان إلى شرايين الحياة.. يتبع بحول الله..