بلغت العلاقة بين وزارة العدل ونادي القضاة مستوى غير مسبوق من التوتر والتصعيد، بعد أن حذر مصطفى الرميد القضاة من العواقب التي ستنجم عن إصرارهم على التظاهر يوم السبت المقبل بالبذل أمام مقر الوزارة، بناء على دعوة من نادي القضاة، الذي سارع للرد على وزير العدل، وأعلن تشبثه بقراره. وكان الرميد قد توعد، خلال الندوة الصحفية التي عقدت أول أمس بمقر الوزارة، باتخاذ القرارات المناسبة في حال نزول القضاة للشارع بالبذل التي قال إن ارتداءها محكوم بنصوص قانونية تحصر مجال ذلك في البت في القضايا واستقبال الملك. وأكد الرميد أن تنظيم الندوة الصحيفة جاء لإبلاغ الرأي العام بمعطيات الخلاف الحاصل لكي يكون «حكما فيما وقع وسيقع»، وهو تلميح إلى أن الوزارة سترد بقوة على خطوة نادي القضاة، التي أكد أنها «تشكل بالنسبة له حدثا لا قيمة له». وحرص الرميد على التأكيد أنه يتحدث بصفته وزيرا للعدل، ونائبا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء، ليقول بأن «التظاهر بالبذل يعد خرقا سافرا للقانون، ومسا بالوقار والكرامة التي تتطلبها المهنة القضائية»، وكشف أن نادي القضاة رفض الحوار بشكل مباشر، وكان يسعى إلى التنصيص على حق القضاة في الإضراب وهو ما تم رفضه. وقال: «يريدون الإضراب كما لو أن الأمر يتعلق بفئة ضعيفة تريد الضغط على جهة قوية»، والحال يضيف وزير العدل «أن القضاة هم سلطة، وإذا تجاوزت السلطة التنفيذية في حقهم، فهناك الملك الذي يمكن اللجوء إليه باعتباره الضامن لاستقلال السلطة القضائية». ونبه الرميد إلى أن المطالب التي تقدم بها نادي القضاة وغيره من الجمعيات المهنية، هي «مطالب قابلة للأخذ والرد، وللنقاش الذي يفضي للإقناع والاقتناع»، وقال: «نحن نؤكد بأن الباب لم يغلق في وجه القضاة في يوم من الأيام، ولن يغلق، والمشكل عند من يريد النزول للشارع عوض الحوار». وأوضح الرميد أن مشروعي القانونين التنظيميين الخاصين بالنظام الأساسي للقضاة، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، لازالا مجرد مسودتين تم رفعهما للديوان الملكي والقطاعات المعنية، ولم يحسم فيهما بعد، وهو ما يجعل «الاحتجاجات غير مبررة مادام باب الحوار مفتوحا في وجه الجميع». ولم يتردد الرميد في ربط قرار نادي القضاة بخلفيات انتخابية، وقال: «نحن متأكدون أن هذا التصعيد هو تسخينات وتحضيرات للانتخابات المهنية بمناسبة إنشاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو ما يفسر الضغط على الجمعيات الأخرى لإصدار بيانات ومواقف قوية»، وشدد على وجود «أهداف انتخابية محضة لا علاقة لها بما هو معلن»، مما يكشف حسب قوله أسباب «اتخاذ مواقف راديكالية لاجتياح المهنة وكسب الأصوات في المرحلة المقبلة». وقال الرميد إن البيان الصادر عن النادي فيه «الكثير من التجاوزات والافتراءات» و»جاتني حشومة نجاوبهم»، وأضاف أن الفصل 111 من الدستور يضمن حرية التعبير للقضاة، مع ضرورة التقيد بالتحفظ والأخلاقيات القضائية، مشيرا إلى أن رؤساء المحاكم ووكلاء الملك اتخذوا مواقف قوية، وأجمعوا على رفضهم لهذه الخطوة، مؤكدين أنها تعد «إهانة للمهنة ومسا بحرمة القضاء» . وعبر وزير العدل عن ثقته بجنوح القضاة لنزع فتيل التوتر، وقال: «نحن متأكدون أن الحكمة القضائية ستجعلهم يلتزمون بعدم الخروج بالبذل، وإذا وقع عكس ذلك فحينها سيتقرر ما سيتقرر». رد نادي القضاة على تصريحات وزير العدل لم يتأخر كثيرا، حيث سارع ياسين مخلي، رئيس النادي، إلى تأكيد تشبث هذا الأخير بتنظيم وقفة وطنية بالبذلة، وقال في اتصال هاتفي مع «المساء»: «لا يوجد نص في القانون يمنع ذلك، والرميد له قراءة خاطئة وغير حقوقية للفصل 111 من الدستور». واعتبر مخلي أن ارتداء البذل للاحتجاج هو تأكيد على ضابط استقلال الجمعيات المهنية، وقال إن «النقاش كان يجب أن ينصب على التراجعات التي تم تسجيلها على مستوى مسودتي مشروعي القانون التنظيميين، ومحاولة اغتيال ومصادرة الحريات الأساسية للقضاة، بعيدا عن إثارة مواضيع أصبحت متجاوزة بمقتضى دستور 2011».