في كل مرة نحاول فيها أن نتطلع للأمام لمناقشة مواضيع أخرى، نجد أن ملف إقالة المدرب بادو الزاكي من مهامه مازال يكشف في كل مرة حلقات جديدة، وآخرها أن جامعة كرة القدم بعثت بالبريد المضمون رسالة إلى بادو الزاكي تدعوه من خلالها إلى الالتحاق بمقر الجامعة لتسلم مستحقاته وتوقيع وثيقة فسخ العقد بشكل رسمي. هنا سنجد أنفسنا مرة أخرى ملزمين بطرح العديد من الأسئلة، التي تتعلق بهذا الموضوع الذي حولته الجامعة بوعي أو بدونه إلى ملف معقد، تختلط فيه الحقائق بالأكاذيب. ألم تعلن الجامعة في بلاغها الذي نشرته عبر موقعها الرسمي أن «الانفصال عن الزاكي تم بالتراضي»، فأين هو «التراضي المزعوم» الذي روجت له الجامعة، وأعلنت عنه رسميا؟ وكيف يمكن أن يتم «الانفصال بالتراضي» ورئيس الجامعة ومعه سعيد الناصري رئيس العصبة الاحترافية ظلا يعقدان اللقاء تلو الآخر بالزاكي بعد الإعلان عن الانفصال من أجل التوصل لصيغة طلاق بالتراضي.لقد روجت الجامعة أيضا أن الزاكي سيحصل على راتب ثلاثة أشهر، كما هو مدون في العقد الذي يربطه بالجامعة، وانتهى الكلام، قبل أن يتبين أن هذا الأمر مجرد «كذبة» كبيرة وأن حصول المدرب على راتب ثلاثة أشهر يتم في حالة عدم تحقيقه للأهداف المتفق عليها، وعندها يقال بشكل أوتوماتيكي، وليس كما هو عليه الأمر اليوم، إذ أن المنتخب الوطني يتصدر ترتيب مجموعته بست نقاط، وتفصله ست نقاط أخرى ليتأهل رسميا إلى «كان» 2017 بالغابون. لقد روجت الجامعة أيضا أن الزاكي سيحضر ندوة تقديم الفرنسي هيرفي رونار، وأنه هو الذي سيسلمه قميص المنتخب الوطني، واتضح مرة أخرى أننا بصدد «أكذوبة» أخرى. كما أعلن رئيس الجامعة في ندوة تقديم رونار أيضا أن الزاكي مازال له دور في الإدارة التقنية، وأنه اقترب من التوصل إلى اتفاق معه بخصوص المنصب الذي سيشغله، ثم تبين أن ذلك ليس صحيحا. كل هذه «الأكاذيب» يمكن أن نضيفها إلى «أكذوبة» رئيس الجامعة، عندما خرج بوجه مسرور ليتحدث إلى الصحفيين، وهو يقول إن الخبر الذي انتشر حول إقالة الزاكي من مهامه مجرد «إشاعة»، وأن الزاكي باق في مهامه، قبل أن يتضح بعد أقل من 12 ساعة، أن «الإشاعة» حقيقة، وأن الزاكي أقيل فعلا من مهامه. في كل اتحادات العالم، عندما تقرر الجامعة الانفصال عن المدرب، فإن ذلك يتم بوضوح، وليس باللف أو الدوران وترويج الأكاذيب، وتعيين «لجان صورية». الصدق عملة ضرورية لنجاح أي مسؤول، وبدونه لا يمكن أن يتجاوب معه أي كان، أما عندما يتحول «الكذب» إلى عملة متداولة، فليس أمامنا إلا نتوقع الأسوأ، لأن فقدان الثقة في من يدبر الأمور يمكن أن يهدم كل شيء، وسيجعل كل تصريحات ومبادرات المسؤول محل شك إلى أن يثبت العكس. بعد الانفصال عن بادو الزاكي تحركت أسطوانة الجامعة التي تردد ما مفاده أن المرحلة المقبلة ستشهد ترشيدا للنفقات في ما يتعلق بالمنتخبات الوطنية، وخصوصا المنتخب الأول. اليوم لم يعد السفر يقتصر على المدرب فقط، بل إنه سيشمل مصطفى حجي، الذي تحول إلى ما يشبه المكلف بمهمة في أوربا، ومساعد رونار باتريس بوميل، الذين سيقومان بجولات أوربية. فهل ترشيد النفقات هو أن يسافر مدربين للمهمة نفسها، وألا تريد الجامعة أن تعطي لحجي دورا ليس موجودا، فمتى كان اللاعبون المغاربة الذين يمارسون في أوربا بحاجة إلى وسيط بينهم وبين المدرب. إنه العبث، وللأشف الشديد فإن هناك اليوم من يزين للجامعة أفعالها، أما من يقول الحقيقة فإنه حتما «مغرض» أو «حاقد» وهلم أجرا…بينما من تحولوا إلى أبواق و»طعارجية» بمقابل معلوم، «وطنيون». هل هي صدفة أن يتم إبعاد سعيد شيبا من الطاقم التقني للمنتخب الوطني بعد تعيين هيرفي رونار؟ قطعا ليست صدفة، فشيبا كان الوحيد ضمن طاقم مساعدي الزاكي الذي رفض طلب فوزي لقجع رئيس الجامعة بأن يكتب تقريرا عن مباراة إياب المنتخب الوطني وغينيا الاستوائية، ذلك أنه قال لمخاطبيه إن هذا الوضع ليس سليما، وأنه لايمكن أن يكتب تقريرا وهناك مدرب أول، ثم قال لهم:» اعتبروا تقرير الزاكي هو تقريري». لم «يهضم» لقجع يومها رد شيبا، لذلك، لم يفوت لقجع الفرصة وجعله خارج الطاقم التقني. والخلاصة أن من شاركوا في «المؤامرة» ظلوا ضمن طاقم المنتخب الوطني، ومن لم يكونوا طرفا فيها تم إبعادهم. هذه هي الخلاصة المؤلمة، فماذا يمكن أن ننتظر من جامعة تطبخ المؤامرات وتشارك فيها، وتحول منتخبا وطنيا له رمزيته في قلوب المغاربة إلى «سوق مفتوح»، وإلى «فوضى» حقيقية.