فريد بوجيدة ناقد سينمائي وباحث سوسيولوجي مهتم بمجال الصورة والسينما، المدير الفني للمهرجان المغاربي للفيلم القصير بوجدة. فاعل جمعوي له كتابات عدة في المجال الثقافي والفني، صدر له كتاب "الثقافة والسياسة" وله أطروحة حول سوسيولوجيا السينما في المغرب، وسيصدر له كتاب حول سوسيولوجيا الصورة، والثقافة الشعبية المفاهيم والتجليات. فريد بوجيدة من الأعضاء الأساسيين للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، حيث شارك في العديد من المهرجانات والملتقيات السينمائية وأطر العديد من الندوات في كثير من المدن المغربية ونشط مجموعة من الورشات الخاصة بالتحليل الفيلمي وتاريخ السينما. كان من المؤسسين للمهرجان المغاربي للفيلم القصير بوجدة، وشارك كعضو في لجن تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية، منها وجدة والمحمدية ومكناس وكرسيف وغيرها. كتب الكثير من المقالات النقدية في عدة منابر ثقافية، له مؤلف حول السينما والثقافة الشعبية في المغرب، وقراءة في سينما حكيم بلعباس، وفي سينما محمد بن اسماعيل، وقراءة سوسيولوجية في سينما نبيل عيوش، وهو يعد حاليا قراءة سوسيولوجية أكاديمية حول السينما المغربية في عشر سنوات. كما كان من المؤسسين للنقابة الوطنية لمحترفي المسرح بالجهة الشرقية في بداية التسعينيات وعضو مجلسها الوطني، ومهتم بالشأن الثقافي كان من المؤسسين لمجلة "اختلاف" في بداية التسعينيات، وساهم كعضو هيئة التحرير في صياغة وترجمة الكثير من المقالات في الفلسفة والفن، وهو الآن عضو بجمعية "سينيمغرب"، ويسهر على تكوين الأندية السينمائية بالجهة الشرقية . - هل يكمن أن نتحدث عن إقلاع للسينما المغربية في ظل الكمّ المهم من الإنتاج السينمائي المغربي؟ سؤال الكم والكيف في السينما المغربية يهدف إلى تقييم السياسة الخاصة بالنشاط السينمائي عموما على مستوى الإنتاج والتسويق والجودة والإشعاع وأشكال المتابعة النقدية. المراهنة على الكم كسياسة ثقافية وفنية أمر لا يجدي، لأننا، أولا، بعيدون عن الإنتاج السينمائي بالمعنى التجاري، الذي يحتكم إلى السوق وآلياته وإلى ضغط الرأسمال والإيديولوجيا المرتبطة به. وثانيا، لأن الكم من أجل الكم لا يستقيم مع الثقافة الفنية شبه المؤممة، التي تحتكم إلى منطق الدولة الحامية، التي تشرف على التمويل والصناعة والتحميض والطباعة والنشر والتوزيع وتسهيل التسويق التجاري والثقافي من خلال المهرجانات والملتقيات وغيرها، وفي نفس الوقت تشرف على التعليم والتربية والثقافة وحراسة القيم. ثالثا، تتطلب السينما حدا أدنى من الحرفية والمعرفة لتحقيق المتعة حتى بالمعنى التجاري، إذ هناك لبس كبير فيما يتعلق بالسينما التجارية، فهي ليست دائما السينما الرديئة، بل السينما التي تستطيع أن تحقق المعادلة الصعبة في إقناع أكبر عدد من الناس للذهاب إلى السينما. - هل يمكن أن نتحدث عن سينما احترافية بمعنى الكلمة بحكم تتويج عدد من الأفلام المغربية؟ ما يمكن قوله هو أننا لا زلنا في الطريق، خاصة أن الاهتمام بالسينما على المستوى الرسمي يفضي إلى نشر ثقافة سينمائية ويشجع ممارستها، مما يتطلبه من ذكاء بصري وتعلم لغات أخرى غير اللغة المتداولة، وما تم إنتاجه لحد الآن يمكن تقييمه من خلال العلاقة مع الإنتاجات السابقة ومقارنته ببلدان أخرى، إذ هناك أفلام يمكن أن نفتخر بها كمغاربة، وهناك أفلام للنسيان. وما نتمناه هو الرفع من مستوى الكيف بشكل مواز مع الكم حتى لا تكون السياسة السينمائية، إذا صح القول، مجرد لحظة من لحظات الانبهار والتضليل، ولكن مخططا استراتيجيا يرتبط بالتنمية المطلوبة. - هل دعم الدولة للإنتاج السينمائي المغربي له تأثير على تطور السينما؟ بشكل عام، تتحرك السينما في المغرب بفضل صبيب المال العام، والرغبة في إنتاج الأفلام مع إرادة الدولة في حضور وهج الأضواء وسحر النجوم، غير أن هذه الحركة تقتضي، من ناحية أخرى، إنتاج شروط الإنتاج من بنيات مادية وتعليم مواز، والسهر على تشجيع الإبداع والاهتمام بالفاعلين في هذا المجال. إذا أردنا أن نقوم برصد إحصائي للسينما المغربية خلال السنوات الأخيرة، نقول إن هناك وفرة على مستوى الإنتاج، وهذا أمر لا يمكن أن ينكره إلا جاحد، إضافة إلى المهرجانات التي عمت المغرب من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وحتى المدن الصغيرة باتت تعيش سنويا موسمها السينمائي انسجاما مع مواسم أخرى، حيث تم إدماج السينما عنوة في برامج بعض الملتقيات والأنشطة والاحتفالات الرسمية وغير الرسمية . - وما دور المهرجانات والملتقيات السينمائية في هذا المجال؟ المهرجانات والملتقيات السينمائية ليست مطلوبة لذاتها، بل يجب أن تكون تتويجا لعمل ثقافي يخص الصورة عموما مع الاهتمام بالتكوين والتثقيف والرفع من الذوق الفني والثقافة البصرية والابتعاد عن البهرجة وإعادة إنتاج سلبيات الماضي التي تركت لنا مفاهيم ملتبسة حول الثقافة والنشاط الثقافي، مفاهيم تختلط بالأنشطة الشعبية ومواسم الأولياء والموائد المفعمة بالتخلف والرجعية. المهرجانات يجب أن تكون استجابة للراهن الثقافي، الذي يتطلب الانفتاح أكثر على تجارب جديدة، وإبراز التجارب الوطنية، والانخراط الفعلي في مسلسل طويل يشجع التكوين والمعرفة والاحتكاك بفاعلين في المجال الثقافي والفني وتطوير الممارسة المهنية، وإيجاد السبل لاستقطاب ذوي الأموال لتمويل مشاريع سينمائية، هذا هو العمل الثقافي الجاد وليس الاكتفاء بأيام المهرجان فقط لهدر المال العام دون رقيب أو حسيب . - كيف ترون، أنتم النقاد السينمائيون، مستقبل السينما المغربية؟ مستقبل السينما في المغرب مرتبط بمدى تطوير المبادرات الخاصة بالسينما المدرسية أو السينما في رحاب المؤسسات التعليمية، وهو الطريق الصحيح لتطوير المكتسبات التي أعطت الشيء الكثير، خاصة أنه في فترة ما كان الرهان على كيفية إدخال السينما والممارسة السينمائية إلى الثانويات، من خلال التنسيق بين وزارة التربية الوطنية والجامعة الوطنية للأندية السينمائية. لقد كانت تجربة رائدة في هذا المجال، لكن تم نسيانها مع الأسف. وأنا لحد الآن لا أفهم لماذا لا يتم تحيين هذه التجربة من جديد، مع أنها صالحة كمشروع وقابلة للتنفيذ، وأظن أن إقبار التجربة بهذا الشكل يجعل هذا الملف جزءا من مشكلة التعليم في بلادنا. - ما علاقة الفن السابع بالممارسة التربوية والتعليمية؟ العلاقة بين السينما والتعليم علاقة ضرورية وسنندم في المستقبل لعدم اتخاذ قرارات جريئة تدمج السينما ليس كمادة تشرح مواد أخرى، بل كمادة مستقلة ضمن منظومة من المواد التعليمية المقررة. فالصورة قائمة الذات، وهي كاللغات الأخرى التي تدرس في المؤسسات التعليمية يجب إيلاؤها أهمية خاصة. فبالإضافة إلى المتعة، تساعد السينما على اكتساب الذوق السليم والمهارات البصرية، وتهدف إلى خلق متعلم متوازن مشبع بقيم الجمال والتسامح، فقد هرمنا، كما يقال، من السبورة والطباشير والتكرار والحشو والمحفوظات. وبالرغم من وجود عشاق التعليم القديم، فالعبرة بالخواتم مادامت الهوة تتسع مع شبابنا، والعولمة واقع نعيشه، والصورة تحيطهم من كل جانب. - احتضنت وجدة، مؤخرا، مهرجانا سينمائيا مغاربيا. هل هذه المدينة مؤهلة لذلك؟ مدينة وجدة باعتبارها فضاء ممتدا على الجهتين الشمالية والشرقية وماضيا عريقا وتراثا فرجويا متعدد المشارب لها خصوصية ليس على مستوى الغنى الثقافي المحلي والجهوي فقط، بل باعتبارها خزانا لطاقات مهمة على المستوى الفني. ولذلك فهي من المدن التي يجب أن تستقبل أنشطة فنية كبيرة. وفي هذا الإطار، يؤهلها موقعها لاستقبال نشاط سينمائي لا يقل عن المهرجان الوطني بطنجة. ونتأسف على عدم تفعيل مبادرات سابقة وضياع الوقت، لكننا قمنا بإعداد نسخ من المهرجان المغاربي للفيلم الروائي القصير، تنظيما وبرمجة وحضورا، ولا يمكن أن نعوض التدمير الذي طال البنية التحتية للثقافة بوجدة إلا بمبادرات تدفع إلى بناء دور جديدة للثقافة، لأنه بالرغم من تشييد المسرح الكبير، فنحن في حاجة، على ما يبدو، إلى نهضة ثقافية تخرج الناس إلى الفضاءات العامة، فواقع الفنون بوجدة يتطلب مبادرات أكثر فاعلية لاستقطاب الناس للتمتع بالفرجة المشتركة، فالسينما هي فن المشاركة. - هل يعوض مسرح محمد السادس إغلاق جميع قاعات السينما بهذه المدينة؟ مسرح محمد السادس تحفة فنية ما في ذلك شك، وأن يشيّد بوجدة مسألة في غاية الأهمية، وهي إشارة ملكية غنية بالدلالات. هذه المعلمة جاءت لتعوض، كما قلت، التدمير الذي طال دور السينما بالمدينة، ولا يخفى أن غياب القاعات السينمائية وسقوطها الواحدة بعد الأخرى شكل من أشكال الرجوع إلى الخلف، لأن هذه القاعات كانت تلعب دورا مهما باعتبارها فضاءات لتعميم الفرجة الجماعية على جميع الأصعدة. ففي غيابها يغيب جزء مهم من ذاكرة جيل كان يحلم كثيرا، فبالرغم من وجود مسرح بهذا الحجم لا يمكن تعويض ما خسرناه، فالمسرح الحالي يتطلب كثيرا من الأموال للحفاظ على رونقه وجماليته وصيانة إدارة قادرة على قيادة الفعل المسرحي بالمدينة، إضافة إلى الجهد المطلوب لاستقطاب الجمهور الحالي، الذي لم يستأنس بالفرجة الجماعية كتقليد حضاري ومسلك مدني، لأن فردانية الفرجة وتراجع الذوق الفني وغياب الثقافة كطقس عائلي يجعل من الإدارة الجديدة للمسرح الكبير أمام تحد حقيقي لجعل المسرح فضاء عاما للمتعة والفائدة والنقاش الحر.