ظلت صورة المغربي أو المسلم في الذاكرة الإسبانية مرتبطة بكل ما هو سلبي ودموي، منذ خروج العرب من الأندلس عام 1492، وقد خضعت تلك الصورة لعدة تحولات حسب الظروف السياسية والمناخ الثقافي، لكنها ظلت في عمقها غير إيجابية. في الحلقات التالية نعرض لأهم الصور التي ظهر فيها المغربي في المتخيل الإسباني من عام 1492، تاريخ إنهاء الوجود العربي والإسلامي بغرناطة آخر معاقل الحضارة الإسلامية بالأندلس، إلى عام 2002، تاريخ اندلاع أزمة جزيرة ليلى. كانت الامتيازات التي حصلت عليها إسبانيا في المغرب بعد معركة تطوان كبيرة جدا، لكن كان هناك اعتقاد بأن بعض القوى الدولية، خاصة بريطانيا، تقف عائقا أمام احتلال إسبانيا لطنجة وانتشار الجيش الإسباني في كامل التراب المغربي. وقد حصلت إسبانيا، من خلال اتفاقية السلام، التي تم توقيعها بين البلدين عام 1860، على امتيازات ضخمة جدا كان لها تأثير لاحق على العلاقات المغربية الإسبانية. صحيح أن الاتفاقية كانت تنص على إخلاء القوات الإسبانية للتراب المغربي، بما فيها مدينة تطوان التي تعرضت للاحتلال بين 1860 و1862 من أجل إرغام المغرب على دفع الغرامة المالية التي فرضت عليه، غير أن التوسع الإسباني في المغرب بدأ مباشرة بعد تلك الحرب، حيث انتشرت شبكة من التمثيليات الديبلوماسية الإسبانية في مدن عدة مثل القصر الكبير والعرائش وأصيلا وفاس والدار البيضاء وموغادور ومازاغان والرباط وطنجة وأصيلا ووجدة وتطوان وآسفي. كما بدأ بعض رجال الجمارك الإسبان في مراقبة عدد من المرافئ المغربية كالدار البيضاء وموغادور ومازاغان والرباط والعرائش وآسفي وتطوان وطنجة، بين 1882 و1885، لاستخلاص الحقوق الجمركية المغربية، حيث كانوا يقتطعون منها مبلغ عشرين مليون بسيطة المفروضة على المغرب. وإضافة إلى هذه الامتيازات التي حصل عليها الإسبان في المغرب بدأ يرتفع عدد المغاربة الذين يحصلون على حماية السلطات الإسبانية، من المغاربة الذين يعملون مع المصالح القنصلية لإسبانيا أو الإسبان الفارين من السلطات المخزنية المغربية. وتزامن ذلك مع الحضور القوي لعدد التجار الإسبان المنتشرين في عدد من المناطق المغربية، والاعتراف بحق إسبانيا في الصيد في عرض المياه المغربية، وقد شهدت تلك الفترة، خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر، نموا لافتا للمعاملات التجارية بين إسبانيا والمغرب، بالنظر إلى المواقع المهمة التي احتلها التجار الإسبان في مفاصل الاقتصاد المغربي. كل هذه العوامل السياسية (تزايد عدد المحميين ومراقبة الموانئ المغربية واتساع الشبكة القنصلية)، والاقتصادية (المبادلات التجارية والمصالح البحرية) رفعت من حجم التواجد الإسباني في أهم الموانئ المغربية، وكل هذه الامتيازات ما كانت لتتحقق لولا اتفاقية السلم والصداقة الموقعة عام 1860. وقد ساعد هذا التواجد الإسباني المكثف في المغرب، سياسيا واقتصاديا، على النظر إلى إسبانيا كدولة تتطلع إلى الحصول على حصتها من الأراضي المغربية في أعين القوى الدولية الكبرى آنذاك، بالرغم من التحفظات الإنجليزية والفرنسية على محاولة مدريد لعب ذلك الدور. غير أن مؤتمر مدريد عام 1880، الذي تم فيه تدويل القضية المغربية وشاركت فيه اثنتا عشرة دولة أوروبية، خيب آمال إسبانيا التي كانت تتطلع إلى بعض المكاسب. في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر برزت النزعة الإفريقانية لإسبانيا التي دعمها العديد من المفكرين والسياسيين دعاة التوسع الإسباني في القارة الإفريقية، أمثال كانوفاس ديل كاتستيو، وإدواردو سافيدرا الذي ألف عام 1884 كتابا أسماه «المصالح الإسبانية في المغرب»، وغونزالو دي ريباراس الذي ألف عام 1891 كتابا بعنوان» إسبانيا في إفريقيا». لقد كان هدف هؤلاء الدعاة هو إنشاء شركات وصحف للترويج لأفكارهم في الساحل الإفريقي. ففي عام 1876 تشكلت في مدريد»الجمعية الجغرافية»، وفي العام الذي تلاه أنشئت «الجمعية الإسبانية لاستكشاف إفريقيا»، وفي عام 1883 أقيم المؤتمر الإسباني للجغرافيا، تلاه إنشاء الجمعية الإسبانية للإفريقانيين والاستعماريين، وفي العام الموالي نظم ملتقى مسرح الحمراء في مدريد، وظهرت شركة الجغرافيا التجارية لبرشلونة والاتحاد الإسباني الموريتاني لغرناطة. وفي وقت لاحق نظمت أربعة مؤتمرات للإفريقانيين خلال الأعوام 1907، 1908، 1909 و1910 في مدريد وسرقسطة وفالنسيا ومدريد مرة أخرى، على التوالي، وقد تم خلق المراكز التجارية المغربية الإسبانية بهدف تنفيذ التوصيات التي كانت تخرج بها تلك المؤتمرات. وفي عام 1913 تم إنشاء الرابطة الإفريقيانية مع خلق مراكز لها بكل من برشلونة وطنجة وسبتة وتطوان، وكان هدف هذه المراكز هو عقد الندوات والمؤتمرات والمعارض.