يبدو أن عبد الإله بنكيران دخل عش «الدبابير» حينما حمل مشروع إصلاح التقاعد إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لأخذ المشورة، بدلا من أن يحمله إلى النقابات المعنية. ويبدو أن تفاصيل ما يسميه رئيس الحكومة بإصلاح هذه الصناديق، التي راحت أدراج شعار الحكومة الخالد «عفا الله عما سلف»، هي ما فتح وسيفتح عليه النار في مستهل هذا الدخول السياسي والاجتماعي الذي لن يمر عاديا. تقول حكومة بنكيران إنها مع رفع سن التقاعد إلى 62 سنة ابتداء من فاتح يوليوز 2015، ورفعه تدريجيا بواقع ستة أشهر كل سنة إلى أن يصل إلى 65 سنة ابتداء من يوليوز 2021. وتضيف أنها مع رفع نسبة الاقتطاع من الأجور لتمويل صندوق التقاعد ب4 في المائة. ومع تقليص مقدار معاش التقاعد عبر آليتين: الأولى هي احتسابه على قاعدة معدل الأجرة للسنوات الثماني الأخيرة بدل آخر أجرة حاليا؛ والثانية هي استبدال نسبة 2.5 في المائة من الأجرة عن كل سنة من العمل بنسبة 2 في المائة فقط. ثم رفع مدة العمل للتوفر على إمكانية الاستحقاق للتقاعد النسبي من 21 سنة كحد أدنى بالنسبة إلى الرجال و15 سنة بالنسبة إلى النساء إلى 26 سنة للرجال و20 سنة للنساء، ورفع مدة العمل للحصول على التقاعد النسبي غير المشروط إلى 36 سنة بدل 30 سنة حاليا. كل هذا مع تخفيض مقدار معاش التقاعد النسبي باحتسابه على قاعدة 1.5 في المائة عن كل سنة من العمل بدل 2 في المائة حاليا. كان لا بد لهذه الإجراءات، التي تبدو حكومة بنكيران متحمسة لها، أن تحرك النقابات للرد، وخلفها جموع الموظفين الذين تطاردهم لعنة هذه السنوات التي قد تدخلهم في متاهة البحث عن مخرج من وظيفة عمومية أضحت بمنطق هذا «الإصلاح» طريقا سالكا نحو العجز. لذلك، تستعد لحشد قواعدها للتصدي لهذه الاختيارات بعد أن وصفتها بالمقترحات الانتكاسية، والتي أصبحت تعرف بالثالوث الملعون، وهو: اقتطاع من الأجور أكبر، مع مدة للعمل أطول، مقابل معاش أقل؛ وهو ما يعني تفقير الموظف في آخر فترة من حياته، وفرض الاستمرار في العمل بالنسبة إلى فئات مهمة من الموظفين الذين ضعفت قدرتهم الصحية والمعنوية على العمل، وحرمان فئات واسعة من المعطلين حاملي الشهادات من الالتحاق بالوظيفة العمومية. لكن، هل تقوى النقابات على هذه المعركة التي يبدو أنها ستشكل اختبارا حقيقيا لما تبقى لها من مصداقية أم إنها ستختار ما تصنعه النعامة التي تخفي رأسها في الرمل في انتظار مرور العاصفة؟ بالأمس القريب، لم تتردد الحكومة في الاقتطاع من أجور المضربين على الرغم من أنها لم تخرج قانون الإضراب بعد. سكتت النقابات. وجاء بنكيران إلى البرلمان ليعرض حصيلة منتصف ولايته الحكومية لكي يقول لنواب الأمة إنه حقق للمغرب سلما اجتماعيا غير مسبوق بعد أن منع الإضرابات والوقفات الاحتجاجية، بل إنه اعتبر ذلك واحدا من الإنجازات الكبرى التي ستكتب لهذه الحكومة بمداد الفخر. الخوف كل الخوف من أن تفجر معركة التقاعد وضعا في غاية الهشاشة، لننهي بسلم اجتماعي مغشوش.