الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    الكاف يعاقب مولودية الجزائر على خلفية أحداث مباراته ضد المنستيري التونسي        توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    اطلاق الحملة الوطنية التحسيسية لوقف العنف ضد النساء والفتيات    مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يجدد التأكيد على أهمية مسلسلي الصخيرات وبوزنيقة في تسوية الأزمة الليبية    محام صنصال: الجزائر تنتهك الحريات    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    أحمد الشرعي مدافعا عن نتنياهو: قرار المحكمة الجنائية سابقة خطيرة وتد خل في سيادة دولة إسرائيل الديمقراطية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطاع التربية والتعليم يشعل الحرب بين فرنسا والأعيان
تنافس شديد على بناء مدارس حديثة حرة للنصارى والمسلمين وتهميش التعليم داخل «المسيد»
نشر في المساء يوم 23 - 08 - 2012

بعد عشر سنوات على وفاة الراحل المجاهد أحمد معنينو، الذي عاصر ستة ملوك، يدعونا ابنه الصديق معنينو، الصحافي الذي عمل مديرا للتلفزة والإعلام بوزارة الاتصال ثم كاتبا عاما بنفس الوزارة،
إلى خوض رحلة ممتعة ومثيرة عبر صفحات كتابه الذي يوجد قيد الطبع. رحلة في الذاكرة تستغرق قرنا من الزمن. وهي الفترة التي قضاها الراحل قبل وفاته عن سن ال97. وكان الراحل أحد صناع المد الاحتجاجي ضد الظهير البربري عبر قراءة اللطيف في المسجد الأعظم بسلا، وساهم في تنظيم أول احتفال بعيد العرش تعرفه المملكة. اعتقل و سجن عدة مرات بسبب خطبه وترؤسه انتفاضات شعبية كثيرة. وقاد أول مظاهرة بالمغرب للمطالبة بحرية الصحافة، فنفي تسع سنوات. عمل الراحل في التربية والتعليم، وأسس عدة مدارس حرة. كما عمل بالصحافة محررا ورئيس تحرير ومدير نشر، وقد نشر آلاف المقالات والدراسات بالجرائد والمجلات. كان من بين مؤسسي حزب الشورى والاستقلال، وعضوا بارزا في مكتبه السياسي. إلى جانب ذكرياته ومذكراته المكونة من 11جزءا، ألف الراحل 13 كتابا تحدث فيها عن مواضيع مختلفة، أشهرها كتابه حول المعتقل الجهنمي «جنان بريشة» بتطوان، وكتاب حول «كوميسارية الساتيام» بالدار البيضاء، وهما سجنان عذب فيهما واغتيل العديد من الشوريين والديمقراطيين من أصدقائه. كان يخشى أن تصيب الذاكرة الوطنية الشيخوخة والنسيان. لذلك عكف على الكتابة والتأريخ لينعش ذاكرة الأجيال المتعاقبة بفترات من تاريخ المغرب، الذي وجد أن بعض فصوله خضعت للتزوير. كان بيته مقصدا للمظلومين والمستضعفين.. وقد عاش فقيرا ومات فقيرا.
مباشرة مع بداية الاحتلال شرعت السلطات الفرنسية في فتح مجموعة من المدارس الحديثة في عدد من المدن المغربية ومنها سلا. فقد شهدت ساحة باب احساين ميلاد مؤسسات تعليمية للذكور والإناث، حيث تم كراء عدد من المنازل لاحتضان هذه المؤسسات في انتظار بناء المدارس الجديدة. ولهذه الغاية تم كراء دار ابن عطار ثم دار قبطين ثم دار الشدادي. وبذلك تحولت ساحة باب احساين طيلة عدة سنوات إلى «حي مدرسي» أثار الكثير من الجدل داخل البيوت السلاوية. لقد تابع السلاويون هذه الحركة بكثير من الحيطة والاحتراس، بل ذهب العديدون إلى إعلان مقاطعة «مدارس النصارى» خوفا على الناشئة السلاوية من «خداع الأوروبيين ورغبتهم في إبعاد المسلمين عن دينهم ولغتهم». وأجمعت النخبة السلاوية على انتقاد الدراسة في «المسيد» واعتبرتها متجاوزة وغير مفيدة في الظروف الحالية، كما انتقدت «المسيد» لضعف نتائجه ورداءة تكوينه واعتماده على الحفظ دون فهم وابتعاده عن العلوم الحديثة التي تساعد على ازدهار التجارة والصناعة. فقد اكتشف السلاويون أن المدارس الجديدة لها تنظيم مثير للإعجاب، وأن طرق التدريس ومواده مفيدة وجذابة، وأن الأقسام منظمة ومضاءة ونظيفة، مما جعل هذا «التعليم الجديد» يتوفر على كافة وسائل الجلب والإغراء. ورغم كل هذه المؤشرات الإيجابية التي أثارت الفضول، فإن جزءا من النخبة عارض الانفتاح على هذه المدارس ومنع أبناءه من الالتحاق بها لأنها «مدارس النصارى»، التي ستؤثر على أبناء المدينة وبناتها بغية إبعادهم عن «دينهم وعاداتهم وتقاليدهم». وبقدر ما كان الشعور بضرورة تطوير «المسيد» بارزا في الأحاديث والنقاشات بقدر ما كان هذا «الجديد» مصدر ارتياب وتحفظ. غير أن بعض أعيان المدينة سارعوا إلى الاندماج في المدارس الحديثة وقاموا بتسجيل أبنائهم لمتابعة الدراسة بها. وهي الفئة التي ستكون «النخبة المخضرمة» التي ستلعب دورا مهما على المستوى الثقافي. منهم أبناء عائلات الناصري والصبيحي وحصار وابن سعيد وزنيبر وعواد وغيرهم. والملاحظ أن هذه العائلات السلاوية العريقة غالبا ما كان عدد من رجالاتها قد تحملوا مسؤوليات في المخزن انطلاقا من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكانوا على اطلاع واسع بالأوضاع التي يعيشها المغرب، بل غالبا ما كانوا مؤيدين للسياسة الإصلاحية التي حاول المولى عبد العزيز نهجها في ظروف داخلية مغربية بالغة التوتر. في هذا الوقت، سنة 1920، برزت فكرة جديدة تحمس لها عدد من رجالات المدينة، الذين كانوا يدعون إلى تأسيس «مدارس خاصة» تحتفظ بما هو جيد من الدراسة الإسلامية التي كان يوفرها «المسيد»، وتضيف إليها مواد جديدة، على غرار ما هو في المدارس الحديثة. وبذلك يتم تجاوز الطريقة التقليدية التي جعلت «المسيد غرفة» واحدة وفقيها واحدا إلى الطريقة الحديثة التي تجعل المدرسة عدة فصول وعدة معلمين وعدة مسيرين. إن «مدرسة» من هذا النوع يرى المؤسسون الأولون للمدارس الحرة تجمع بين الحفاظ على الهوية والدين من جهة، وتوفر إمكانية اكتساب مدارك علمية جديدة من جهة أخرى.هذه المدارس التي سيشرف على تأسيسها علماء وأعيان وتجار تعتبر بمثابة «رد الفعل» الممكن على «المحاولات الاستعمارية الاستلابية» المهددة للشخصية المغربية. لقد اعتبر هؤلاء أن اللغة العربية، لغة القرآن، ولغة التعليم ولغة التواصل، لابد من إنقاذها من الهجوم «الثقافي الفرنسي»، كما اعتبروا أن مدارس الحماية إلى جانب تهديدها للعربية فهي تهدد «الثقافة المغربية» بشكل عام، وتؤسس لتوغل استعماري يمس القيم والمعتقدات. وفي هذا الموضوع كتب أحمد معنينو في الجزء الأول من مذكراته حول بداية التعليم الحر بمدينة سلا: «منذ سنة 1920، استطاعت جماعة من رجال الدين والوطنية هم السادة: العلامة محمد البارودي والمؤقت محمد الزواوي والفقيه محمد بلقاضي والتاجر أحمد بن الطيبي عواد، أن تؤسس أول مدرسة حرة بمدينة سلا. كان مقرها الأول بالزاوية العيساوية تحت إدارة العالم زين العابدين بن عبود الرجل الذي قضى حياته وهو يكافح الجهل والبدع... وبعد فترة يسيرة تطوع أحد الأغنياء الأوفياء من مدينة سلا، أمين السكة العزيزية الشريف أحمد الصابونجي فحبَّس ملكا من أملاكه على التعليم الحر بدرب لعلو جوار زاوية سيدي الهاشمي الطالب، حيث انتقلت إليه هذه المدرسة التي تخرج منها العديد من وطنيي سلا وأدبائها، أخص بالذكر منهم محمد حصار وسعيد حجي وعبد الكريم حجي وعبد الله الزواوي وعمر بن عبد الله عواد وغيرهم. وبعد ذلك أنشأ العلامة محمد بن احساين النجار مدرسة حرة ثانية بسلا بزاوية سيدي الشيخ بباب سبتة، وقد تخرج منها كتاب وعلماء. كما أنشأ شيخنا العلامة الحاج العربي العبادي مدرسة ثالثة بحي ابن شعبان زنقة ابن دحمان وفيها تلقيت دراستي الأولى. هذا ما تعرفت عليه بتواريخه وأسمائه عن وجود المدرسة الحرة بسلا في العشرينات».كما لا ننسى الوثيقة التي حررها الفقيه امحمد بلقاضي، أمين مال المدرسة الإسلامية الوطنية.فتسمية هذه المؤسسة تعكس رغبة مؤسسيها في الحفاظ على الطابع الإسلامي للتعليم، مما يؤكد التخوف من مدارس الحماية التي كان، هؤلاء المؤسسون، يرون فيها مركزا لمحاربة الإسلام. كما أن وصف هذه المدرسة بكونها «وطنية» تأكيد على أن المدارس الأخرى أجنبية. ومن الصعب التكهن بالمعنى المراد بكلمة الوطنية، هل تعني المغربية بالمفهوم الترابي للكلمة أم تعني التحررية بالمفهوم السياسي للكلمة؟ ومهما كان القصد الحقيقي، فإن هذه التسمية تؤكد رغبة المؤسسين في الحفاظ على التعليم الإسلامي الوطني تجنبا للغزو الثقافي المرافق للغزو العسكري. كما تنص هذه الوثيقة على أنها ستضمن تقييد «ما يدخل في صندوق المدرسة لتقوم بوظائفها من أجور الأساتذة ولوازم الكتابة وغير ذلك من الضروريات». ويتضح من هذا التدقيق أن أسر التلاميذ كانت تدفع مقابلا ماليا لالتحاق أبنائها بمدرسة تتوفر على مجموعة من الأساتذة يتقاضون رواتب أو علاوات مقابل عملهم. كما صَاحَب تأسيس مدرسة درب لعلو تحفظ خجول من طرف بعض العائلات السلاوية التي رأت فيها ابتعادا عن تقاليد الدراسة في «المسيد»، مما دفع بعضها إلى الاستمرار في اختيار الكتاب القرآني كمجال للتعليم ولحفظ القرآن. أما السلطات الاستعمارية فقد رأت في تأسيس هذه المدرسة مزاحمة لجهودها في ميدان التعليم، لذلك عملت بشتى الوسائل على محاربتها. وفي سنة 1922 أسس محمد بنحساين النجار مدرسة حرة أخرى في حي الشلالين. والسيد بنحساين عالم دفعته غيرته إلى أخذ هذه المبادرة تحدوه، كما يقول الحاج أحمد: «رغبة في تجنب أبناء سلا مدارس الحماية حتى يبقوا عربا ومسلمين حقيقيين». وهكذا تكاتفت جهود أعيان المدينة وعلمائها لدعم المدرستين ماديا ومعنويا، حيث نجد مثلا أن مولاي أحمد الصابونجي اشترى منزلا ووهبه لمدرسة درب لعلو لدعم مدخولها وضمان استمرارها، خاصة بعد نجاح أبنائه الأربعة الذين انتسبوا إليها وتخرجوا منها. كما نجد أن العامل الأسبق للمدينة عبد الله بنسعيد اشترى منزلا هو الآخر وأوقف مدخول كرائه لصالح ميزانية المدرسة. وتدريجيا وأمام النتائج الدراسية الموفقة والدعم المالي المتواصل والرغبة الأكيدة في مواجهة مدارس الحماية «حفاظا على الدين واللغة»، أمام كل هذا استطاعت مدرسة لعلو الاستمرار في استقبال أفواج التلاميذ على مدى عدة سنوات. وكان عدد الأطفال المسجلين بهذه المدارس ضعيف مقارنة بساكنة المدينة، مما يؤكد الصعوبات التي صادفها «التعليم الحديث» الحكومي منه والحر في بيئة مجتمعية يطبعها الجمود والتقليد. إن هذه الحركية التي انطلقت في البداية من تطوان والرباط وفاس والتحقت بها سلا ومراكش والجديدة ثم الدار البيضاء تحولت إلى تيار توسع ليشمل مدنا أخرى. وكان لهذه المدارس انطلاقا من الثلاثينيات التأثير البالغ في تكوين أطر مغربية ستلعب دورا مهما فيما هو قادم من أحداث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.