شكل اسم «الطود»، الذي يعني الجبل العظيم، لكل من حمله سنوات الخمسينيات في شمال المغرب، نعمة في طيها نقمة؛ فبقدرما كان يورث حامله المجد والعلم.. كان يلحق به لعنة المطاردة والاختطاف والاغتيال.. لارتباط آل الطود بزعيمين «مزعجين»، هما محمد بنعبد الكريم الخطابي واحمد الريسوني، وابتعادهم عن حزب الاستقلال وجيش التحرير. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يحكي الروائي والمحامي بهاء الدين الطود مأساة اختطاف واغتيال أفراد من عائلته، وكيف تم تهريب أخيه نحو القاهرة حيث كان أفراد من عائلته رفقة الخطابي؛ كما يتحدث عن مساره الدراسي في إسبانيا وفرنسا وإنجلترا، وعن تفاصيل علاقته الوطيدة بطالبين هما الوالي الركيبي ومحمد سالم ولد السالك، وكيف أن الأخيرين انقلبا من مواطنين مغربيين إلى انفصاليين مؤسسين لجبهة البوليساريو. كما يحكي الطود، في معرض «اعترافاته»، أنه كان محاميا لملك مصر، أحمد فؤاد الثاني، ابن الملك فاروق، وللروائي الفلسطيني الكبير إيميل حبيبي؛ ويتوقف عند التفاصيل الدقيقة لعلاقته بالعديد من المثقفين العالميين أمثال روجيه جارودي ومحمود درويش وجابر عصفور وجمال الغيطاني.. وكيف رفض محمد شكري روايته «البعيدون» قبل أن يكتب مقدمتها بعد أن اختارتها وزارة التربية والتعليم المصرية كرواية نموذجية. ويتوقف بهاء الدين الطود، أيضا، عند سياق لقائه بالقذافي وإهدائه إياه روايتيه «البعيدون» و«أبو حيان في طنجة». - كيف كان صديقك عبد السلام جسوس يساند منظمة التحرير الفلسطينية؟ ما ذكره لي الشاعر محمود درويش أكده لي عبد السلام جسوس بتواضع، فقد كان يحوّل مبالغ مالية إلى منظمة التحرير الفلسطينية من مداخيل استثماراته في الخارج، وفي فرنسا على ما أظن، حيث كان مساهما في رأس مال جريدة «لوموند»، وكذا في سويسرا التي كان يملك فيها معملا للشكولاته. ثم إنه، بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية، تدريجيا، نحو العلنية، أصبحت مساهماته تكتسي طابعا آخر. وما زلت أذكر أنه غداة إعلان قيام الدولة الفلسطينية، بعث جسوس، الذي كان حينها يستثمر في مجال الطبع والنشر، شاحنة من الكتب إلى رام الله. - كيف اجتمع الجنرال أوفقير في بيت عبد السلام جسوس في طنجة بكل من أمقران وكويرة؟ بعد فشل المحاولة الانقلابية ومقتل أوفقير، اعتقل عبد السلام جسوس وتم التحقيق معه معصوب العينين؛ وقد عرف من خلال نبرة الصوت أن الذي كان يستنطقه هو الكولونيل اليوسي، لذلك أجاب سائله حين استفهمه عن علاقته بأوفقير وكأنه يراه بعينين مفتوحتين، حيث قال: علاقتي بأوفقير هي نفس علاقتك أنت به، فلم لا يتم اعتقالك أنت؟ - ماذا يعني هذا؟ يعني أن عبد السلام جسوس لم يكن يعرف تفاصيل اجتماعات أوفقير بأمقران وكويرة في بيته. وهذا الأمر أكده لي جسوس ولجميع أصدقائه مرارا، ثم إن أوفقير كان يجتمع في منزل صديقه جسوس بكل من يرغب في لقائه، فقد كان هو الرجل الثاني في الدولة، وقد كان الأمير مولاي عبد الله وأحمد عصمان على علم بأن جسوس بريء، ولذلك تدخلا لدى الحسن الثاني لإطلاق سراحه. وعندما قابل الأمير الملك بشأن جسوس، قال له: كلنا كنا نعرف أوفقير ونجالسه، فهل نستحق بدورنا أن نعتقل؟ - هل أكد لك جسوس أن علال الفاسي اجتمع في بيته بطنجة بالجنرال أوفقير؟ لقد كان جسوس استقلاليا، وكان يقول لي: «أنا لا أعرف ما الذي دار بين أوفقير وعلال الفاسي، لكنني لا يمكن أن أشك في نوايا سيدي علال تجاه العرش، ذلك أنه لا يمكن وليس من مصلحته أن يتآمر مع العسكر ضد الملك؛ ولا يخامرني شك في أن الاجتماع كان، في الغالب، حول مسائل سياسية متعلقة بتدبير شؤون الدولة». - وهل لمجرد تدبير شؤون الدولة كان علال الفاسي يجتمع بالجنرال أوفقير في بيت طرف ثالث في طنجة؟ أوفقير اجتمع بالكثيرين في بيت جسوس، ربما لضمان سرية اللقاءات. - ضمان سرية اللقاءات على من.. على الحسن الثاني!؟ لا تنس أن عبد السلام جسوس كان استقلاليا، وفي الوقت نفسه صديقا لأوفقير، وهذان معا ساعداه كثيرا في مشاريعه، وفق ما كان يرويه؛ ومن تلك المشاريع إخراج مشروع سلسلة الكتاب المدرسي «اِقرأ» إلى النور. - كيف؟ مشروع سلسلة «اِقرأ» هو في الأصل فكرة عبد السلام جسوس، نفذها احمد بوكماخ؛ ليتولى جسوس الإنتاج، حيث تعهد المشروع طباعة ونشرا وتوزيعا؛ وبدعم من حزب الاستقلال تقرر اعتماد تدريسه في التعليم الابتدائي. وهذا الأمر أكده لي المرحوم احمد بوكماخ مرارا. - أية علاقة كانت لجسوس بالأمير مولاي عبد الله حتى يتدخل لدى الملك ليعفو عنه؟ كان جسوس، رحمه الله، يستقبل كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين في الدولة، وفي طليعة هؤلاء الأمير مولاي عبد الله واحمد رضا اكديرة واحمد عصمان، وغيرهم؛ كما كانت له علاقات بكبار رجالات الفن في العالم من أمثال: جينا لولو بريجيدا أسطورة السينما الإيطالية، والممثلة الفرنسية الشهيرة بريجيت باردو.. ناهيك عن كبار رموز السينما والموسيقى في العالم العربي من أمثال عبد الحليم حافظ والملحن بليغ حمدي.. فكان هؤلاء المشاهير ينشطون سهرات ينظمها جسوس ويحضرها كبار مسؤولي الدولة حينها. - في جلساتكما الحميمية، هل كان جسوس يبدي حنينا إلى زمن أوفقير؟ (يصمت). - أنا أسالك من الناحية الإنسانية وليس من الناحية السياسية، هل كان جسوس يتذكر أوفقير بحرقة؟ في إحدى المرات قال لي جسوس: لقد أخطأ أوفقير حين فكر في الانقلاب على الحسن الثاني. وعندما ما أفرج عن زوجته وأبنائهما في 1991، طوق البوليس السري بيته في طنجة، فقد كان متوقعا أن تقصده عائلة أوفقير. وأمام هذا الوضع، اضطر عبد السلام إلى التظاهر بعدم معرفة من اتصل به من أبناء أوفقير، قبل أن يعود إلى الاتصال بهم لاحقا. لقد كان يقول: «إن أبناء أوفقير أبرياء مثلي، لا أحد منا كان يعلم ما كان يخطط له الجنرال». لا تنس أنني أعتمد في هذا الحكي على الذاكرة، فهذه التفاصيل تعود إلى زمن بعيد، ثم إنني لم أتعرف على عبد السلام جسوس إلا بعد الانقلاب بثماني سنوات، وقد طلب مني في أكثر من مرة أن أساعده في كتابة مذكراته، الشيء الذي لم يتحقق. ولست أحكي عنه اليوم إلا من باب الوفاء لصداقتنا التي علمتني دروسا في التواضع ودماثة الخلق، فجسوس لم يكن يحقد على أي شخص ولا سعى إلى الانتقام ممن أساؤوا إليه. - ما حقيقة أن أوفقير سجل حصته في فندق سولازور في طنجة باسم عبد السلام جسوس؟ لم يسبق لعبد السلام جسوس، الذي كان يملك ثلث أسهم فندق سولازور، أن أخبرني بهذا الأمر، بالرغم من أنني كنت محاميه الخاص. لاحقا، سوف يتحدث أمامي بألم عندما علم بأن مليكة أوفقير اعتنقت المسيحية. وقال لي بحرقة: لست أدري ما إن كان تحول مليكة نحو المسيحية قد جاء عن قناعة أم هو رد فعل نفسي.