سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
انتخابات المجالس المحلية.. بين الهاجس السياسي وكثرة العوائق التنظيمية بروحو: التأخر في استكمال المؤسسات الدستورية المنتخبة فضيحة وتنزيل الدستور أهم من الهواجس الانتخابية
أدخل تأخر الإعلان عن أجندة انتخابات المجالس الترابية وفقا لدستور فاتح يوليوز 2011، مؤسسات دستورية عدة، في مقدمتها مجلس المستشارين والجماعات المحلية، في حالة انتظارية تبدو مفتوحة على كل الاحتمالات. لقد خلق تعثر الأغلبية الحكومية، إلى حد اليوم، في الحسم في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية، وإطلاق مسلسل المفاوضات بشأنها مع الأحزاب السياسية، بسبب عدم قدرتها على التوافق وتخوف بعض الأطراف من اكتساح حزب العدالة والتنمية للانتخابات، ( خلق) غموضا كبيرا بشأن إمكانية تنظيمها ومن ثم الخروج من حالة الانتظارية التي جعلت مؤسسات دستورية في وضع شاذ وأخرى معطلة. ويبدو أن الغموض الذي يلف تاريخ أول انتخابات للمجالس الترابية في ظل دستور «الربيع العربي»، يدفع في اتجاه استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه إلى حين التجديد الشامل الذي لم تتضح بعد معالم تاريخه، ويجعلنا أمام احتمال بدأت كفته ترجح، وهو تأجيل انتخابات الجماعات الترابية ومجلس المستشارين الجديد إلى ما بعد 2013. وبالنسبة إلى عبد اللطيف بروحو، القيادي في حزب العدالة والتنمية، فإن التأخر في استكمال المؤسسات الدستورية المنتخبة يعتبر في حد ذاته فضيحة، لأن ذلك يعني بالضرورة استمرار مجلس المستشارين الحالي إلى أجل غير مسمى، ما دام أنه يستمر كمؤسسة إلى حين انتخاب المجلس الذي يخلفه، بغض النظر عن تاريخ انتخاب أعضائه. وحسب القيادي الإسلامي، فإنه «لا يصح أن نسير بالوضع السياسي إلى مأزق التناقض بين مجلسين: مجلس منتخب حديثا وتم تشكيل الحكومة على أساس نتائجه، ومجلس انتخب في ظل دستور قديم وغير مطابق لمقتضيات الدستور الجديد على مختلف المستويات». وبرأي بروحو، فإن التنافي الدستوري الذي يوجد عليه مجلس المستشارين يجعله في وضع شاذ، فلا هو ينتمي للدستور الجديد بما يعنيه ذلك من اختصاصات تشريعية ورقابية، ولا هو يستفيد من أحكام الدستور السابق الذي تم نسخه ولا يمكن إعادة تطبيق أحكامه بأي حال من الأحوال. ووفق المتحدث ذاته، فإن هذا الوضع يطرح إشكالا كبيرا في علاقة مجلس المستشارين بالدستور الجديد خاصة من جهة ممارسته الاختصاصات التشريعية والمهام الرقابية بأشكالها الجديدة المنصوص عليها في دستور 2011. ويذهب بروحو إلى أن المنطق الدستوري يمنع المجلس الموجود حاليا من ممارسة المهام التشريعية التي وسعها الدستور الجديد، فهو لا يستطيع، مثلا، إصدار القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية أو القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، لأنها مؤسسات دستورية رئيسية جديدة بالكامل، ومنصوص عليها في الدستور الجديد بشكل مناقض ومخالف للدستور القديم. كما لا يمكنه التشريع في مجال الحقوق والحريات الجديدة أو لتنظيم مؤسسات وهيئات الحكامة المنصوص عليها في الباب الثاني عشر من الدستور. ولا يُعقل كذلك أن يُنظم الجهات والجماعات الترابية الجديدة وأن يفصل في صلاحياتها واختصاصاتها ونظامها المالي والإداري، لأنها مؤسسات جديدة بالكامل وتنتمي لدستور 2011 ولا علاقة لها بالدستور القديم لسنة 1996 ولا بالجماعات المحلية المنتخبة في ظل أحكامه ومقتضياته منذ سنة 2009. وبحسب بروحو، فإنه كان يُفترض أن يتم الإسراع بالتجديد الشامل للمؤسسات المنتخبة الأخرى (الجهات والجماعات الترابية والغرف المهنية وممثلي المأجورين وممثلي أرباب العمل) وهي المؤسسات اللازمة لتشكيل مجلس مستشارين جديد، مباشرة بعد إصدار النصوص القانونية اللازمة لإجراء الانتخابات الجماعية والجهوية وانتخابات مجلس المستشارين، لافتا إلى أنه كان ينتظر فقط اتخاذ الإجراء السياسي لحله رسميا وإجراء انتخابات ترابية وتشريعية لاستكمال المؤسسات المنتخبة وفق الدستور الجديد. ويؤكد القيادي في الحزب الإسلامي أن أي تأخر في التجديد الشامل لهذه الهيئات اللامركزية والمهنية سيؤدي إلى استمرار مجلس المستشارين ضدا على أحكام الدستور الجديد، وسيتحول بقوة الواقع إلى مجلس بديل عن المجلس الجديد. ولئن كان المجلس الدستوري قد أكد في دجنبر الماضي على الوجود المؤقت والاستثنائي لمجلس المستشارين، فإن التجديد الشامل لجميع المؤسسات المنتخبة يعتبر شرطا دستوريا لانتخاب مجلس المستشارين وفق دستور 2011، حسب أستاذ العلوم الإدارية، مشيرا إلى أنه «إذا كانت عدد من الأحزاب تخشى تنظيم انتخابات الجماعات الترابية سنة 2013 لأسباب سياسية، فلا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى خرق الدستور والسماح باستمرار الجماعات الحضرية والقروية ومجالس العمالات والأقاليم المنتخبة وفق الدستور القديم». وبرأي بروحو، فإن ما سماه «التخبط» في تعاطي الأحزاب السياسية مع قضية مصيرية تتعلق باستكمال انتخاب المؤسسات الدستورية، يؤدي بالضرورة إلى تعطيل أجزاء كبرى ومحورية من الدستور الجديد، وسيؤدي أيضا إلى عرقلة المساطر التشريعية التي لا يمكن أن تتم بشكل طبيعي إلا بعد انتخاب مجلس مستشارين جديد، ومن هيئة ناخبة مطابقة لمقتضيات دستور 2011. وفي الوقت الذي تذهب بعض التحاليل السياسية إلى ربط عدم الحسم في أجندة الانتخابات بضغوط تمارس على حزب العدالة والتنمية، وبتخوف أغلب أحزاب المعارضة وجزء من المكونات الحزبية للأغلبية الحالية، يؤكد القيادي الإسلامي أن الخطورة القصوى تكمن في التلاعب بأحكام الدستور، أو في عرقلة استكمال البناء المؤسساتي للدولة وفق المنطق الدستوري الجديد، لأن تنزيل الدستور أهم من جميع التخوفات أو الهواجس السياسية والانتخابية. وفي انتظار أن تتوضح الأجندة الانتخابية، وتخف حدة الهواجس الانتخابية بتقديم الإسلاميين التطمينات اللازمة، تجد حكومة بنكيران نفسها أمام تحدي قدرتها على إخراج البلاد من حالة الانتظارية التي تؤثر بشكل سلبي على السير الطبيعي لجميع المؤسسات الدستورية، واستكمال بناء مؤسسات دستور 2011، وتنزيل مقتضياته، ومن قبلها ترجمة تعليمات ملكية ألحت على إجراء الانتخابات في سنة 2012.