سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بلحسني.. مسار بطل هيأه المركز ليصبح لاعب سيرك فتحول إلى بطل في الرياضات المائية من مؤسسة لرعاية الأطفال في وضعية صعبة بسلا إلى بطل العالم في لعبة «جيت سكي»
على امتداد شهر رمضان الأبرك، تفتح «المساء» أدبيات مؤسسات دور الرعاية الاجتماعية التي كانت تعرف ب«الخيريات»، بكل ما في هذه التسمية من حمولات قدحية، في محاولة للكشف عن الجانب المشرق لهذه المرافق، وتتبع الممرات الوعرة التي سلكها «وليدات الخيرية» في مسيرة الألف ميل، قبل أن ينتفضوا ضد الفقر والحاجة ويحجزوا لأنفسهم موقعا يمنحهم مكانة اعتبارية داخل المجتمع. لا أحد كان يظن أن طفلا في وضعية صعبة قادته ظروف الحياة العصيبة نحو مقر الجمعية المغربية لمساعدة الأطفال في وضعية صعبة، سيتحول بقدرة قادر إلى شاب في وضعية ميسورة في ظرف خمس سنوات فقط، ويصبح بطلا للعالم في رياضة «جيت سكي» ورمزا من رموز الرياضة المغربية. لا أحد كان يعتقد أن الطفل جمال بلحسني سيتحدى، في ظرف وجيز، كل المعيقات الاجتماعية، ويحول الخصاص المادي والعاطفي إلى مصدر قوة ساعده على بلوغ منصات التتويج ونيل وسام الرياضة من الدرجة الممتازة من يدي ملك البلاد محمد السادس الذي يقتسم مع جمال حب لعبة «جيت سكي» وعشق مواجهة الأمواج. بدأت الحكاية ذات يوم من أيام فصل الشتاء، حين التحق الطفل جمال بمقر جمعية تعنى بالأطفال الذين يعيشون في وضعية صعبة، وقرر أن يجعل من المؤسسة، التي ترأسها ثورية الجعايدي بوعبيد، ملاذا له ضد القهر. في هذا المرفق الاجتماعي، تشرق شمس الأمل من جديد وتخترق النظرات اليائسة لأطفال جرتهم حبال الشارع. داخل أسوار الجمعية المغربية لمساعدة الأطفال في وضعية صعبة، تجند أطر المؤسسة لاستقبال الأطفال، المجلوبين من شوارع وفضاءات سلا، من أجل تحفيزهم على العودة إلى المدرسة وإلى أحضان المجتمع. في «دار الانطلاقة الجديدة»بسلا، وهو أول مركز أسسته الجمعية قبل عشر سنوات ليستقبل حالات مختلفة من الأطفال، كانت أولى خطوات جمال الذي استهوته لعبة السيرك التي هيأتها الجمعية لتحقيق الاندماج، من خلال مدرسة للسيرك يتابع فيها الأطفال الذين كان يهددهم الشارع دروسا في فن السيرك بإشراف من أطر مغربية وفرنسية. التحق جمال بمدرسة السيرك وأصبح شغوفا باللعبة، خاصة وأن رشاقته جعلت منه أحد الأطفال المتألقين، بالرغم من عشقه الجامح لكرة القدم. بفضل هذه المدرسة، تمكنت الجمعية من مكافحة العديد من الآفات الاجتماعية، وجعلت الأطفال يتخلصون تدريجيا من كل السلوكيات غير المتزنة، ولاسيما في حربها الضروس ضد المخدرات، مما مكن الجمعية من نيل جائزة الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات. انتشر أطر الجمعية في فضاءات سلا بحثا عن أطفال لهم قابلية لتغيير نمط حياتهم، وكان السيرك هو الطعم الذي يفضي نحو الاندماج السريع، خاصة وأن غالبية الأطفال يستهويهم اللعب والحركات البهلوانية. كانت زيارة بعض أعضاء جامعة رياضة «جيت سكي»، يوما، لمقر المؤسسة بسلا نقطة التحول الحقيقية في حياة بلحسني، فقد اقترح الضيوف على رئيسة الجمعية ضم مجموعة من الأطفال إلى مدرسة الجمعية المغربية لرياضة «جيت سكي» على أن تتكلف الجمعية بتعليمهم مبادئ ركوب البحر وتحدي الأمواج، بدا المقترح غريبا في بداية الأمر، قبل أن يجعل أسامة العلام من الألعاب المائية نقطة جذب للأطفال في بداية تكوين الجمعية. نجحت الفكرة حين تمكن جمال، بعد خمس سنوات فقط، من انتزاع بطولة المغرب للعبة ليطوي، بالتالي، هواية ألعاب السيرك. كان عمره حينها 19 سنة، لكنه استطاع أن يتفوق، بفضل رشاقته التي اكتسبها من التمارين اليومية في فضاء السيرك، على أبطال كبار تربوا في أحضان أسر توفر لهم مستلزمات هذه الرياضة المكلفة. تلاشت تلك المقولة التي ربطت «جيت سكي» بالعائلات المخملية، وحول بلحسني رفقة بروكة، وهما القادمان من قعر المجتمع، مجرى هذا النوع الرياضي. حرق جمال بلحسني المراحل في رياضة «جيت سكي»، إذ أحرز الميدالية الفضية في بطولة العالم لهذه الرياضة سنة 2008 التي أقيمت بالولايات المتحدةالأمريكية، ليصبح أول إفريقي وعربي يحرز ميدالية في هذه اللعبة، مما بوأه مكانة اعتبارية خاصة في المجتمع، بل إن جامعة «جيت سكي» لم تتردد لحظة في منح البطل العالمي صفة مستشار بالرغم من صغر سنه. في ظرف وجيز نال جمال كل الألقاب دفعة واحدة، بطل المغرب والعرب وإفريقيا والعالم، ونال جائزة أحسن رياضي في استفتاء وطني، والبقية تأتي. ولأن «جيت سكي» هي اللعبة المفضلة لدى ملك البلاد، فإن هذا المعطى رفع من عدد المتعاطين لها وأضحى المغرب رائدا على المستوى العربي والقاري بفضل أسماء واعدة لازال أمامها متسع من الوقت للوقوف على منصات التتويج عالميا ورفع العلم المغربي في أكبر التظاهرات، بل أصبح لها جمهورها وهواتها وممارسوها، خاصة وأن تنظيم تظاهراتها لم يعد مرتبطا بالبحر. على المستوى الدولي، تشارك رياضة «جيت سكي» في أكبر الملتقيات العالمية، حيث حصل المغرب على المرتبة الثالثة ثلاث مرات، وعلى المرتبة الخامسة مرة واحدة.. ليس جمال هو السعيد وحده بهذه الألقاب، بل إن إدارة الجمعية المغربية لمساعدة الأطفال في وضعية صعبة تعتز بانتماء البطل إليها ولا تتردد في تقديمه ك«عينة إدماج» بكل ما تحمله الكلمة من معنى.