لا شك في ان اميركا تريد الفتنة في لبنان، او بتعبير آخر هي تريد استدراج حزب الله الى ذلك الفخ.... هذا مما لم يعد يحتمل الجدل. لكن معيارها ليس لبنانيا، ولن يرف جفن لاحد من المسؤولين الاميركيين اذا ما نقص عدد اللبنانيين بضع مئات او بضعة آلاف، وانتهى الامر الى تحقيق هدف سياسي بسيط جدا في الحوار الاميركي مع سوريا او مع ايران. والارادة بالفتنة هي في تعريف الاميركيين، رد على هجوم سوري ايراني واسع النطاق شنه البلدان في خلال العامين الماضيين، واستغلا فرصة قرار ادارة اوباما الانخراط مع دمشق وطهران، كي يعززا نفوذهما في لبنان والعراق وفلسطين، وكي يعلنا من بيروت بالذات ولادة الشرق الاوسط البديل لذلك الذي سبق ان اعلنت واشنطن قيامه في اعقاب الغزو الاميركي لافغانستان ثم العراق : اولا من خلال الحملة على حكومة سعد الحريري ومطالبته بالاستسلام وتسليم نفسه نهائيا الى العاصمة السورية مع بقية رفاقه المطلوبين في مذكرات التوقيف الشهيرة التي صدرت في اليوم التالي للقاء هيلاري كلينتون ونظيرها السوري وليد المعلم في نيويورك في ايلول الماضي. وثانيا من خلال اعلان محمود احمدي نجاد خلال زيارته لبنان، نصرا سياسيا ساحقا في معركته اللبنانية على اميركا واسرائيل. الثابت حتى الآن ان اميركا لم تكن في يوم من الايام راضية على المصالحة السعودية السورية، وهي ترى انها كانت ولا تزال تعتبر تنازلا مجانيا من جانب الرياض التي لن تستطيع الحصول على اي مقابل من دمشق لكن ما طرأ في الآونة الاخيرة ان واشنطن لم تعد تكتفي بالعتاب او اللوم للسعوديين، بل قررت كما يبدو العمل على تعطيل هذه المصالحة، من خلال المحكمة الدولية والقرارات الاتهامية التي باتت تكتسب بعدا جديدا، وتوفر فرصة ثمينة للاميركيين كي يخوضوا ذلك النوع من المواجهة مع سوريا وحلفائها اللبنانيين، مزودين بأسلحة قضائية وقانونية فعالة. الهجوم الاميركي بدأ بالفعل، وهو يشبه الى حد بعيد ذلك الهجوم الذي جرى تنظيمه في العام 20042005، كما ان ادواته هي نفسها، وليس من المستبعد ان يجري تطويره لاتخاذ قراردولي جديد يدين حزب الله وسوريا ويطالبهما بالتعاون مع التحقيق والمحكمة الدولية تحت طائلة التعرض لعقوبات دولية اضافية لن يكون الرد عليها بعقوبات مشابهة من جانب الحزب ودمشق.. بل بعمل سياسي عسكري يهدف الى صد الهجوم ويعطل مفاعيله، لكنه يشكل اختبارا جديدا لموازين القوى اللبنانية والاقليمية التي تبدو هذه الايام عرضة للاهتزاز. اميركا تريدها معركة، وهي لا تخفي ذلك ابدا، سواء في اعتبارها ان الخيار بين العدالة والاستقرار مصطنع، او في تقديرها ان الفتنة بين السنة والشيعة قائمة في لبنان مع المحكمة ومن دونها.... وهو كلام يردده المسؤولون الاميركيون في مجالسهم بكل صراحة ووضوح، في ما يشبه الهذيان، الذي لا يقيم وزنا للدم اللبناني، ولا طبعا للاستقرار اللبناني الذي يمكن ان يضحَّى به