السلطات المغربية تحذر من التلاعب بالأسعار والاحتكار قبيل شهر رمضان    اتفاقية الكهرباء بين المغرب وموريتانيا    المغرب يصادق على اتفاقية الاعتراف المتبادل برخص السياقة مع إسبانيا وإيطاليا    جماهري يكتب.. الحرب والصحراء: المعقول‭ ‬‮..‬من‭ ‬اللامعقول‭ ‬السياسي‭ ‬عند‭ ‬تبون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حواره‮    الملك محمد السادس مهنئا أحمد الشرع بمناسبة رئاسته لسوريا: ندعم كل الجهود لتحقيق الأمن والاستقرار في سوريا    تهجير الفلسطينيين من أرضهم.. خط أحمر لا يقبل التفاوض أو المساومة    الفيدرالية المغربية لناشري الصحف تدعو إلى دعم منصف وعادل للصحافة الجهوية    غواتيمالا تجدد التأكيد على التزامها بإقامة علاقات "قوية" مع المغرب    بدء مفاوضات المرحلة الثانية لوقف إطلاق النار بغزة    أخبار الساحة    اعتقال البطل المغربي بدر هاري في أمستردام    رصاص شرطة خنيفرة يوقف جانح    بعد مغادرتها السجن.. دنيا بطمة تُحدث تغييرات مفاجئة في حياتها    أكبر جمعية حقوقية بالمغرب تعلن مساندتها للإضراب العام وترفض التمرير القسري للقوانين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    جائزة الحسن الثاني وكأس للا مريم ما فتئتا تستقطبان أبرز لاعبي الغولف العالميين (مسؤول)    هذا المساء في برنامج "مدارات" : جلسة فكرية وأدبية مع الدكتور أحمد بوحسن    خبراء يؤكدون أن جرعة واحدة من لقاح "بوحمرون" لا تكفي للحماية    جلالة الملك يهنئ الشرع بتوليه رئاسة سوريا    الإصابة تحرم ريال مدريد من خدمات مدافعه النمساوي ألابا    بعد غياب لسنوات.. "الشرقي والغربي" يعيد حنان الابراهيمي إلى التلفزيون    محامي بلجيكي: إصلاح مدونة الأسرة متوازن يثبت قدرة المغرب على التحديث دون التنازل عن قيمه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    لسعد جردة : سألتقي مسؤولي الرجاء الرياضي لكرة القدم    العصبة تؤكد إجراء مباراة الوداد البيضاوي وحسنية أكادير في موعدها    توقيف عصابة اعتدت على مواطنين بالسلاح الأبيض في أولاد تايمة    أسعار النفط تتراجع بعد موافقة ترامب على تعليق الرسوم الجمركية    الصحة العالمية : إطلاق أول تجربة لقاح ضد إيبولا في أوغندا    الصناعة السينمائية المغربية تحقق أرقامًا قياسية في 2024    بنسعيد يعلن عن تقييد مآثر جديدة    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    استدعاء وزير الفلاحة للبرلمان لمناقشة أثر الامتيازات الضريبية لاستيراد اللحوم على المواطنين وأسعار الأضاحي    ألباريس: العلاقات الإسبانية المغربية تعيش "أفضل لحظة في التاريخ"    جولة في شوارع الحسيمة بعد أمطار الخير.. وهذه مقاييس التساقطات    آيت بودلال يلتحق بفريق "أميان"    العملاق ‬البريطاني ‬‮"‬ساوند ‬إنرجي"‬ ‬يعد ‬ببداية ‬الإنتاج ‬التجاري ‬للغاز ‬بالمغرب ‬في ‬الخريف ‬المقبل    أكادير تحتضن النسخة السابعة من معرض "أليوتيس" للصيد البحري    متى ‬ستسحب ‬سوريا ‬الجديدة ‬اعترافها ‬بالجمهورية ‬الوهمية ‬؟    ترامب يجدد دعوته لضم كندا ويعلق الرسوم الجمركية مؤقتًا    فرنسا.. بايرو ينجح في إقرار الميزانية ويفلت من حجب الثقة    جولييت بينوش تترأس لجنة التحكيم في "مهرجان كان"    إيلون ماسك يثير المخاوف بشأن "وزارة الخزانة" الأمركية    العرائش تبرز دور "الأستاذ المبدع"    التقلبات الجوية الحادة تؤثر على الصحة العقلية للمراهقين    تنظيف الأسنان بالخيط الطبي يقلل خطر السكتات الدماغية    عقاقير تخفيض الوزن .. منافع مرغوبة ومخاطر مرصودة    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    انتشال جزء من جسم الطائرة بعد الكارثة الجوية في واشنطن    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون يتعلق بمدونة الأدوية والصيدلة    كيوسك الثلاثاء | تكلفة الإيجار بالمغرب أرخص من 118 دولة في العالم    التونسي الشابي مدربا جديدا للرجاء البيضاوي خلفا لحفيظ عبد الصادق    رسوم صينية تطال واردات أمريكية    مطارات المغرب استقبلت نحو 32 مليون مسافر خلال سنة 2024    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحولات القيمية في المغرب.. المظاهر والعوامل
نشر في المساء يوم 08 - 04 - 2013

يعيش المغرب على إيقاع تحولات عميقة وهادئة وصامتة أحيانا، ومعلنة أحيانا أخرى. وهذه التحولات مست جميع الحقول والمجالات، ولكن أهم هذه التحولات هي تلك التي طالت عالم القيم والرموز والرساميل الرمزية، والتي همت كل شرائح المجتمع المغربي. وقد برزت هذه التحولات، التي تعددت العوامل التي ساهمت في تبلورها، في ثلاث فئات: الشباب والنساء والأطفال.
بيد أنه بالرغم من عمق هذه التحولات الاجتماعية والقيمية التي عرفها المجتمع المغربي، فإن المتابعة العلمية والأكاديمية، وخصوصا السوسيولوجية، بقيت شبه غائبة ولم تستطع أن تبلور نموذجا تفسيريا لفهم وتحليل مختلف هذه التحولات، ناهيك عن وضع استشرافات مستقبلية لأفقها، مما يجعلنا نتساءل: ما سبب هذه الأزمة التفسيرية للعلوم الاجتماعية، وللسوسيولوجيا تحديدا؟ وما هي مختلف التحديات وكذا الرهانات التي يمكن التفكير فيها مستقبلا لتكون السوسيولوجيا مفيدة وتقدم إلى المجتمع حلولا للقلق الحضاري الذي يعتوره؟
لكن قبل الحديث عن دور السوسيولوجيا في مواجهة الطلب المتزايد عليها، وعن المهمات الجسيمة التي تنتظرها، نتساءل: ما هي هذه التحولات التي بدأ الكل يتحدث عنها، وهل هي عامة وشاملة أم جزئية وبسيطة أم عميقة وجوهرية؟
يجب أن نعترف بأنه يصعب، من الناحية المنهجية، الوقوف عند مجمل التحولات التي ميزت مغرب اليوم، وذلك ما يقتضي عملا أكاديميا يتجاوز حدود هذا الشغب الصحفي الذي نمارسه، إذ إن رصد هذه التحولات لا يمكن أن يكون ممنهجا، في نظرنا، إلا بالاعتماد على مقتربات ومداخل علمية متعددة ومتنوعة لفك شفراته الملغزة، وبشكل خاص الاعتماد على المقاربة السوسيوتاريخية لأنها تشكل، في نظرنا المتواضع، أهم المداخل لقراءة الوضع الراهن لهذه التحولات.
إلا أنه بالرغم من هذا الحذر المنهجي، فإننا نجازف بالقول إن المغرب عرف، كغيره من المجتمعات، تحولات عميقة ودالة في مجال القيم، ولا نقول إن هذه التحولات قد قطعت مع ما كان سائدا في الماضي، بل إن ذلك يرتبط بسلسلة من التعقيدات والتداخلات بين الموضوعي والذاتي وبين السوسيولوجي والسيكولوجي والسيوتاريخي وبين العوامل الداخلية والخارجية.
من بين الفرضيات التي طرحت مؤخرا لتفسير هذه التحولات، والتي لا زالت تحتاج إلى كثير من التدقيق، نجد النموذج الذي قدمه الباحث «بلكبير، 2012»، حيث تحدث عن أربعة مداخل يمكن أن تشكل جوابا مؤقتا عن طبيعة هذه التحولات: أولا، هناك قيم كانت سائدة ومازالت سائدة في المجتمع، لكن شكلها تغير؛ ثانيا، بروز قيم جديدة عوضت قيما قديمة؛ ثالثا، موت قيم قديمة دون أن يتم تعويضها بقيم أخرى جديدة؛ رابعا، ظهور قيم جديدة لم تكن معروفة.
فعلى سبيل المثال، إذا أخذنا النموذج الأول: نجد أن التضامن كان قيمة سائدة في المجتمع المغربي ولازالت كذلك، لكن الذي تغير هو شكلها، ففي السابق كانت هذه القيمة تتم بطريقة ميكانيكية وعفوية وفي مستويات محلية (بين الجيران، داخل الحي، في المسجد، في القرية،...)، إلا أنه مع التحولات المجتمعية بدأت تظهر بجانبها أشكال من التضامن الجديدة، تتماشى مع قيم العالم الحديث، كالتضامن عن طريق جمعيات المجتمع المدني، وخصوصا تلك الجمعيات التي بدأت تطور أساليب جمع التبرعات وتوزيعها في مناطق فقيرة جدا بالمغرب، ويتم ذلك عن طريق تنظيم رحلات سياحية لمتطوعين ومتضامنين، يلتقون بالناس هناك بشكل يعيد الاعتبار إلى الحس الإنساني التضامني في مجتمع متحول.
الجانب الثاني في هذه النمذجة: قد تكون هناك قيم ماضية لكنها تموت لتحل محلها قيم جديدة، تعبر عن حالة تفاعل قوي مع مختلف العوامل التي تطرأ على المجتمع المغربي، من ذلك -مثلا- القيم الجماعية، ونقصد بذلك أن الأفراد لم تكن لهم في السابق مجالات للتعبير عن ذواتهم إلا من خلال أداة «نا» الجماعية»، سواء داخل الأسرة أو في الحي أو في القرية أو حتى داخل الفضاءات العمومية، ويمكن التعبير عن هذه الحالة في لحظات الاستحقاقات الانتخابية، في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث نادرا ما نجد أفرادا يقررون التصويت على الحزب وعلى المرشح بمحض إرادتهم؛ لكن الآن، نلاحظ أن عوامل ازدياد وتيرة التعليم واستفادة فئات واسعة من المجتمع المغربي من خدماته، وكونية القيم الديمقراطية، والتدفق الإعلامي الهائل واللامحدود، وغيرها من العوامل، ساهمت في بروز ملمح جديد في المجتمع المغربي، وهو ميلاد الفرد، بما يعنيه ذلك من بروز ثقافة جديدة تعبر عن ذاتها من خلال اتخاذ المواقف والقرارات والاستقلالية وتحمل المسؤولية. ولا يفهم من ذلك أننا نتحدث عن بروز الفردانية كقيمة سلبية تهدد اندماج المجتمع وتماسكه، بل إننا نتحدث عن قيم جديدة سماها عالم الاجتماع ألان تورين «عودة الذات»، وهذا المفهوم يرتبط، أولا وأخيرا، بوعي شمولي، وهذا ما يظهر حين نرى الأفكار المقدمة هنا مبثوثة في اللغة المتداولة والصحافة الشعبية وعلى شاشات التلفزيون التي تغير بدورها رغبات أكبر عدد من الناس. هذا الانقلاب الثقافي تحمل رايته النساء، بنوع خاص، لأنه لا يمكن فصله عن انهيار السيطرة الذكورية وبروز ثقافة جديدة تتحرر من التبعية الذكورية» (تورين،2011). ولعل هذه الإطلالة كافية لفهم انقلاب السلطة داخل الأسرة وانزياحها نحو المرأة، بحكم تحمل الأخيرة للمسؤولية في كل شيء، داخل الفضاء الأسري وخارجه، ويمكن أيضا أن نفهم جزءا من هذا التحول داخل المدرسة، حيث انهارت سلطة المدرس والإداري في ظل التمثلات الجديدة التي يحملها شباب اليوم حول السلطة، فقد تهاوت تلك الصورة الأسطورية التي كان يحملها الجيل السابق عن المدرسة والمدرس.. إنها بكل تأكيد ثقافة جيلية جديدة، بالمفهوم «المانهايمي» للجيل.
ثالثا: موت قيم كانت معروفة في السابق، دون أن يتم تعويضها بقيم جديدة، كقيم الطاعة -مثلا- التي كانت سائدة في الأسرة المغربية والتي أصبحت متلاشية، إن لم نجازف بالقول إنها بدأت تنعدم، وهو ما يمكن أن نصفه بالفصل بدل الوصل، فصل قيم بدون تعويضها بقيم أخرى. قد يعترض علينا البعض بأن قيمة الطاعة حلت محلها قيمة الحوار، وهذا الاعتراض وجيه، من حيث كونه يحيلنا على تحول في نسقية القيم، لكن الذي يجب أن ننتبه إليه هو أن قيمة الحوار أصبحت تعني التمرد، وأصبحت تعني فرض قيم جديدة على الآباء، وهو ما توصل إليه العديد من الباحثين في حقلي السوسيولوجيا والسيكولوجيا عندما اعتبروا أن إلغاء قيم الطاعة في الأسرة أو المدرسة يعني فقدان السلطة وفقدان مصدر التوجيه، وذلك بدعوى عدم فرض الأفكار والقيم على الأطفال وعدم تعليمهم القيم التقليدية والمتوارثة وترك الحرية لهم في أن يختاروا ما يشاؤون، وهذه الدعوى إنما تستلهم، بوعي أو بغير وعي، «إمبريالية المقولات الحداثوية» التي نظر لها «نيتشه». وقد برزت بأوضح صورها في موجات التطرف النسواني ضد كل مقومات الأسرة والفطرة واحترام الطبيعة البشرية، والدعوة إلى المساواة التامة ورفض الإنجاب ورفض طاعة الزوج وما إلى ذلك. ونحن لا ندعي أن المجتمع المغربي بدأ يتماهى كليا مع قيم التحرر والتمرد، لكن الذي نريد تأكيده هو أنه وقع تحول عميق في نسقية القيم وتم استبدال قيم قديمة بقيم جديدة، ومنها قيمة الطاعة العمياء التي كانت سائدة في الأجيال السابقة.
رابعا: بروز قيم لم تكن معروفة في السابق، كقيم الاستهلاك المفرطة والتي تختلف عن الاستهلاك الذي كان سائدا في الماضي، فقد أصبح الاستهلاك بدون هدف وبدون معنى، فإذا كان في السابق محددا بغاية وبهدف، فإن قيمه حاليا، في ظل التدفق الكثيف لوسائل الإعلام وللإشهار الزائد على الحد، أصبحت «نمط حياة»، فالإنسان المغربي (طبعا بدون أن نعمم) أصبح يلهث وراء المال، ووراء البحث عن الطريف والجديد والصارخ والمتفرد، وبدأ ينغمس في العوالم الافتراضية الوهمية بحثا عن التسلية الواهية، فيحصل له التبدد ثم الضياع، كما قال بذلك «خالد ميار الإدريسي، 2012»؛ ورغم أن الباحث يتحدث عن قيم العالم الغربي ما بعد الحداثي، فإننا نعتقد أن هذه القيم، بحكم طابعها العولمي، أصبحت تغزو كل المجتمعات والأفراد والخصوصيات، بل إننا نعاين أن هذه القيم الجديدة، والتي تسللت إلينا من خلال العوالم الافتراضية، التي فتحت أعين المغاربة، حتى وسط الفئات الفقيرة، على مظاهر الترف؛ ومن يعاين كيف أصبحت ثقافة جيل الشباب الحالي، خصوصا في مظاهر اللباس والماكياج، يفهم أحد المعاني التي تحدثنا عنها. ولعل هذه الفكرة كانت إحدى الالتفاتات الذكية لعالمة الاجتماع المغربية «فاطمة المرنيسي»، أطال الله في عمرها.



رشيد جرموني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.