أعلن عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أول أمس الثلاثاء، حالة «الأزمة» وحذر من شبح العودة إلى برنامج جديد «للتقويم الهيكلي» وطالب الحكومة بالإصلاح الفوري لصندوق المقاصة وعدم الزيادة في الأجور، وقال إن «الوضعية صعبة وتكتسي طابعا استثنائيا ويجب أن يساهم الجميع في إنقاذ المغرب».
ورسم والي بنك المغرب، في ندوة عقدها بالرباط عقب أول اجتماع لمجلس بنك المغرب في سنة 2012، صورة قاتمة عن الوضعية الراهنة للاقتصاد المغربي. وقال الجواهري إن «السنة الماضية خلفت انعكاسات ثقيلة على المالية العمومية، خصوصا عجز الميزانية، وكانت لها تأثيرات غاية في السلبية على ميزانية الأداءات ومعدل النمو المحقق فيها».
وتتمثل عناصر الأزمة، حسب الجواهري، في ارتفاع عجز الميزانية إلى 7 في المائة، وليس 6.1 في المائة وفق أرقام الحكومة. لكن والي بنك المغرب أكد أنه ليس هناك تناقض بين الرقمين، لأن الحكومة تأخذ عائدات الخوصصة بعين الاعتبار في عملية احتساب نسبة هذا العجز، في حين لا يحتسب بنك المغرب هذه العائدات.
وقال الجواهري مخاطبا الحكومة: «علينا أن نوقف تنامي هذا العجز»، لأنه «إذا استمر سيؤثر سلبا على قدرة الدولة على تعبئة الأموال وتسديد ديونها الخارجية بالعملة الصعبة».
وعمد بنك المغرب إلى تخفيض توقعات معدل نمو الاقتصاد الوطني في السنة الجارية إلى أقل من 3 في المائة فقط، بعدما كان توقع في دجنبر الماضي أن يتراوح بين 4 و5 في المائة. وتقل هذه التوقعات عن الرقم المعلن عنه من قبل الحكومة في مشروع القانون المالي بأزيد من 2 في المائة، وبأكثر من 3 في المائة مقارنة بالرقم الوارد في البرنامج الذي قدمته حكومة عبد الإله بنكيران أمام البرلمان قبل تنصيبها قانونيا.
وأرجع الجواهري تخفيض توقعات النمو إلى الجفاف الذي يضرب المغرب في الوقت الراهن، بالإضافة إلى تراجع الطلب الأوربي على المغرب بفعل الأزمة التي تعرفها منطقة الأورو في الوقت الراهن. وقال إن «الأرقام المتوفرة إلى غاية 20 مارس الجاري تتوقع ألا «يتجاوز محصول الموسم الفلاحي الحالي 60 مليون قنطار».
وفي ظل هذه التوقعات السلبية، طالب والي بنك المغرب الحكومة بمباشرة إصلاح فوري لصندوق المقاصة، حيث اعتبره «أول مشكلة تواجه الحكومة الحالية»، ودعاها إلى التوجه نحو استهداف الفئات الأكثر هشاشة. وأضاف «نطالب بتفعيل تدابير إصلاحية استعجالية فورا وفي هذه السنة، لأن بقاء الوضع على ما هو عليه حاليا سيطرح مشاكل كبرى على المدى القريب».
وأكد الجواهري أن أي تأخير في تفعيل هذا الإصلاح من شأنه أن «يهدد بتقليص الاستثمار وتفاقم عجز المزانية، وبالتالي العجز عن تعبئة الأموال. وقد يؤدي إلى إعادة المغرب إلى الوضعية التي كان عليها في سنة 1984».
وحذر والي بنك المغرب حكومة بنكيران من الإقدام على الزيادة في الأجور، وذكر بتحذيراته سابقا من تداعيات إجراء من هذا القبيل، قبل أن يقول: «كفى من الزيادة في الأجور».
في المقابل، رفض الجواهري تحميل المسؤولية للحكومة وحدها، إذ قال إن «الجميع معني بهذه الأزمة، وليست الحكومة وحدها المسؤولة عن تجاوز هذا الوضع». وفي هذا الإطار، طالب الجواهري «مختلف الفاعلين الاقتصاديين بالتبصر والتأني والتعقل ووضع المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار من أجل تجاوز هذه الأزمة التي بدأت إرهاصاتها الأولى في سنة 2007».
وفي هذا السياق، كشف الجواهري عن عزم البنك المركزي دعم تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة عن طريق منح تسهيلات للأبناك من أجل تحفيزها على منح قروض لهذين النوعين من المقاولات. وكشف الجواهري عن توصل بنك المغرب إلى اتفاق مع المجموعة المهنية للأبناك بالمغرب يدقق في معايير الاستفادة من هذه الآلية التمويلية ويخول لمصالح البنك المركزي مراقبة الأبناك ويفرض عليها رفع تقارير دورية بخصوص القروض التي تمنحها للمقاولات الصغرى والمتوسطة بموجب هذا الاتفاق.
وبخصوص الأبناك الإسلامية، قال الجواهري إنها ستدخل إلى المغرب تدريجيا تماما مثلما «وصل الإسلاميون إلى السلطة في المغرب شوية بشوية».
وأكد على ضرورة عدم إقرار «أي تمايز ضريبي بين المعاملات المالية الموجودة حاليا والمعاملات الإسلامية. لا أحد مسلم أكثر من الآخر في المغرب». وكشف عن عزم بنك المغرب إحداث لجنة علماء للتأشير على هذه المعاملات على الصعيد الوطني، وتساءل: «كيف يمكن أن توظف مؤسسة بنكية عالما وتصرف له راتبه ثم تطلب منه التأشير على شرعية المعاملات التي تقوم بها في إطار المالية الإسلامية؟».