46 سنة مرت على رحيل يوري غاغارين، أول رائد فضاء دشن عصرا جديدا أمام الإنسانية في ريادة الفضاء الخارجي.. مازال سبب الحادث الذي أودى بحياته عام 1968 وهو يقود طائرة غامضا يبحث عن تفسير. معا نفتح الأسرار الغامضة في حياة يوري غاغارين. نجم في سماء الاتحاد السوفياتي هو ليس شخصية عابرة، إذ أن تحليقه في الفضاء الخارجي في يوم 12 نيسان 1961 بالمركبة فوستوك ودورانه حول الأرض كان انتصارا للاتحاد السوفييتي. قام خلال ذلك بتجارب بسيطة، أكل، وشرب، وسجل ملاحظات بقلم لاحظ أنه يطير عند انعدام الجاذبية وأوصى عند عودته زملاءه المصممين أن يثبتوا بعض الأدوات الضرورية. منح غاغارين أول وسام للسفر في الفضاء (ميدالية تطوير الأراضي العذراء) ورقي إلى رتبة رائد، ثم عين معلما أول لريادة الفضاء وبعدها قائد فرقة رواد الفضاء. إنجاز غاغارين، جعله يشارك في حياة البلد السياسية مشاركة فعالة. أصبح يوري بعد عودته إلى الأرض أحد أهم المشاهير وراح يجول العالم في حملة إعلانية للاتحاد السوفيتي، أبدى أداء جيدا بتعامله مع الشهرة. انتُخب نائباً في المجلس السوفيتي الأعلى إلى أن عاد مجدداً إلى سيتي ستار ليساعد في تصميم مركبة فضاء قابلة للاستعمال لأكثر من مرة، وفي عام 1967 كان هناك عندما فشلت كبسولة الفضاء سويوز وعلى متنها الرائد السوفيتي فلاديمير كوماروف من دخول الغلاف الجوي. وفقا لطبيعة منصبه الجديد كنائب لمدير التدريب في سيتي ستار كان على يوري أن يقوم بالطيران مجدداُ على متن ميج-15 ليمنح أهلية الطيران مرةً أخرى. الرحلة الأخيرة في السابع والعشرين من مارس 1968 وأثناء قيامه بطلعة تدريب روتينية بالقرب من كيرزاتش تحطمت طائرة يوري نتيجة خللٍ لم يعرف سببه مما أودى بحياته وحياة المدرب الذي كان برفقته. وكان موته مأساة بالنسبة إلى العالم كله. أعلن الحداد الوطني في الاتحاد السوفيتي، ووفقا لمصادر تاريخية موثوقة كانت تلك هي المرة الأولى في تاريخ الاتحاد السوفيتي التي يعلن فيها يوم حداد إكراما لشخص هو ليس رجل دولة، فقد أعلن الحداد قبله مرتين فقط عند وفاة لينين ووفاة ستالين كما تم وضع اسمه على لوحة رائد الفضاء الفقيد فوق سطح القمر تخليدا لإسهاماته وكل من فقدوا في سبيل أبحاث الفضاء. الصيغة الرسمية التي قدمتها الحكومة السوفيتية، آنذاك، قالت إن سلسلة من الملابسات والتعقيدات قادت إلى سقوط الطائرة التعليمية ذات المقعدين، من طراز ميغ 15، التي كان يقودها الطيار غاغارين برفقة مدربه فلاديمير سيرجيوغين في السابع والعشرين من آذار (مارس) عام 1968مؤكدة أن الحادث لم يكن نتيجة أخطاء تقنية في الطائرة. تأسيسا على ذلك التوضيح لم يبق لدى الخبراء المختصين سوى الانطلاق من احتمال وقوع طارئ خارجي كالأحوال الجوية أو ارتكاب الطيار خطأ ما أدى إلى وقوع «كارثة القرن»، حسب التعبير الذي ساد حينها لوصف الخسارة الكبيرة. وعلى ما يبدو فإن هذا الاحتمال هو السبب وراء بقاء هذا الملف معلقا يبحث عن إجابة، حيث حرصت حكومة الكرملين على اعتبار نتائج التحقيقات الواسعة في الحادث سرا من أسرار الدولة إذ لو تم الكشف عن النتائج التي توصل إليها الخبراء حينها لسقطت رؤوس كثيرة، رؤوس مسؤولين عسكريين كبار وهذا ما لم تكن موسكو تسعى إلى إعلانه. أسرار جديدة بعد فتح الأرشيف السري للدولة السوفيتية المنهارة عام 1990 عكف نفر من المختصين على دراسة الملف مجددا أملا منهم في إماطة اللثام عن السبب الحقيقي لسقوط الطائرة. الخبير في شؤون الطيران، المهندس المتقاعد ادوارد الكسندروفتش شريشر، الذي سبق له أن ساهم في التحقيق في الحادث، آنذاك، أصدر كتابا بعنوان «أسرار موت غاغارين» يوجه فيه أصابع الاتهام بصراحة إلى العقيد الطيار فلاديمير سيرجيوغين، الطيار المحنك صاحب الخبرة الطيرانية إبان الحرب العالمية الثانية الذي لم يكن مجرد مدرب لغاغارين وإنما كان رئيسا لسرب طياري النخبة المتمركز في مطار تشكالوفسكي القريب من «مدينة النجوم» التي يتدرب فيها حتى مرحلة التخرج كافة رواد الفضاء إلى يومنا هذا. سرجيوغين، الذي كان يجلس خلف غاغارين على متن الطائرة التعليمية، ميغ 15 يومئذ، تجاوز سبعة بنود تمليها تعليمات الطيران، حسب مؤلف الكتاب الروسي شريشر، أولها أنه سمح بانطلاق الطائرة وهي تحمل خزانا إضافيا للوقود وهو ما لا يجوز قطعا في برامج التدريب، ثم إنه لم يتحقق بدقة من الأحوال الجوية في منطقة التدريب قبيل الانطلاق بالإضافة إلى علمه المسبق إن رادار الطائرة لرصد المرتفعات كان عاطلا كما أنه لم يسمح للطيار بإتمام كافة الإجراءات الروتينية الواجبة في فحص أجهزة الطائرة قبل انطلاقها. وعلى تلك الخلفية، فإن غاغارين أبلغ مدربه بعد مرور أربع دقائق ونصف الدقيقة فقط عن الانتهاء من تلك الواجبات في حين أن التيقن من سلامتها يستغرق في العادة عشرين دقيقة لو أنه تم بالدقة الواجبة التي تفرضها تعليمات الطيران. هذا إلى جانب أن المدرب سرجيوغين أوعز لطياره باستئناف الطيران باتجاه بعيد عن موقع المطار بعد أن كان الطيار أنهى مبكرا التمرين الأولي. ورغم أن الطائرة كانت تبعد عن المطار بثلاثين كيلومترا إلا أنها باستئنافها الطيران وحين سقطت كانت على مبعدة 64كيلومترا حيث يعتقد الكاتب الخبير بحوادث الطيران أن طائرة غاغارين كانت تقوم بطيران مناور إضافي خارج برنامج التدريب، الأمر الذي ساهم لاحقا في التفريط بفرصة الهبوط في محاولة ممكنة لإنقاذ الطائرة بدلا من تحطمها على الأرض مودية بحياة الرجلين. لكن، بمعزل عن هذا كله، لم يستطع أحد أن يفهم لماذا لم يقم ملاحان متمرسان بقذف نفسيهما من الطائرة بكل بساطة والنزول بالمظلة. ادعت وسائل الإعلام الروسية، وقتئذ، بأن غاغارين ظل ممسكا بالمقود ببطولة ليمنعها من التحطم فوق مدرسة قريبة، وهو ما لم يقم عليه أي دليل. بيّن تقرير أجري في العام 1986 بأن طائرة غاغارين قذفت عن مسارها بموجة فوق صوتية صادرة عن طائرة وضعت في تلك المنطقة. نظرية المؤامرة ما حدث لغاغارين لم يبلغ حتى لعائلته، حسب قول بعض المؤرخين، وبعد سنوات عديدة تساءلت أمه عمّ إذا كان قد قتل من قبل نظام رئيس الاتحاد السوفياتي آنذاك ليونيد بريجينيف، وهذه النظرية التي شجع عليها صمت السلطات لا تزال حية، تذهب إلى حد طرح أسباب سخيفة لموت الملاحين مثل كونهما مخمورين ساعتها، وتوجد شائعات تقول إن غاغارين بعد عودته الظافرة صعب عليه التأقلم مع حياة الشهرة وانحدر إلى الإدمان، وقيل إن أجانب اختطفوه، أو أنه نجا من التحطم ومات في مستشفى للمجانين، أو أن سيريجين تعمد أن يقتل نفسه ويقتل غاغارين معه لأنه كان يحسده، فيما تزعم شائعة أخرى أن غاغارين فبرك الحادثة وأجرى عملية تجميلية ليغير شخصيته، أو أن رجال المخابرات المركزية الأمريكية اغتالوه و.. و .. ولكنهم لم يجدوا أثرا يدعم نظريتهم هذه. ليظل السؤال كما هو بعد أكثر من 50 سنة هل كان حقا يوري غاغارين ضحية مؤامرة نسجها النظام أم الأعداء؟.