حكى لي أكثر من عضو من الأعضاء المنضوين ضمن تنسيقيات المعطلين المعتصمين في الرباط أن مشكلتهم، اليوم، ليست مع رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران فحسب، بل يشعرون بأن مشكلتهم أصبحت مع الوزير بدون حقيبة السيد عبد الله بها؛ ففي لقاء لهم مع بنكيران، استنتج المعطلون أن صباح مشكلتهم يوشك أن ينبلج، ثم يأتي عبد الله بها لكي يرجعهم إلى نقطة الصفر، وذلك بإصراره على مسألة لاقانونية توظيف الأطر العليا المعطلة بشكل مباشر، لكون ذلك يخالف الدستور الذي ينص على إجراء مباراة والتوظيف حسب الكفاءة. ونحن إذ لا نتماهى مع رواية الأطر العليا المعطلة، فإننا نسائل المتن الدستوري بخصوص ما إذا كان منصب عبد الله بها، وزير الدولة بدون حقيبة، يتوافق والدستور الحالي. فبما أن الحكومة الحالية، والسيد بها عضو فيها، تطالب الأطر العليا المعطلة بالانضباط لبنود الدستور، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل السيد وزير الدولة بدون حقيبة يحترم الدستور؟ وهل، بالفعل، موقف الأطر العليا المعطلة، وخاصة الموقعين منهم على محضر 20 يوليوز، غير دستوري؟ في إطار تقييم حصيلة السنة الأولى من تنزيل الدستور، كنا أشرنا إلى لاقانونية منصب وزير الدولة بدون حقيبة، لكن في هذه الدراسة سنتطرق إلى الأمر بشكل أعمق، من خلال مساءلة النص الدستوري في هذه الواقعة من جهة، ومقابلة لادستورية منصب وزير بدون حقيبة بالوضع الذي توجد عليه الأطر العليا المعطلة الموقعة على محضر 20 يوليوز بشكل خاص، والمعطلين بشكل عام. ينص الفصل 87 من دستور 2011 على ما يلي: «تتألف الحكومة من رئيس الحكومة والوزراء، ويمكن أن تضم كتابا للدولة. يُحدد قانون تنظيمي، خاصة، القواعد المتعلقة بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها». إن هذا النص شديد الوضوح حيال هيكلة وتركيبة الحكومة، فقد أراد المشرع من خلاله -نفترض ذلك في غياب الأعمال التحضيرية للدستور التي وعد السيد المنوني بنشرها- سد الطريق على مجموعة من الممارسات السابقة، ومن هذه الممارسات ضم الحكومة لوزراء السيادة ووزراء الدولة بدون حقيبة والوزراء المنتدبين؛ فمن خلال هذا النص يتبين أن الحكومة تتألف من ثلاثة عناصر لا أكثر وهي: أولا، رئيس الحكومة؛ ثانيا، الوزراء؛ ثالثا، يمكن أن تضم كتابا للدولة. وهو ما يفيد بأن الفصل 87 ارتقى بمنصب الوزير الأول إلى مستوى رئيس الحكومة، وهو ما يعني دسترة مؤسسة رئاسة الحكومة. وإلى جانب رئيس الحكومة، تتألف الأخيرة من الوزراء. والتعريف القانوني للوزير لا يخرج عن كونه الشخص المسؤول عن حقيبة وزارية والملتزم بقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة التي ينص عليها الدستور في فصله الأول، فلا يمكن أن تستقيم هذه القاعدة بدون وجود وزير يتحمل حقيبة وزارية ويُلزم قانونيا بتدبيرها، وهو ما يفيد استحالة محاسبة وزير بدون حقيبة، إذ لا يمكن محاسبة شخص عن مسؤولية لا يتحملها؛ فلو أراد المشرع أن تضم الحكومة وزير دولة أو نائب رئيس الحكومة لكان نص على ذلك بالنص، قياسا بتنصيصه على إمكانية ضم الحكومة لكتاب الدولة. لقد تمت مخالفة الدستور، إذن، عندما تم تعيين عبد الله بها وزيرا بدون حقيبة ضمن تركيبة الحكومة، فلقد أصر بنكيران -بعد رفض طلبه بخصوص تعيين عبد الله بها نائبا لرئيس الحكومة- على أن تضم حكومته وزيرا بدون حقيبة تولاها صديقه. وهذا المنصب المفصل على مقاس عبد الله بها فتح الباب مواربا لكي تتم مخالفة الدستور عندما تم تعيين وزراء منتدبين في الحكومة بدل كتاب دولة؛ فالدستور نص على إمكانية أن تضم الحكومة كتابا للدولة ولم ينص على أن تضم وزراء منتدبين. والفرق بين الوزير المنتدب وكاتب الدولة واضح وعميق، فالأول يتحصل على كامل الصلاحيات، بل تقارب صلاحياته تلك التي لدى الوزير العادي أو تتفوق عليها أحيانا، كما هو شأن الوزيرين المنتدبين في الداخلية والخارجية؛ بينما الثاني لا اختصاص له إلا بما يفوضه له الوزير الأصيل، كما أنه لا يحضر المجالس الوزارية. إننا أمام حالة غير قانونية وغير دستورية تسبب فيها عبد الله بها عندما قبل بمنصب وزير دولة بدون حقيبة. والأدهى من ذلك أن مخالفته للدستور جعلت رئيس الحكومة غير قادر على رفض وجود وزراء منتدبين بالحكومة؛ فقبوله بمخالفة الدستور وإصراره على توزير صديقه عبد الله بها جعله في وضع لا يسمح له بالتقرير في هيكلية الحكومة، سواء بخصوص ضمها وزراء منتدبين أو ما يسمى بوزراء السيادة، في تناقض واضح مع مبدأ «ربط المسؤولية بالمحاسبة»، فمن المعلوم أن الحكومة الحالية تضم أكثر من وزير غير مرتبط بحزب سياسي، من قبيل وزراء: الأوقاف، والفلاحة، والأمانة العامة للحكومة. وبخصوص هذه الأخيرة نذكر أن بنكيران كان قد صرح بأنه هو من اختار وزيرها الضحاك، ولكنه خلال ندوة نظمتها المطبعة الوطنية، نسي كلامه وقال إن الضحاك هو الوزير الذي لم يقترحه أحد ولم يعترض عليه احد. بالعودة إلى موضوع المعطلين وقضية كون إدماجهم بشكل مباشر في سلك الوظيفة العمومية يخالف الدستور، التي يتذرع بِها عبد الله بَها ورئيسه في الحكومة السيد بنكيران، وبربط هذه القضية بالوضعية اللادستورية التي يوجد عليها وزير الدولة عبد الله بها، سيتضح أن الذي يخالف الدستور هو من يطالب من يحترم الدستور بالتسليم في حقه الشرعي والمشروع؛ كيف ذلك؟ الدستور الحالي ينص، بالفعل، في الفصل ال154 على أن «يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات»، لكن نفس الفصل -وهذا من الصدف الغريبة- ينص على توخي الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، فالفقرة الثانية من هذا الفصل جاء فيها: «تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور»، فأي شفافية هاته التي تسمح بأن يتقاضى وزير أجره دون أن يتولى حقيبة وزارية؟ وعلى أي أفعال سيحاسب الشعب من خلاله نوابه وزيرا لا يتحمل أية مسؤولية؟ وأين هي استمرارية المرفق العمومي عندما ترفض الحكومة الحالية محضرا قانونيا وقعت عليه حكومة سابقة؟ وهل تنفيذ هذا المحضر يخالف الدستور الحالي؟ لقد نص الدستور السابق على حق التشغيل ولم ترد فيه مسألة «المساواة على أساس الاستحقاق»، وبالتالي لم يعترض أحد أو يقل بعدم دستورية القرارين الوزاريين 99/695 و99/888 الصادرين عن حكومة اليوسفي بتاريخ 30 أبريل 1999 والمنشورين في الجريدة الرسمية بتاريخ 24 ماي 1999. ففي ظل الدستور السابق، تم توقيع «محضر 20 يوليوز 2011» مع الأطر العليا المعطلة والقاضي بإدماجها في سلك الوظيفة العمومية بدون مباراة بناء على القرارات الوزارية سالفة الذكر. والسؤال القانوني الذي يطرح هنا هو: على افتراض أن الدستور الحالي يمنع الإدماج في الوظيفة العمومية بدون اجتياز المباريات -رغم أننا نعلم أن هناك استثناءات كثيرة ستنفلت من النص الدستوري، كالتوظيف في المناصب الحساسة، كما جرت تسميتها، من قبيل الجيش والأمن، أو كما جرى بخصوص التوظيف المباشر لأبناء الأقاليم الجنوبية- نقول: على افتراض ذلك، فهل يسري الدستور الجديد بأثر رجعي على المركز القانوني المستقر للأطر العليا التي وقعت محضر 20 يوليوز 2011، وأين هي مسألة الشخصية المعنوية التي توصف بها الحكومات بغض النظر عن الأشخاص؟ لقد تم توقيع محضر 20 يوليوز أمام جميع السلطات، وظل الجميع يراقب التفاوض بين حكومة عباس الفاسي وممثلي المعطلين، وحضر التوقيع أكثر من مسؤول رسمي، ولم يعترض أحد على لاقانونية التوقيع. وتم كل ذلك في ظل دستور 1996 بينما لم يفعل الدستور الحالي إلا في 31 يوليوز 2011. إن ما يمكن استخلاصه من هذا التحليل أنه لو كانت هناك إرادة سياسية حقيقية ومحكمة دستورية فاعلة ومعارضة واعية بالنصوص القانونية، لما كانت مناصب وزير بدون حقيبة والوزراء المنتدبين ووزراء السيادة ضمن تركيبة الحكومة؛ هذا من جهة، ومن جهة ثانية لماذا بقي محضر 20 يوليوز دون تنفيذ؟ وفي ظل غياب كل هذا، سيستمر عبد الله بها في منصبه اللادستوري، وستبقى آلاف من حملة الشواهد تطوف شوارع الرباط. إنها الخصوصية المغربية التي يطالب فيها وزير غير دستوري الموطنين باحترام الدستور.
عبد الرحيم العلام باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة