ظلت صورة المغربي أو المسلم في الذاكرة الإسبانية مرتبطة بكل ما هو سلبي ودموي، منذ خروج العرب من الأندلس عام 1492، وقد خضعت تلك الصورة لعدة تحولات حسب الظروف السياسية والمناخ الثقافي، لكنها ظلت في عمقها غير إيجابية. في الحلقات التالية نعرض لأهم الصور التي ظهر فيها المغربي في المتخيل الإسباني من عام 1492، تاريخ إنهاء الوجود العربي والإسلامي بغرناطة آخر معاقل الحضارة الإسلامية بالأندلس، إلى عام 2002، تاريخ اندلاع أزمة جزيرة ليلى. عند اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936 بدأ المعسكر القومي يستثير التيار الجمهوري، وخاصة النساء منهم، بتخويفهم من المغاربة واستخدامهم كسلاح سيكولوجي فعال في تلك الحرب. غير أن القوميين كانوا يتجنبون الحديث أمام الملأ عما يقوم به المجندون المغاربة من أعمال وممارسات لكي لا يسيء ذلك إلى صورتهم لدى الرأي العام، خصوصا الرأي العام الخارجي. كان كل شيء يشير إلى أن قواد وحدات المجندين والجيش الثالث(تيرسيو) يشجعون تلك الممارسات لكن دون السماح لها بأن تخرج خارج إسبانيا. وقد عكس مراسل جريدة «البرافدا» الروسية، ميخائيل كولتسوف، هذا الدور المزدوج الذي كان يقوم به جنود التيار القومي عندما كانوا يشجعون المجندين المغاربة سرا على الاستمرار في تلك الممارسات مع انتقادها علنا، حيث كتب «عندما يتم الحديث عن المذابح والقتل بإطلاق الرصاص والاغتصاب وذبح الأطفال كان قواد الفاشيين يردون على ذلك بأن هذه الأعمال يقوم بها المورو، وأنهم أناس متوحشون ولا نستطيع إيقافهم عند حدهم وأنهم أفارقة شرسون». أما التيار الجمهوري من جانبه فقد كان يوظف الاعتداءات الجنسية التي كان يقوم بها المغاربة كسلاح سيكولوجي لتخويف أتباع التيار المعادي، وكان بذلك يعيد العزف على الاستيهامات الاستشراقية بشأن الشرقيين والمغاربة. في البداية كان الجمهوريون يتحدثون عن فقدان الرجولة لدى أتباع الجنرال فرانكو، خاصة بين القواد العسكريين وعلى رأسهم فرانكو نفسه. كانوا يصفونهم بأنهم «خنثاوات» أو شاذون، وكانت تروج بعض الرسومات التي تقدمهم على شكل خنثاوات أو نساء، ومن هنا جاء ذلك الربط بينهم وبين المغاربة الذين صوروا على أنهم شواذ يميلون إلى الغلمان والذكور. وفي أحد الرسوم الكاريكاتورية يظهر الجنرال فرانكو على شكل امرأة وهو يطل من نافذة بيته ويحاول إنهاء نزاع نشب في الشارع بين مغربي وإيطالي. وما أن بدأت الحرب الأهلية حتى ظهرت المئات من الرسوم الكاريكاتورية والصور في مختلف الصحف والمنابر التابعة للجمهوريين تتحدث عن الطاقة الجنسية الفوارة للمغاربة وتفريغها في النساء المحسوبات على التيار القومي الفاشي، وفي أحيان كثيرة كان يقال إن تيار فرانكو يقدم نساءه هدايا إلى المغاربة المقاتلين في صفوفه مقابلا لتجنيدهم في صفوفه، وفي أحد الرسوم نلاحظ رجل أعمال ورجل دين إسبانيين يباركان امرأة من تيار فرانكو قدمت هدية إلى مغربي، وهي تتزين بألوان التيار القومي. وقد صور الجمهوريون أيضا نتيجة هذه العلاقات الغرامية بين نساء تيار فرانكو والمغاربة المقاتلين في صفه، من خلال رسومات تمثل أطفالا من منتوج تلك الزيجات المختلطة: بشرة سوداء، فم واسع وشفتان غليظتان. وفي رسم آخر نرى طفلا خلاسيا، نصفه أبيض ونصفه أسود، بينما والدته حائرة لا تعرف هل هو مغربي أم مسيحي إسباني. لقد تكررت خلال الحرب الأهلية الشكاوى من عمليات الاغتصاب التي كان يقوم بها المغاربة في حق النساء اليساريات والجمهوريات، وكانت كل تلك الحالات تتم بتواطؤ وإيعاز من تيار الجنرال فرانكو، كما أن حالات الاغتصاب تلك في غالبيتها كانت مصحوبة بعمليات قتل أو اغتيال. صحيح أن تلك الأعمال كان يقوم بها أيضا جنود إسبان تابعون لجيش فرانكو، إلا أن الدعاية المضادة كانت تركز بشكل خاص على المغاربة دون غيرهم، بدعوى أن تلك الأعمال المشينة لا يمكن أن يقوم بها سوى المغاربة بسبب التوحش المعروفين به. وقد انطلقت الشكاوى من تلك الأعمال مباشرة بعد مشاركة المغاربة المجندين في سحق ثورة أستورياس عام 1934، قبل عامين من اندلاع الحرب الأهلية، وقد بقيت تلك الجرائم والممارسات لصيقة بذاكرة اليسار الإسباني لدى اشتعال الحرب الأهلية.