رضى زروق رغم أن يوم الثلاثاء كان يوم عطلة يحتفل فيه المغاربة بذكرى المسيرة الخضراء، غير أن الحركة بمدينة الدارالبيضاء لم تكن عادية أبدا. فتوقيت المباراة المبكر، دفع جماهير الوداد والرجاء إلى الخروج من بيوتهم منذ الصباح الباكر من أجل التوجه صوب مركب محمد الخامس. ازدحمت الطرقات والشوارع الرئيسية المؤدية إلى الملعب بين الساعة الثامنة والتاسعة صباحا، أي قبل حوالي 60 دقيقة من فتح الأبواب المؤدية إلى المدرجات. حافلات وشاحنات نقل صغيرة ودراجات نارية وسيارات مزينة بالأحمر والأخضر ملأت شوارع أنوال وبئر أنزران والمسيرة الخضراء وأنفا وإبراهيم الروداني، وعشاق الفريقين بدؤوا يهيئون طقوس «الديربي» قبل ساعات على بدايته. حتى محطات القطار والحافلات عاشت صباح يوم الثلاثاء حركة غير عادية، فحدود «ديربي» الوداد والرجاء تجاوزت الدارالبيضاء ونواحيها، وأصبحت المباراة في السنوات الماضية تستقطب الآلاف من عشاق الفريقين من مدن مجاورة وأحيانا من أخرى بعيدة كمكناس وفاس ومراكش. منذ الصباح، ظهر رواج اقتصادي بمحيط الملعب والمنافذ المؤدية إليه، وانتشر باعة الصور والأعلام والقبعات الودادية والرجاوية ولوازم ووسائل التشجيع في أماكن مختلفة يعرضون بضائعهم على محبي الناديين، لكن الإقبال الأكبر كان على أصحاب المأكولات الخفيفة، الذين وضعوا عرباتهم المتنقلة في محيط الملعب، كما أن بائعي تذاكر المباراة في السوق السوداء انتشروا على بعد مئات الأمتار من الملعب، رغم الحراسة التي فرضت عليهم من قبل السلطات. وبلغ سعر تذكرة المدرجات المكشوفة من 50 إلى 60 درهما في السوق السوداء، علما أن الثمن الأصلي هو 30 درهما. وظهر أن جمهور الفريقين في غالبيته استجاب للنداء الذي أطلق عبر شبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، إذ حرص معظمهم على ارتداء اللونين الأحمر والأخضر والابتعاد عن اللون الأسود من أجل إعطاء جمالية أكثر لمدرجات الملعب. تنظيم كارثي على غرار معظم «الديربيات» السالفة، شكل التنظيم نقطة سوداء خلال هذا العرس الكروي الكبير. وتمت معاينة عدد كبير جدا من الانسلالات في صفوف جمهور الفريقين، إذ لجأ عدد من الراغبين في ولوج الملعب إلى سلك طرق غير مشروعة من أجل بلوغ مرادهم، بينما لم يجد البعض ممن اقتنوا تذكرة المباراة مكانا له داخل المركب. إلى جانب الانسلالات ظهرت مجموعة من عمليات التواطئ من قبل بعض رجال الأمن والمكلفين بالتنظيم، الذين كانوا يقومون بمساعدة مجموعة من المتفرجين من أجل الولوج إلى الملعب دون اقتناء تذاكرهم نظير مقابل مادي. وسادت فوضى عارمة مجموعة من مداخل الملعب، وأصبح الباب المخصص لرجال الإعلام مفتوحا في وجه العموم، كما تعرض عدد من الزملاء الصحافيين إلى الاعتداء اللفظي والجسدي، وتعرض أحدهم للسرقة بسبب التدافع الذي حصل أمام الباب المخصص للصحافيين. ورغم توفرهم على شارة الاعتماد الخاصة بالمباراة، غير أن ذلك لم يشفع لعدد من الصحافيين من الدخول إلى الملعب إلا بصعوبة بالغة، إذ رفض المكلفون بتنظيم المباراة فتح الباب مما تسبب في اكتظاظ كبير ثم تدافع كاد أن ينتهي بكارثة لولا الألطاف الإلهية. ولجأ بعض رجال الأمن بالزي الرسمي إلى إهانة بعض رجال الإعلام، إذ استعملت في حقهم كلمات نابية بسبب مطالبتهم بفتح الباب الرئيسي وجعلهم يمارسون مهامهم. معاناة الصحافيين استمرت حتى داخل الملعب، فعدد منهم لم يجد كرسيا يجلس عليه داخل منصة الصحافة، التي امتلأت بغرباء وأفراد من جمهور الرجاء، على اعتبار أن المنصة المخصصة للإعلاميين جاءت في قلب المنصة المغطاة المخصصة لجمهور الفريق «الأخضر». وتعرض بعض الصحافيين إلى الرشق بالقنينات وبعض المواد الصلبة، بعد اكتشاف مشجع ودادي يرتدي قميص فريقه داخل المنصة المخصصة للصحافة. وفور أن انتبه البعض من جمهور الرجاء إلى وجود ودادي داخل منصة الصحافة حتى طالبوا بإبعاده، وشرع البعض الآخر في رمي القنينات التي أصابت بعضها صحافيين قدموا لتغطية المباراة. «ديربي» في المدرجات «الديربي» البيضاوي انطلق مبكرا في المدرجات، فكل فصيل «ألترا» كان يحاول أن يتفوق على الآخر. وانطلقت الأغاني الودادية والرجاوية ساعات قبل بداية المباراة، وظل كل طرف يتوعد الآخر بأن يلحق به الهزيمة. وامتلأت المدرجات الخاصة بجمهور الرجاء بشكل مبكر، بينما ظلت جهة في مدرجات الوداد فارغة، وهو ما انتبه له جمهور الفريق «الأخضر» الذي ظل يردد: «زيدونا بلاصة» و»الوداد خاصها جمهور». ظلت مدرجات «المكانة» و»فريميجة» تتغنى بكلمات أغانيها القديمة والحديثة، واشتعلت الجهة «الخضراء» أكثر عندما دخل لاعبو الفريق من أجل الإحماء. ظل جمهور الرجاء يشجع عددا من لاعبي الفريق أمثال محسن متولي وياسين الصالحي وحمزة أبو رزوق، ويطالبهم بهزم الغريم التقليدي. وما هي إلا دقائق حتى اهتزت الجهة الأخرى من الملعب بعد صعود حارس الوداد نادر المياغري وخلفه باقي لاعبي الفريق، وظل مناصرو الفريق «الأحمر» يحفزون لاعبيهم إلى غاية عودتهم إلى مستودعات الملابس. حرصت إدارة المركب على تشغيل أغنية «صوت الحسن» بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء أزيد من خمس مرات، كما ظل الجمهور يرقص على إيقاع أغنية مغني الراي الجزائري الشاب خالد « C'est la vie » التي أعيدت على مسامع الحضور أكثر من مرة. إنها اللحظة المرتقبة.. عند صعود لاعبي الفريقين وثلاثي التحكيم، تم الكشف عن «تيفو» فصيل «الوينرز» و»الغرين بويز»، وكان التخوف السائد بين فصائل «الألترا» المؤثثة ل»الديربي» هو تهاطل الأمطار يوم المباراة، لأن من شأنه أن يفسد لوحة فنية أخذت وقتا ومجهودا وإمكانيات مادية. مباراة تحبس الأنفاس أعطى الحكم هشام التيازي صافرة انطلاقة المباراة وحبس عشرات الآلاف من الحاضرين أنفاسهم. وما هي إلا ثوان على انطلاق المواجهة حتى اهتز جمهور الوداد بعد أول قنطرة صغيرة للاعب بكر الهيلالي على الدولي التونسي عادل الشادلي. ظلت جماهير الفريقين تتفاعل مع كل مراوغة أو قنطرة صغيرة أو أي لوحة فنية يصنعها أحد لاعبي الفريقين، في انتظار تسجيل الهدف. ظل الجمهور يترقب تسجيل هدف وحسم الأمور دون اللجوء إلى الأشواط الإضافية أو الضربات الترجيحية. وفي الوقت الذي بدأ فيه جماهير الفريقين تهيؤ نفسها نفسانيا لمشاهدة الأشواط الإضافية، نزل هدف مهاجم الوداد فابريس أونداما في الدقيقة 83 كقطعة ثلج على أنصار الرجاء. بدا الهدوء واضحا في مدرجات «المكانة» مقابل صخب في الجهة المقابلة، لم توقفه غير صافرة الحكم التيازي الذي أعلن عن ضربة جزاء للرجاء في الدقيقة 89. سجل متولي هدف التعادل لتعود الروح إلى الجمهور الرجاوي، وتطير الفرحة من «فريميجة» إلى مدرجات الرجاء. عند تسجيل هدفي ياسين الصالحي وعبد الإله حافيظي، انطلقت الاحتفالات من جانب جماهير الرجاء، وبدا الدولي السابق صلاح الدين بصير سعيدا بالفوز، وظل يرفع شارة النصر ويلوح بشعار الفريق ويقبله. في الجهة المقابلة لم يصدق جمهور الوداد كيف أن التأهل إلى نهائي كأس العرش طار في ظرف وجيز من الوداد إلى الرجاء، وغادرت الأغلبية الملعب قبل أن يعلن التيازي عن صافرة النهاية، بينما شبه أحد المتفرجين المباراة بالمقابلة التاريخية التي جمعت بين المنتخبين المغربي والجزائري في ربع نهائي كأس أمم إفريقيا 2004 بتونس، عندما عاد المغرب في النتيجة في الدقيقة الأخيرة وسجل هدفين في الشوط الإضافي الثاني. ديربي الكأس كان ناجحا على المستوى الجماهيري والتقني والفرجوي، على اعتبار أنه تم تسجيل 4 أهداف وهي حصيلة نادرا ما نتابعها في «الديربي» البيضاوي الذي أصبح يعرف شحا في تسجيل الأهداف. لكن النقطة السوداء التي أصبحت تفسد هذا العرس الكروي هي الجانب التنظيمي الذي شهد عدة اختلالات كاد أن يؤدى ثمنها غاليا.
فاخر: تعذبنا قبل حسم المباراة قال امحمد فاخر مدرب الرجاء إن فريقه واجه منافسا قويا وقف أمامه الند للند وخلق له الكثير من المتاعب، وأنه تعذب قبل حسم المباراة لصالحه. وتابع فاخر الذي كان يتحدث في الندوة الصحافية التي أعقبت المباراة: « يجب أن أقول إن الوداد أدى مباراة كبيرة، والفرق ظهر واضحا بين الوداد قبل شهرين وبعد مجيء الزاكي، فالفريق أصبح أقوى وحقق نتائج إيجابية وشاهدنا في مباراة اليوم فريقا آخر يلعب بطريقة جيدة». وزاد:»بالنسبة إلى تفاصيل المباراة، أظن أن كل فريق حاول عدم استقبال أهداف، لأن الأمر يتعلق بمباراة في نصف نهائي كأس العرش، وأي خطأ قد يؤدى ثمنه غاليا. إذ فالحذر كان حاضرا، وكل فريق قرأ منافسه جيدا وهذا بدا واضحا من خلال أطوار المقابلة». وأضاف:»فريق الوداد تقدم في النتيجة في آخر لحظات المقابلة، وأصعب شيء في كرة القدم هو أن تحافظ على مكسب الهدف الذي سجلته. جاء هدف التعادل للرجاء في آخر الأنفاس ونجحنا في التفوق وحسم المباراة في الثلث الأخير من الشوط الإضافي الثاني. حاولنا ما أمكن ألا تستقبل مرمانا أي هدف في الأشواط الإضافية، لأن العودة في النتيجة تصبح أصعب في الشوطين الإضافيين، وعندما أتيحت لنا مساحات في الشوط الإضافي الثاني استغلها لاعبونا بشكل جيد». وخلص فاخر إلى القول:»أظن أن لكل مباراة خصوصياتها وجزئياتها وكل واحدة لا تشبه سابقتها. لكن النقطة الإيجابية التي تحسب للرجاء هي أنه يملك تلك القدرة على العودة في النتيجة في آخر الدقائق وفي وقت يبدأ يتسرب فيه الشك. في مباراة أولمبيك آسفي كنا منهزمين بهدفين لصفر ونجحنا في تسجيل هدفين في آخر سبع دقائق، وفي مباراة «الديربي» أمام الوداد تمكنا من العودة في النتيجة دقائق قليلة بعد أن تلقت شباكنا هدفا».
الزاكي: ضربة الجزاء قلبت المباراة شدد بادو الزاكي، مدرب الوداد الرياضي على أن ضربة الجزاء التي أعلن عنها الحكم لصالح الرجاء هي التي قلبت وجه المباراة، وقال الزاكي:»من شاهد المباراة سيلاحظ أنها كانت جد تكتيكية بين الفريقين، وجزئيات بسيطة هي التي حسمت الأمور في نهاية المطاف. لاعبو الوداد قدموا اليوم واحدة من أفضل مبارياتهم، ولاحظنا تحسنا في أداء عدد كبير من اللاعبين وهذا شيء إيجابي سيعود على الفريق بالنفع في المستقبل القريب. اللاعبون طبقوا جيدا التعليمات التي أعطيت لهم، وتمكنا من تسجيل هدف في وقت مناسب وكنا قريبين من إنهاء المقابلة في وقتها الأصلي، لكن الحكم أعلن عن ضربة جزاء مشكوك في أمرها، وكانت هي نقطة التحول في المباراة التي كانت تسير لصالحنا». وتابع:»في الشوط الإضافي الأول لم تتح فرص كثيرة لكلا الفريقين، وبدا الحذر واضحا على الطرفين معا، لكن الهدف الثاني الذي استقبلناه حسم الأمور، وفي الوقت الذي بدأنا نبحث فيه عن تسجيل هدف التعادل، استغل فريق الرجاء المساحات وسجل هدفا آخر من مرتد هجومي» وأضاف:» المباراة كانت مدروسة جيدا من جانب الفريقين وليست هناك لحظة أدركنا فيها أننا خسرنا الرهان. فحتى بعد تسجيل هدف قاتل من طرف الرجاء ودخولنا إلى الأشواط الإضافية، حافظنا على طريقة لعبنا وحاولنا خلق فرص وبناء هجمات، لكن الكرة ظلت منحصرة أكثر في وسط الملعب قبل أن تُحسم في آخر لحظات الشوط الإضافي الثاني». وزاد:» كل مباراة لها أسلحتها وطريقتها، وكل منافس له أسلوبه في اللعب و لا يشبه الآخر. درسنا فريق الرجاء جيدا وأدركنا نقط قوته وضعفه، وفي الشوط الثاني على الخصوص خلقنا العديد من فرص التسجيل الواضحة وأضعنا منها الكثير قبل أن يأتي هدف فابريس. لا أظن أن الوداد وحده من كان حذرا، فالفريقان معا درسا المنافس جيدا والمباراة كانت تكتيكية محضة، خاصة في الشوط الأول، والهدف الذي تلقيناه والذي غير مجرى المباراة جاء من ضربة جزاء وليس من خطأ دفاعي».