في الوقت الذي كان يعتقد فيه المغاربة أن عددا من الأمراض الوبائية تم الحد من رقعة انتشارها بتوفير العلاجات والأدوية اللازمة، الواقع يثبت العكس، فمجموعة من الأمراض الوبائية والمزمنة مازالت متفشية بكثرة في صفوف المغاربة صغارا وكبارا على الصعيد الوطني، بل نسبة المصابين بها ارتفعت في هذه السنوات عن ذي قبل ويعود الفضل في فضح هذا الارتفاع في عدد الأشخاص المصابين إلى ورقة «راميد» ، تلك الورقة التي يذهب المواطن البسيط لأخذها من أقرب مقاطعة بعد استيفائه الشروط الموضوعة للعلاج بالمجان، هذه الورقة يؤكد ذوي الاختصاص أنها ستغير مجريات المؤشرات الإحصائية المتعلقة بانتشار الأمراض كما ستغير خريطة توزيعها على الصعيد الوطني خاصة أنه في السابق، الإحصائيات كانت تقتصر فقط على الفئات التي تتوفر على تغطية صحية أو على ورقة الاحتياج. بفضل ورقة «راميد» أصبحت المستشفيات الآن تسجل أعلى نسب فيما يخص عدد الفحوصات اليومية، وكنموذج على ذلك المستشفى الجامعي ابن رشد في الدارالبيضاء الذي كان قبل العمل بنظام المساعدة الطبية، يستقبل ويشخص حالة 500 مريض يوميا، واليوم يستقبل 1000 مريض ويمكنهم من جميع الفحوصات الضرورية وبالتالي ساهم ذلك في الكشف عن مجموعة من الأمراض التي مازالت منتشرة والكشف أيضا عن أمراض أخرى مزمنة ارتفعت نسب الإصابة بها في السنوات الأخيرة. ورغم الانتقادات التي توضح أن نظام المساعدة الطبية «راميد» لم يجد حلولا جذرية لمجموعة من المشاكل الصحية التي مازال يتخبط فيها المواطن، إلا أن المتتبعين للشأن الصحي في المغرب أجمعوا على أنه ساهم في جعل المغاربة «المعوزين» يخرجون من بيوتهم ويقصدون المستشفيات والمراكز الصحية لتشخيص مرض مزمن ألم بهم كانوا سنوات يعانون منه، وهو ما سهل على الأطر الصحية مهمة رصد تلك الحالات المرضية الخطيرة وإعداد تقارير رقمية بشأنها. الصادم هنا، والذي تم تأكيده من طرف مصادر «المساء» هو أن بطاقة «راميد « ساهمت بشكل أو بآخر في فضح المستور من الأمراض الوبائية التي مازالت منتشرة في المغرب ك الجذام، السل، «العواية»، الأمراض المنقولة جنسيا، المينانجيت، الملاريا… كما بينت أن مؤشرات الأمراض المزمنة كالسرطان والحساسية والتهاب الكبد ومرض الكلي هي أيضا في ارتفاع، الأمر الذي يجعلنا نطرح السؤال، ماهي الاستعدادات التي أعدتها وزارة الصحة لمواجهة هذا الازدياد في نسب المرضى ونسب الأمراض من حيث توفير الموارد المادية والبشرية والبنى التحتية؟ الأمراض المزمنة.. السل نموذجا كشف الدكتور بناني الناصري، منسق الجبهة الوطنية للدفاع عن الحق في الصحة، أن مرض السل يعد من الأمراض الخطيرة الأكثر انتشارا في المغرب وأرجع ذلك إلى العوائق التي تحول دون تخويل الولوج إلى العلاج لجميع المواطنين، وإلى ضعف المتابعة من طرف وزارة الصحة فيما يخص برنامج التلقيح المتبع في المستشفيات العمومية والمراكز الصحية، والذي لا يراقب في نظره مدى تقبل الأطفال لتلك اللقاحات وهل هي ذات مفعول تجاه المرض أم لا. وصرح بناني الناصري في اتصال هاتفي، أن الأطفال الذين ليست لديهم مناعة هم أكثر عرضة لمثل هذه الأمراض، مرجعا الأسباب إلى ضعف التشخيص المبكر من لدن الأسر بسبب ضعف القدرة الشرائية والاستعانة بالعلاج الذاتي، مطالبا من الوزارة الوصية منع هذا النوع من العلاج لأنه يؤخر تشخيص المرض، وهو الأمر الذي ينهك الميزانية ويساهم في انتشار السل في صفوف المواطنين. وقال المتحدث، أن نظام المساعدة الطبية رغم أنه مكن من تشخيص حاملي هذه الأمراض من خلال الزيارات التي يقومون بها للمستشفيات لكن العلاج يكون في الغالب غير متاح لأسباب أهمها الاكتظاظ وطول المواعيد، خاصة وأنه كنظام خصص فقط 300 درهم للمواطن في السنة وهي التكلفة التي تعد في نظره غير كافية، مشيرا إلى أن المغرب لا يتوفر على نظام صحي، بل يتوفر فقط على نظام علاجي. وحسب التقارير الرسمية فيصل معدل الإصابة بالسل الرئوي في المغرب إلى 37.4 شخص في كل 100 ألف نسمة، و 50 في المائة من الحالات المسجلة سنويا تنتمي إلى فصيلة السل الرئوي المعدي القابل للانتشار بين الناس. وبحسب معطيات منظومة المراقبة الوبائية لوزارة الصحة، فقد تم تسجيل ما بين 27 ألف و 30 ألف حالة جديدة سنويا للإصابة بداء السل بالمغرب وهي الأرقام نفسها خلال سنة 2012/ 2013 ، وهو الرقم الذي أصبح قارا على مدى العشر سنوات الأخيرة، كما يتم سنويا تسجيل 83 حالة جديدة لكل 100 ألف نسمة بمعدل انتشار حدد في 85 مصاب بين كل 100 ألف شخص. وتظل هذه المعدلات الوطنية المتعلقة بالإصابة بمرض السل ومستوى انتشاره ونسبة الوفيات الناجمة عنه بالمغرب مرتفعة جدا بحسب المتتبعين مقارنة مع عدد كبير من الدول ذات المستوى الاقتصادي نفسه كتونس واليمن ومصر والأردن. الجذام آكل الأعضاء البشرية إذا كانت مديرية الأوبئة التابعة لوزارة الصحة قد صرحت في وقت سابق أن المغرب ملتزم بتوصيات منظمة الصحة العالمية بخصوص مكافحة الجذام, التي تنص على تقليل الإصابات الجديدة به في حدود إصابة واحدة بين كل 10 آلاف مواطن عبر العالم على أساس خفض نسبة الإصابة إلى أقل من 35 في المائة بحلول سنة 2015. فإن هذا الوباء الفتاك بجسد الإنسان مازال يزور مناطق في المغرب ويصيب عددا من المواطنين، خاصة في جهة الشرق ليعود ويحتل بحسب التقارير الصحية مكانة مقلقة في المؤشرات الوبائية بالمغرب منذ سنة 2009، خاصة بعدما ظهرت 14 حالة جديدة بإقليم ميسور في صيف عام 2011، وهو ما يؤكد بحسب المتخصصين عودة المرض بقوة في عدد من المناطق وخاصة في القرى النائية بحيث يلاحظ انتشاره في المناطق الجبلية ويصيب بقوة الفئات الفقيرة والمعوزة . ووفق الإحصائيات المتوفرة، فالمغرب سجل نهاية القرن الماضي نتائج هامة على مستوى استئصال داء الجذام بحيث تراجع المرض في العشرين سنة الأخيرة بشكل كبير، إذ انتقل عدد الحالات في المغرب من 9371 حالة الجذام سنة 1960 إلى 1036 حالة سنة 1991 ليستمر التراجع بشكل كبير، لكن بحسب المتتبعين فإن عودة الداء من جديد راجع إلى التراجعات الخطيرة التي عرفتها المنظومة الصحية على المستويات الوقائية والعلاجية والتدبيرية، الشيء الذي عجل بظهور المرض حيث تم تسجيل 44 حالة جديدة في غشت 2011 منها 14 حالة مرض جذام جديدة في إقليم ميسور. ظهور هذه الحالات سنة 2011 جعل الجمعيات المهتمة بالموضوع تعرب عن قلقها بخصوص محاربة هذا المرض مستقبلا ومنع انتشاره باعتباره وباء معديا، حيث أصدرت تقارير مفصلة عن وضعية الداء بالمغرب والأسباب التي جعلته يظهر من جديد وهي الأسباب نفسها التي ربطتها بضعف وغياب الخدمات الصحية وضعف التأطير وإهمال حقوق المواطنين وتراجع الخدمات الوقائية في المناطق الجبلية التي ينتشر فيها هذا الداء الذي أكدت أنه يمكن القضاء عليه بالرفع من المستوى الاجتماعي والثقافي للسكان بجانب الوقاية الصحية. الوزارة التي كانت قد خصصت برنامجا وطنيا لمحاربة هذا الداء بنت استراتيجية شاملة للوقاية وتشخيص وعلاج المرض حققت بحسب المتتبعين نتائج مهمة سجلتها المنظمة العالمية للصحة بإيجاب بتركيب ثلاثة أدوية فعالة مكنت من شفاء المرضى في وقت مبكر وجنبتهم المضاعفات التي كانت تصيبهم قبل اكتشاف هذا العلاج. لكن بدل أن تواصل الوزارة تقوية هذا البرنامج الوطني الوقائي تضيف مصادر جمعوية ل»المساء» تم تسجيل تراجع في هذا المجال، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد من المؤشرات الصحية والوبائية وظهور مرض الليشمانيوز في جهة مكناس تافيلالت، بحيث تم تسجيل 198 سنة 2010 على صعيد مدينة مكناس فقط و35 حالة سنة 2011 ليتراجع المرض تدريجا سنة 2013 ويتم تسجيل 4 حالات. والجذام هو داء مصنف ضمن الأمراض المعدية المزمنة، يصيب الجلد والأعصاب والعينين… ويحدث تلفا بها ومنظمة الصحة العالمية توفر علاج هذا الوباء منذ عام 1995 بالمجان للمرضى في كل أنحاء العالم، بما فيها المغرب. ولمحاربة هذا المرض طالب المهتمون به بإعادة إدراج مرض الجذام ضمن الإشكالات الصحية ذات الأولوية والخدمات والبرامج الصحية الوقائية العامة. مع مواصلة الالتزام السياسي وتوفير كل الإمكانات المادية والبشرية واللوجستيكية اللازمة للبرنامج الوطني من ممرضين وأطباء مختصين ومختبرات جهوية متخصصة للكشف والتشخيص والعلاج المبكر قبل ظهور المضاعفات، من أجل التخلص النهائي ومكافحة داء الجذام وتفعيل إجراءات تنفيذ البرنامج الوطني لمحاربة داء الجذام على المستوى المحلي والجهوي، والعمل على توفير وضمان الرعاية الطبية والعلاجية والدعم والمساعدة الاجتماعية والنفسية للمصابين وعائلاتهم. مغاربة الهشاشة وانتشار الأمراض حسب وزارة الصحة فإن برنامج المساعدة الطبية «راميد» استهدف تمكين حوالي 8.5 ملايين مغربي في وضعية فقر وهشاشة من الولوج المجاني للخدمات الصحية، لكن بحسب ذوي الاختصاص فإن المؤشرات التي بنيت عليها الوزارة طريقة تحديد الفئات الهشة أصبحت متجاوزة الآن بسبب تقادمها، مؤكدين أن عدد المستفيدين المنتمين للشرائح الاجتماعية الفقيرة تجاوز اليوم 11 مليون مستفيد. وبحسب المصادر نفسها فإن الأمراض سواء منها المزمنة أو الوبائية تصيب بشكل كبير الشرائح الهشة على الصعيد الوطني بسبب ظروفها الاجتماعية والاقتصادية المزرية، فمرض السل مثلا يصيب بحسب الإحصائيات الفئة العمرية التي تتراوح أعمارها ما بين 15 و 45، ويحتل فيها الذكور 58 في المائة. وهو كمرض يستوطن في الأحياء الهامشية والفقيرةَ، لكون البيوت لا تتعرض للتهوية الكافية، وتفتقرُ لشروط النظافة اللازمة خاصة في هوامش المدن الكبرى كالدارالبيضاءوسلا وفاس وطنجة وتطوان، والقنيطرة وإنزكان وجهة الرباطسلا زمور زعير المعروفة بكثافة سكانها. مغاربة الهشاشة كما يحلو للبعض تسميتهم هم في السابق كانوا محرومين من الولوج للعلاج، لكن اليوم نسبة كبيرة منهم تمكنت من الولوج للاستفادة من الخدمات الصحية، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد زوار المستشفيات، هذا الارتفاع أكده فريد شهاب عميد كلية الطب بالدارالبيضاء، حيث أكد بأن عدد المرضى الوافدين على المركز الاستشفائي ابن رشد ارتفع بشكل كبير بفضل بطاقة راميد، الأمر الذي ساهم في ارتفاع مؤشرات مجموعة من الأمراض المزمنة كالسرطان والوبائية كالسل بنسبة 60 في المائة. وأوضح المتحدث بأن المركز الاستشفائي يقوم يوميا ب120 عملية ويشخص 1000 حالة يوميا، هذا العدد الذي كان في السابق لا يتجاوز 500 حالة ارتفع مشكلا ضغطا على المستشفى الجامعي الذي يستقبل حالات مرضية من مختلف ربوع المغرب خاصة من برشيد وسطات والرباط ومناطق في شمال وجنوب المغرب. وأكد المصدر ذاته أن المستشفى يستقبل حالات لأمراض وبائية كالجذام والعواية والكوليرا والملاريا وهي أمراض مازالت تنتشر في المغرب والتي أبانت عنها ورقة راميد بفعل إقبال المرضى على التشخيص، وأشار إلى أن «العواية» مازالت تصيب بشكل كبير الأطفال أما الملاريا فهي مستوردة من الخارج عن طريق الأجانب القادمين إلى المغرب. أما بالنسبة لطريقة تعاملهم مع هذه الأمراض المصنفة وبائية نظرا لكونها معدية فهي تتمثل في استقبال المرضى وتشخيصهم ثم توزيعهم على التخصصات الموجودة على صعيد مراكز المدينة. وشرح عميد كلية الطب التحديات والاكراهات التي باتوا يواجهونها بسبب الضغط والاكتظاظ في ظل غياب موارد بشرية ومالية تمكنهم من استيعاب عدد الطلبات المتزايد. مؤشرات خطيرة بحسب الأرقام التي حصلت عليها «المساء» والتي تهم إحصائيات تطور الأمراض عن جهتي مكناس تافيلالت وجهة الدارالبيضاء الكبرى لسنة 2013 تبين أن الأمراض الوبائية الأكثر انتشارا في المغرب هي داء السل والأمراض المنقولة جنسيا والملاريا والمينانجيت. فمثلا جهة مكناس تافيلالت، سجلت سنة 2013، 19 حالة مصابة بالملاريا بمدينة الراشيدية و 42 حالة مصابة بداء الزهري في خنيفرة هذا الأخير المنقول جنسيا يعد بحسب مصادر «المساء» ارتفاع نسب الإصابة به مؤشرا خطيرا يعطي مؤشرات عن انتشار داء السيدا في المدينة. أما مرض السل، فقد سجلت مدينة مكناس في إحصائيات 2013 أعلى نسبة برصد 100 حالة وهي النسبة التي فاقت بحسب المصادر ذاتها، الرقم الوطني المحدد في 85 حالة لكل 100 ألف نسمة. هذه الأرقام تنضاف إليها حالات تم رصدها من طرف أطباء لأطفال مصابين بالسعال الديكي أو «العواية»، غير أن هذه الحالات تبقى في نظر المختصين محدودة، محملين المسؤولية للأسر التي تتهاون في تلقيح أبنائها، مركزين على ضرورة الوعي بأهمية التلقيح لمحاربة هذه الأمراض المعدية والفتاكة التي تشكل خطورة على الفرد والمحيط. ولكن في نظرهم هذا المرض مفروض أن يكون المغرب قد قضى عليه بفضل البرنامج المخصص للتلقيح خاصة وأن الإحصائيات تؤكد أن نسبة 90 في المائة من الأطفال تم تلقيحهم ضد الأمراض الفتاكة، و»العواية» بحسب الأطباء هو مرض تسببه جرثومة بكتيرية شديدة الانتقال وعادة ما تنتقل عن طريق السعال وتصيب الرضع دون سن السنة. المؤشرات التي نتحدث عنها جعلت مجموعة من المهتمين بالموضوع من ذوي الاختصاص يؤكدون أن تحقيق المغرب للغايات العالمية لعام 2015 المحددة في سياق الأهداف الإنمائية للألفية مازال صعبا. فالمؤشرات وتقارير المنظمة العالمية للصحة بخصوص الأمراض المعدية تؤكد ارتفاعها في المغرب لدرجة غير مقبولة خاصة الأمراض الوبائية التي تشكل نسبة 50 % من أسباب وفيات الأطفال. وفي ظل المؤشرات التي توحي أن هناك صعوبة في الاستجابة للضغط المتزايد على المستشفيات العمومية خاصة في مدينة مثل الدارالبيضاء، فإن مصادر جيدة الاطلاع أمدتنا بأرقام تخص الخصاص الكبير الذي تعاني منه جهة الدارالبيضاء والذي لا يمكن أن يستوعب عدد المرضى المتزايد، بحيث كشفت أن هناك نقصا حادا على مستوى الموارد المالية والبشرية، إذ قامت أقسام المستعجلات بجهة الدارالبيضاء الكبرى ب 709515 فحص أي ما يعادل 17 في المائة وطنيا دون احتساب المستشفى الجامعي ابن رشد. كما تم تسجيل خلال السنة ذاتها نقص في الأطر الطبية وشبه الطبية، فالعدد المتوفر هو فقط 71 طبيب عام وستة أطباء اختصاصيين في المستعجلات و89 ممرض مع عدم تواجد أطباء إنعاش قارين بأقسام المستعجلات. وفضحت المصادر ذاتها عدم توفر المداومة الطبية للاختصاصيين بكل المستشفيات مسجلة نقصا في سيارات الإسعاف وخصاص في المعدات البيوطبية الثقيلة كالسكانير، وعدم توفر قاعات خاصة للأشعة والجراحة بأقسام المستعجلات. هذا الخصاص بحسب رأيها ستكون له انعكاسات سلبية على الصحة بالجهة في ظل الضغط المتزايد للمرضى والنقص الحاصل في عدد الأسرة والأطر والموارد المالية، مطالبة الوزارة بتخصيص ميزانيات كافية لاستيعاب كافة الاحتياجات التي تهم المرضى من خلال فتح مجموعة من المستشفيات التي مازال العمل بها لم يبدأ بعد، والتوزيع الجيد للأطر الصحية حسب متطلبات المناطق التي تعاني من خصاص، مع توفير التجهيزات الطبية والأدوية وتشجيع البحث العلمي في المجال. علوي*: الوزارة وضعت برنامجا مفصلا لمواجهة الوضع الصحي الوبائي بالمغرب أكد علوي عبد الرحمان، مدير التخطيط والموارد المالية بوزارة الصحة، أن هناك استراتيجية قطاعية انطلقت من سنة 2012 إلى 2016، انبثقت على التصريح الحكومي الذي أعطى الأولوية للقطاعات الاجتماعية كقطاع الصحة، وفي إطارها تم وضع برنامج عمل مفصل يهتم بالأولويات لمواجهة الوضع الصحي الوبائي بالمغرب، بما فيه وضع بعض الأمراض الناجمة عرضيا عن «إيبولا» وأمراض معدية أخرى. وصرح المصدر ذاته ل»المساء» أن هناك مجموعة من البرامج التي انخرطت فيها الوزارة ومنها برنامج اليقظة الصحية، وبرامج عمودية لمحاربة داء السرطان، وبرامج لبناء المستشفيات ( بناء ثلاثة مستشفيات جامعية جديدة بالرباط وأكادير وطنجة) وأقسام للمستعجلات وتوفير الأدوية ووسائل النقل في العالم القروي وتطوير برنامج التلقيح للوقاية من هذه الأمراض، فضلا عن انخراط الوزارة في برنامج التغطية الصحية من خلال استراتيجية وطنية تهم تغطية باقي السكان المحددة نسبهم في 30 في المائة. وأضاف مدير التخطيط والموارد البشرية، أن الوزارة أيضا تعمل على إعداد الخريطة الصحية بعدما أصبح لها إطار قانوني، سيمكن من تسهيل برمجة التخطيط الصحي في المغرب لمواجهة الحاجيات فيما يخص العرض الصحي، زيادة على الانكباب على دراسة مشروع قانون شراكة بين القطاع الخاص والعام لسد الخصاص والتكفل بجميع الأمراض. أما فيما يخص استراتيجية الوزارة في التعامل مع الأمراض الوبائية والمعدية، فقد أكد المتحدث أن الوزارة تقوم كل خمس سنوات بدراسة تحدد بؤر الحالات بشكل مفصل كما تتوفر على برامج عمودية للتكفل بالأمراض المعدية وغير المعدية التي قال إنها تزداد بفضل الكثافة السكانية. أما فيما يخص الجانب المتعلق بالبحث العلمي في مجال محاربة الأمراض والأوبئة، فأكد المتحدث أن الإمكانيات المرصودة للبحث العلمي في المغرب لا تستجيب للحاجيات وأن هناك في المغرب مستشفيات جامعية تقوم بالبحث في مجال الأمراض الوبائية، ولكن ذلك غير كافي ولا يعطي نظرة على الحالة الوبائية للمغرب بشكل عام. * علوي عبد الرحمان مدير التخطيط والموارد المالية بوزارة الصحة 90 % من المصابين بأمراض وبائية هم من فئة الفقراء والمعوزين علي لطفي * - ماهي الأسباب التي تحول دون تمكن المغرب من القضاء على مجموعة من الأمراض الوبائية والمزمنة التي تبين المؤشرات أنها ارتفعت بفعل إقبال الفئات الهشة على التشخيص ببطاقة «راميد»؟ يمكن القول إن أسباب عودة انتشار بعض الأمراض المعدية والفتاكة متعددة ومتداخلة وأحيانا معقدة سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية وبيئية وطبية. وهذه الأخيرة تتمثل في تحول جديد يتعلق بمقاومة الجراثيم التي تتسبب في أنواع من العدوى للمضادات الحيوية كداء السل وعدوى الالتهاب الرئوي وغيرها من الأمراض الجرثومية. وتُعزى نسبة مئوية عالية إلى عدوى بالمستشفيات العمومية التي عرفت ارتفاعا مخيفا تتغاضى عنه وزارة الصحة، إذ يصاب المريض بجراثيم شديدة المقاومة للأدوية وهو لم يكن يحملها. أما الأسباب الرئيسة فمردها إلى استمرار بلادنا في اعتماد سياسة صحية ذات سرعتين. سياسة صحية للأغنياء وأبنائهم وأخرى للفقراء والمهشمين في المجتمع. لذا نجد أن أكثر من 90 في المائة من المصابين بالأمراض المعدية والمتنقلة من داء السل والسيدا والليشمانيا والتهاب السحايا وداء الجذام وحمى المستنقعات. .. هم من فئة الفقراء والمعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة المهملين . فضلا على أن الحكومات المتعاقبة تخلت وبشكل علني عن أولوية أساسية في المنظومة الصحية وهي الرعاية الصحية الأولية لتحقيق الحد الأقصى من الصحة والسلامة والأمن الصحي بأبعاده الطبية والاجتماعية والإنسانية من شمولية ومساواة وجودة وكفاءة وتتجسد في صحة القرب. وهي سياسة وقائية تعتمد أساسا على التثقيف الصحي والصحة البيئية وتنظيم الأسرة وصحة الأم والطفل الوقاية من الأمراض المتوطنة، توفير الأدوية الضرورية مجانا ونشر الوعي بأسس التغذية الصحية وطرق العلاج التقليدية. فتحولنا من سياسة وقائية للمواطن ضد الأمراض إلى سياسة تنتظر أن يصاب الإنسان المغربي بمرض ما لنبحث له عن علاج مكلف أو نتركه يعاني مع مرضه المزمن. - ما هي آخر الإحصائيات التي رصدتموها في الشبكة والتي تخص انتشار الأمراض الوبائية في المغرب؟ آخر الإحصائيات تشير إلى ارتفاع الأمراض الوبائية بالمغرب بالنظر إلى تطور المجتمع على عدة مستويات ومقارنة مع مجتمعات ذات المستوى الاقتصادي نفسه أو أقل. فالمغرب مصنف من بين البلدان الاثنين والعشرين التي تعاني من أعلى عبء مرض السل المقاوم للأدوية المرتفع بنسبة 0.5 في المائة من المصابين الجدد و21 في المائة من المرضى الذين استفادوا من العلاج . ويتم اكتشاف أكثر من 27 ألف حالة جديدة لداء السل سنويا وإن معدل الانتشار في ارتفاع يعادل 100 في كل 100 ألف نسمة. وحسب المعطيات نفسها فيقدر عدد الأشخاص المتعايشين مع مرض السيدا في المغرب، حسب آخر الإحصائيات، ب 32 ألف شخص سنة 2014، في حين بلغ عدد الأشخاص الحاملين لفيروس فقدان المناعة المكتسبة، 9378 شخصا. ومن جانب آخر تستمر الوضعية الوبائية في المغرب بخصوص داء لللايشمانيا في ارتفاع (30 إلى %40) وأكثر تفشيا وبشكل متواصل في الجهات التي تسمى بالمغرب غير النافع. علما أن لهذا الداء تأثيرات مباشرة صحية واجتماعية واقتصادية . وأما المعدل السنوي للإصابة بداء الجذام فتتراوح ما بين 30 و40 ومرض التهاب السحايا 269 حالة ومرض حمى المستنقعات ب 300 حالة أضف إلى ذلك فيروس التهاب الكبد الوبائى الذي يعرف انتشارا غير مسبوق. - ما هي الحلول المقدمة من طرف الشبكة للوقاية من هذه الأمراض حتى لا تفتك بالمغاربة مستقبلا . الوضعية الوبائية بالمغرب لا تبعث على الارتياح مما يتطلب إعادة النظر في السياسة الصحية الترقيعية المتبعة، مع ضرورة وضع استراتيجية وقائية قوية شاملة للتراب الوطني ومرصد وبائي فعال يرصد التحولات الوبائية بالمغرب وتوفير تغطية صحية شاملة للجميع، ومجانية كاملة للفقراء الذين يشكلون الضحية الأولى لهذه الأوبئة الفتاكة التي لازالت تشهد ارتفاعا غير مقبول في الوفيات بسبب انتشار الأمراض المعدية، ووضع برامج وميكانيزمات للمراقبة والترصد لمواجهة المشاكل البيئية وتأثيراتها المباشرة الصحية والاجتماعية والاقتصادية لتحقيق الأمن الصحي. * رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة الحبشي: «راميد» مكن من إحصاء المصابين بالأمراض المزمنة والوبائية الذين لم يكونوا يزورون المستشفيات - ماهي الخدمات التي قدمتها بطاقة «راميد» فيما يخص رصد مؤشرات ارتفاع الإصابة بمجموعة من الأمراض المزمنة والوبائية في المغرب؟ على المستوى المهني، اتضح أن المواطنين الذين ينتمون للفئات الهشة في المغرب كانوا محرومين في السابق من الاستفادة من التشخيص والعلاج، وهذا ما يفسر أنه بمجرد بدء العمل بنظام المساعدة الطبية لوحظ ارتفاع في عدد المرضى بالمستشفيات والمراكز الصحية على المستوى الوطني، فالمؤشرات التي كانت تعتمد عليها وزارة الصحة في السابق لإحصاء الأمراض المزمنة والوبائية كانت تعتمد على المواطنين الذين يزورون المستشفيات والمراكز الصحية والذين في الغالب كانوا يتمتعون بتغطية صحية سواء تعلق الأمر بمؤسسات صحية عامة أو خصوصية، أما المواطنين ذوي الدخل المحدود الذين لا يتجاوز دخلهم في السنة 5000 درهم، فكانوا لا يقصدون الأطباء لأخذ استشارة أو الاستفادة من الفحص والتشخيص، لذا فطبيعي أن لا يتم إحصاء الأمراض المزمنة والوبائية التي يعانون منها. لكن مع استفادة 70 في المائة من المغاربة المصنفين ضمن الشرائح الهشة من بطاقة «راميد»، ازدادت نسب الزيارات للمستشفيات والمراكز الصحية للفحص وأخذ الدواء بالمجان، بل القيام بعمليات مكلفة بالمجان، الشيء الذي مكننا من رصد نسب ارتفاع عدة أمراض مزمنة ستدخل في إحصائيات وزارة الصحة الجديدة، بعدما وفرنا لها الإطار القانوني والاجتماعي والسياسي. فسنويا وزارة الصحة تقدم حصيلة باسم تلك الأمراض وتعتمد في ذلك على تصاريح المستشفيات، ولكن لا يمكن أن نحصي مواطنين لم يتم التصريح بهم ولم يتم استقبالهم داخل مسالك العلاج ومع بطاقة «راميد» سنتمكن من إحصائهم، والقاطع أن مؤشرات تلك الأمراض ارتفعت بالمقارنة مع السنوات السابقة. - في مقدمة الأمراض الوبائية التي مازالت منتشرة في المغرب نجد الجذام والسل ما السبب في نظرك؟ بالنسبة لداء الجذام ففي المغرب هناك برتوكول وآليات خاصة للتحكم فيه، لكن رغم ذلك هناك العديد من الحالات التي مازالت موجودة والتي يجب أن لا تكون، والحالات التي نتحدث عليها هنا في الغالب تظهر في جهة الشرق وهي قادمة من الجارة الجزائر التي لم تستطع الحد من رقعة انتشار المرض لديها، وإذا كانت الحدود المغربية الجزائرية يمر منها الحيوان وأشياء أخرى فالأكيد أن الجذام يمر أيضا بسبب الهجرة السرية. والجذام يظهر بشكل استثنائي في مناطق ميسور والراشيدية… بحكم قربها من الحدود وهو كوباء معدي وعلاجه طويل الأمد. أما بخصوص مرض السل، فمعهد باستور كان سباقا لنشر بحث عن هذا الداء، أظهر نوعيته التي هي عبارة عن بكتيريا أتت للمغرب من دول الجوار عن طريق الهجرة السرية للأفارقة في وضعية هشاشة، حقا المغرب نهج سياسة الانفتاح ولكن هؤلاء نقلوا معهم الأمراض وهو الأمر الذي أثبتته الدراسة التي نشرت على المستوى الدولي والتي قامت ببحث خاص لمنطقة الشمال كمنطقة لعبور الأفارقة. فداء السل للأسف مازال مؤشره مرتفعا في المغرب بالمقارنة مع باقي الدول العربية، وهو مؤشر خطير، فرغم الإمكانيات المتوفرة يتم تسجيل 30 ألف حالة جديدة سنويا مصابة بداء السل. والسبب راجع لعوامل اجتماعية واقتصادية وبيئية كالفقر وسوء التغذية والسكن غير اللائق والاكتظاظ وتكدس المواطنين في الغرف بالمدن القديمة، الأمر الذي يسهل عملية الاحتكاك بمرضى السل وبالتالي ارتفاع الداء بشكل مهول كل سنة، فإذا أخذنا مثلا حي سيدي عثمان في الدارالبيضاء نموذجا، فمؤشره في الإحصائيات مرتفع بالمقارنة مع دول أخرى، وهذا طبيعي لأنه راجع للبناء العشوائي وانتشار دور الصفيح وغياب الصرف الصحي، فرغم الأدوية هناك انتشار واضح للعدوى بسبب هذا الداء القاتل. - ما هي الإكراهات التي تواجه المستشفيات والمؤسسات العلاجية العمومية بعد مرور ثلاث سنوات عن بدأ العمل بنظام المساعدة الطبية؟ مشروع «راميد» هو مشروع طموح شاركت فيه القوى الوطنية والمجتمع المدني والدولة لكي يخرج إلى الوجود وهو كمشروع يدخل في إطار السياسة العامة للدولة، ومن خلال الإحصائيات التي قامت بها الوزارة الوصية اتضح بأن 30 في المائة فقط هم من يتمتعون بتغطية صحية، أما 70 في المائة من المواطنين المصنفين في وضعية هشاشة، فهم محرومون منها. هذا المشروع الذي انبثق من تجارب دول أخرى كفرنسا وكندا تم إسقاطه حسب إمكانيات المغرب، لكن منذ بدايته ظهرت إكراهات ومشاكل، فالدولة تأخرت في الأداء للمؤسسات العمومية مثل معهد باستور والمركز الاستشفائي الجامعي، الشيء الذي عمق الأزمة المادية بالنسبة لهما نظرا لضعف الميزانية، وهو الأمر الذي يفسر اكتظاط المرضى لعدم كفاية التجهيزات والموارد. هل في نظرك الوزارة نجحت في الاستجابة للارتفاع الملحوظ في عدد المرضى المقبلين على العلاج بفضل «راميد» للأسف لم تنجح في الهدف الذي أردنا الوصول إليه، المسالك يجب أن يعاد فيها النظر بالنسبة للمريض، يجب أن يتم توفير التجهيزات وإعادة النظر في توزيع مختبرات التحاليل الطبية على الصعيد الوطني، فعندما نتكلم عن حق المواطن في العلاج المجاني من خلال عمليتي التشخيص والاستشفاء مرورا بإجراء التحاليل الطبية، فإننا نصطدم بسوء التوزيع فمثلا في محور القنيطرةالجديدة توجد 80 في المائة من البنيات الصحية وضمنها المختبرات الطبية، في حين تقل هذه النسبة في المناطق البعيدة، الأمر الذي يعيق استفادة المريض من العلاج. الأمراض التي نتحدث عنها مكلفة وتحتاج إلى مبالغ مالية مهمة، للأسف لم يتم توفير ميزانيات كافية لها، نعطي مثالا هنا، مرضى الكلي الذين يقومون بعملية التصفية طول الحياة ماذا وفرت لهم الدولة؟ هناك خصاص على مستوى الموارد المالية لا تستطيع المستشفيات تدبره مستقبلا، كما أن هناك خصاصا على مستوى الموارد البشرية وهناك مستشفيات مازالت مغلقة بسبب قلة التجهيزات وسوء توزيع الأطر الصحية. * إدريس الحبشي، رئيس لجنة الصحة والمحافظة على الصحة بجهة الدارالبيضاء الكبرى