بعد تسعة أيام من الجلسات المتواصلة، حسمت المحكمة العسكرية في الرباط، في حدود الواحدة صباحا من يوم أمس، في ملف أكديم إزيك بإصدار أحكام بالسجن المؤبد على 9 متهمين أحدهم في حالة فرار٬ وب 30 سنة سجنا نافذا في حق أربعة متهمين٬ وب25 سجنا نافذا في حق ثمانية متهمين٬ وب20 سنة سجنا نافذا في حق متهمَين اثنين٬ وعلى متهمين اثنين بالمدة التي قضياها داخل السجن.. بعد أن توبع المتهمون من أجل تكوين عصابة إجرامية والعنف في حق أفراد من القوات العمومية، الذي نتج عنه الموت مع نية إحداثه والمشاركة في ذلك. وكانت المحكمة قد اخْتلت للمداولة على مدار تسع ساعات، قبل أن يعود رئيس الهيئة ويناديّ على اسمين من لائحة المتهمين اللذين تم ادخالهما إلى القاعة تحت حراسة مشدّدة، قبل ينطق القاضي الأحكام بسرعة، مع تلاوة التهم، وهي الطريقة التي تم اعتمادها مع باقي المُتابَعين من أجل الحفاظ على الهدوء داخل القاعة، خاصة أنّ بعض المتهمين استقبلوا الأحكام بترديد شعارات انفصالية.. وحرص ممثل النيابة العامة على إشعار كل متهم باسمه بأنّ أمامه أجَل ثمانية أيام من أجل النقض، في الوقت الذي ساد هدوء وترقب داخل القاعة بعد توالي أحكام المؤبد على عدد من المتهمين. وتباينت ردود فعل هيئة الدفاع بخصوص الأحكام الصادرة في حق المتهمين في ملف أكديم إزيك، ففي الوقت الذي قال المحامي عبد المولى المناوري إنه «رغم اختلافنا مع توجهات المتهمين فإن الأحكام كانت غيرَ متوقعة»، أكد المحامي محمد لطيب من هيئة الرباط أن «المحكمة العسكرية أصدرت أحكاما منصفة وعادلة، وكانت أكثر من متوقعة بالنظر إلى طبيعة الجرائم المرتبكة»، والتي تتوزع بين القتل والتنكيل بالجثث. كما خلقت الأحكام الصادرة ارتياحا كبيرا لدى عدد من أسر الضحايا الذين قتلوا في هذه الأحداث، حيث أكد والد أحد عناصر القوات المساعدة الذي استشهد في أكديم إزيك، وهو في حالة تأثر شديد، أن «هذا الحكم عوّض عليهم الإحساس بفقدان ذويهم»، وقال «لقد انتظرنا طويلا أن يتم القصاص من المجرمين، واليوم تحقق ذلك»، فيما قالت زوجة أحد الضحايا، وهي تغالب دموعها: «اعلم أنّ حكم القضاء لن يعيد إلينا من فقدناهم، لكنْ على الأقل لا ينبغي أن يترك الجناة دون عقاب». وأكدت أمّ أحد الضحايا، وملامح الإعياء واضحة عليها، بعد أن حرصت على تتبع هذه المحاكمة مند انطلاقتها، أنها انتظرت هذه اللحظة طويلا، وقالت «لم أستطع منعي دموعي لأني أخيرا رأيتُ المجرمين الذين قتلوا ابني وهم يُدانون بعقوبات تجعلهم يقضون بقية حياتهم في السجن».. وبدا لافتا أنّ المتهم الرئيسي في الملف، نعمة الأصفاري، حصل على عقوبة ب30سنة رغم أن جميع المتتبعين كانوا يجزمون بأن أثقل عقوبة ستكون في حقه، في حين جاءت المفاجأة الثانية من العقوبة الصادرة في حق متابَع في حالة سراح، والدي حكم عليه ب20 سنة سجنا نافذا. وكانت جلسة صباح أمس قد خُصّصت للاستماع إلى الكلمات الأخيرة لعدد من المتهمين، قبل أن ترفع الجلسة ليعود القاضي من جديد، حيث طلب من الحضور قراءة الفاتحة والوقوف دقيقة صمت على ضحايا هذه الأحداث، التي كانت قد خلفت تسعة قتلى و161 جريحا في صفوف القوات العمومية، وبعد ذلك أخطر الحاضرين بأنّ المداولة ستطول لأنه يلزم فحص كل وثيقة بدقة، ليطلب إعادة المتهمين إلى سجن الزاكي في سلا، حيث تم بعد ذلك إحضارهم في حدود منتصف الليل. وقضت أسر الضحايا وكذا عدد من المحامين ساعات طويلة في انتظار قرارات المحكمة، حيث غالب النعاس عددا من الحاضرين في القاعة، فيما وجد عدد من الصحافيين صعوبة في العمل بالقرب من المحكمة، نتيجة أجهزة التشويش المنصوبة.. صور في «الوقت الضائع» كان تعقيب ممثل النيابة العامة خلال جلسة أول أمس، والذي أدلى خلاله بصور تظهر خمسة من المتهمين، رفقة قيادات من جبهة البوليساريو، وهم يرتدون الزيّ العسكري، ويحملون رشاشات «الكلاشينكوف»، أثار حفيظة هيئة الدفاع، التي اعتبرت أن ممثل النيابة العامة لجأ إلى إظهار هده الصور في «الوقت الضائع» تزامنا مع نهاية المرافعات، ليوظفها كحجة إثبات، دون أن يدرك أنه قدّم خدمة كبيرة للدفاع والمتهمين، بعد أن تأكد بشكل قاطع أن المحاكمة انطلقت من هذه الصور في غياب الأدلة. وقال الدفاع إن التقاط صور أو لقاء قيادات في البوليساريو ليس جريمة، ولو كان كذلك فيجب اعتقال عدد من ممثلي الدبلوماسية المغربية، الذين التقوا أعضاء بارزين في البوليساريو، وأضاف الدفاع «لم نفاجأ بهذه الصور ورأيناها عشرات المرات، وهي متاحة على موقع البوليساريو، ونشكر النيابة العامة لأنها كشفت الدافعَ الرئيسي وراء المحاكمة». وقال الدفاع إن رشاشات الكلاشينكوف ظلت مغلقة مند سنة 1991 بحكم اتفاق موقع بين البوليساريو والمغرب، وهو الاتفاق الذي جعل هذه الرشاشات مجرّد «لعب»، وقال «نتمنى أن تظل كذلك»، قبل أن يبعث رسالة مفادها أن هذا الملف إما أن يكون بداية تلطيف للأجواء أو بداية معارك سياسية وإعلامية.. وردا على ممثل النيابة العامة، الذي أكد «وجود جهات تسعى إلى التشويش على سمعة المغرب»، واستدل عل ذلك بنشر صور لضحايا فلسطينيين على أنها تعود إلى مخيم أكديم إزيك، وهي الواقعة التي أدنيت فيها قناة إسبانية من طرف محكمة بلجيكية، اعتبر الدفاع أنه لا مبرر لإثارة هذا الموضوع في المحاكمة لأنه خارج سياق الملف، تهما النيابة العامة بمحاولة تمرير رسائل خارج المحكمة. و أكد الدفاع أن كل ما تقدّمت به النيابة العامة لا يرقى إلى وسائل إثبات يمكن اعتمادها، مشيرا إلى أن المَحاضر التي تنجزها الشرطة القضائية في الجنايات هي عبارة عن معلومات، ولا يمكن الاستناد إليها كحجة، قبل أن يجدد تشبثه بالدفوعات التي تقدم بها في وقت سابق، ومنها إجراء خبرة طبية على بعض المتهمين الذين أكدوا تعرضهم للتعذيب، ليلتمسوا في نهاية تدخلاتهم البراءة للمتهمين. أكديم إزيك و16 ماي عاد الدفاع لانتقاد الطريقة التي تم بها التعامل مع القضية مند بدايتها، وقال «لدينا مجموعة من الضحايا، فقمنا بجمع عدد من المتهمين دون أدلة»، قبل أن يشيد بالطريقة التي دبّرت بها الشرطة القضائية التحقيق في أحداث 16 ماي الإرهابية، في مسرح الجريمة، بعد أن تم رفع البصمات وتجميع عدد من الأدلة وفحصها في مختبرات علمية، قبل أن يسأل رئيس الهيئة عما إذا كان التحقيق مع المتهمين قد اعتمد على رفع البصمات من المحجوزات أو من جثث الضحايا.. كما تساءل عن سبب عدم قيام الشرطة القضائية بإعادة تمثيل وقائع الجرائم المنسوبة إلى المتهمين، وأشار إلى أنّ «عددا من المعطيات تدل على وجود تقصير خطير في الملف». تواصلت انتقادات الدفاع لتعقيب النيابة العامة، بعد أن أكد محامي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن السلطات المغربية كانت لديها معطيات حول المخيم ومخطط إحداثه، وقال «فينْ كانتْ الدولة ملي كانْ كيديرو المخيّم؟».. كما هاجم الدفاع من وصفهم ب»المرتزقة» وأصحاب الدعاية السياسية، وقال إنه لا يسمح لأي شخص أن يرتزق أو يمارس الدعاية السياسية على حساب أهالي الضحايا، الذين تم إهمالهم لأزيدَ من سنتين قبل أن يصبح عدد من المسؤليين مهتمين بهم يوم المحاكمة، في إشارة إلى الزيارة التي قام بها إليهم عدد من وزراء التقدم والاشتراكية، ومنهم نبيل بنعبد الله والوردي، وكذا عدد من الوجوه المنتمية إلى عدد من الأحزاب السياسية. وأشار الدفاع إلى أن السلطات قامت عقب الأحداث باعتقال أزيد من 500 شخص قدم منهم 200 للمحكمة بالتهم نفسها الموجهة لمعتقلي أكديم إزيك، قبل أن يتم إطلاق سراحهم، وتساءل عن الحكمة من إطلاق سراح هؤلاء واعتقال المتابَعين. وشم البوليساريو على أجساد مراقبين استبق المجلس الوطني لحقوق الإنسان المراقبين الذين حضروا المحاكمة بتقرير أوليّ خلص فيه إلى أنّ المحاكمة مرت في أجواء عادية واتسمت، على وجه الخصوص، بسلامة الإجراءات، ما خلف ارتياحا لدى المتهمين الذين بادر العديد منهم إلى شكر رئيس الهيئة. وأكد عدد من المتتبعين، في تصريحات متفرقة ل«المساء»، أن إصدار الحكم في قضية أكديم إزيك لن يكون نهاية هذا الملف، بل ستكون هناك مضاعفات جانبية مرتبطة بالتقارير التي أعدّها عدد من المراقبين الأجانب الذين يشهرون تعاطفهم مع جبهة البوليساريو، بعد أن استعانوا بمترجمين انفصاليين، وساعدوا في توزيع منشورات خارج قاعة المحكمة، حيث لوحظ إنزال كبير لعدد من الاسبان تحت لافتة المراقبين الدوليين، ومنهم مراقِبة تضع وشما على يدها يحمل شعار البوليساريو.. علما أنّ عددا من المراقبين سجلوا موقفا إيجابيا، ومنهم حمزة، المراقب الايطالي الذي قال إنه حضر إلى المحكمة وتفاجأ بعد أن روّجت البوليساريو عددا من الإشاعات مفادها أن هذه المحاكمة تجري بشكل سري، وسط تضييق كبير على الوصول إلى المعلومة، وقال: «أستغرب كثيرا لأني وجدت الأمر غير ما يتم الترويج له في الخارج، وأعتقد جازما أنّ المحكمة وفرت جميع الشروط التي تضمن مرور المحاكمة في أجواء تحترم القانون». الكلمات الأخيرة للمتهمين تفاجأ رئيس الهيئة والحاضرون في القاعة عندما نطق أحد المتهمين بعبارة غريبة جعلت الهمهمات تتعالى وسط الجلسة، حيث قال المتهم إنه «يتمنى أن ينزل البول الذي دنست به جثث بعض الضحايا بردا وسلاما عليهم».. علما أن المتهم نفسَه قدَّمَ في بداية كلمته العزاءَ لأهالي الضحايا الذين سقطوا في أحداث أكديم إزيك، وهو الشيء نفسه الذي تناوب عليه باقي المتهمين.. وتدخل رئيس الهيئة في أكثرَ من مناسبة بعد أن حوّل المتابعون في هذا الملف الكلمة الأخيرة إلى مرافعة مرروا من خلالها رسائلَ سياسية طالبت بضرورة فتح تحقيق دوليّ في أحداث أكيدم إزيك وتقديم المسؤوليين الحقيقيين عن الجرائم التي وقعت إلى العدالة.. وعمد بعض المتهمين الذين أكدوا براءتهم، بعد أن نفوا التهم الموجهة لهم، إلى ترديد شعارات انفصالية باللغتين الإسبانية والعربية، بعد أن توجهوا نحو المراقبين الدوليين، وهو ما جعل القاضي يتدخل من جديد، علما أنّ أحدهم وجّه خطابه لممثل الحق العام، وقال: «لقد فوجئنا بممثل النيابة العامة وهو يعرض صورا لنا مع بعض قيادات البوليساريو، ليجعل منها دليلَ إدانة»، قبل أن يضيف: «أنا هنا أعلن انتمائي إلى جبهة البوليساريو».. قبل أن يرفع شارة النصر. واهتزّت القاعة بالضحك بسبب الطريقة التي تحدث بها مسنّ متابَع في حالة سراح، والذي طالب القاضي بإحالته على المستشفى بإلحاح، قبل أن يقول له القاضي: «راك مطلوقْ يلا بْغيتي سيرْ للسبيطار شكونْ منعك؟».. وبدا لافتا أنّ أحد المتهمين تحدث بلهجة معتدلة، وقال «نريد السلام والأمان، ولا شيء غير ذلك، ولا نقبل العنف من أي جهة، وهذا الملف هو نتيجة صراعات سياسية لا علاقة لنا بها»، مطالبا بكشف الحقيقة، قبل أن يليّه متهم آخر قال إنّ «المحتجين كانوا يطالبون بحقوقهم التي تُنهَب»، وأضاف أن «الإدارة المغربية قدّمت عددا من الوعود للسكان لم يتحقق أي شيء منها»، ليشير إلى ما اعتبره «استنزافا لخيرات المنطقة»، بعد أن قال للقاضي إن المغرب منح 200 رخصة صيد للسفن الاسبانية، وإن حزام الفوسفاط الموجود في المنطقة يمكن أن يؤدي أجور 10 آلاف من السكان لو اشتغل ليوم واحد فقط.. ومرت الكلمة الأخيرة للمتهم الرئيسي النعمة الأصفاري في أجواء متشنجة، بعد أن تدخل القاضي لمقاطعته في أكثرَ من مرة، خاصة بعد أن انتقد المتهم ممثل النيابة العامة قبل أن يعدّل من لهجته، ويؤكد أنه لم يكن يتوقع محاكمة بهذا التدبير والتسيير، وأضاف «لقد خيّل إلي أنني في جلسات هيئة الحقيقة والإنصاف».. غير أن القاضي سيتدخل من جديد، بعد أن تعمّد المتهم بث انتقادات للقضاء وللنيابة العامة، حيث خاطبه القاضي بقوله «نحن لسنا في مُدرَّجات الجامعة»..