المشهد الذي ينتظره الشعب من الحكومة الجديدة شبيه بما عاشه أجداد المغاربة مع يوسف بن تاشفين، الذي كان منذ طلوع الشمس حتى غروبها ورجلاه يعلوهما الطين وسط أوراش بناء الأسوار والمساجد التي كان يبنيها مع عمال بسطاء يقتسم معهم خبزا وحليبا وتمرا تحت شمس مراكش الدافئة. المغاربة حاليا لم تعد لديهم آذان لسماع الوعود بعد أن جربوها منذ زمن الاستقلال حتى الآن. اليوم هناك عزيمة شعبية وانتظارات قوية لرؤية التغيير، ووزراء حكومة بنكيران عليهم حمل هذا التغيير إلى المغاربة حتى باب بيوتهم خلال الخمس سنوات القادمة بدءا من يوم تنصيبهم. تماما كما تنقلوا هم من بيوتهم إلى صناديق الاقتراع وحملوا الزيت لإنارة «المصباح». سيدخل بنكيران ووزراؤه الحكومة ولن تنتظرهم الكراسي الوثيرة ومزهريات الورود والمدفآت وأسطول السيارات وعشرات الخدم في الدواوين والإقامة الوزارية وغيرها مما تقتضيه حياة «تاويزاريت». بنكيران سيجد أمامه طاولة بحجم هذا الوطن عليها طعام فاسد ونتن تعافه الدواب ويعج بالذباب والديدان.وفي مقدمة الطاولة أناس يأكلون فواكه البحر والبر ويرخون أرجلهم في المسابح صيفا وأمام «الشوميني» شتاء.ومع أن الكل يأكل على نفس الطاولة وداخل نفس البيت فإن المنعم عليهم في هذا الوطن لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه بشواهد دراسية ولا بمجهود مهني ذاتي.هم فقط رغوة الموجة التي كسرت الصخر الذي يحمل هذه البلاد ويسمونه الريع. كيف ستوقف الحكومة الجديدة مثلا هذا العصيان الشعبي العارم في مجال البناء العشوائي؟ كيف سترجع النظام إلى حياة الشوارع التي احتلت بملايين العربات المتجولة عبر ربوع البلاد؟ كيف ستتعامل مع تحرير قطاع النقل؟ وهل ستكون لها صلاحية إعلان موت نظام «الكًريمة» ليس في النقل فحسب، بل أيضا في المقالع الحجرية والرخامية والرمال والصيد في أعالي البحار ورخص استغلال المناجم والفرشات المائية لشركات المياه المعدنية؟ وكذلك سياسة الامتيازات التي لم تتوقف حتى مع حكومة عباس الفاسي في مجال تفويت أجود أراضي الدولة في الفلاحة والزراعة للأسماء إياها. هل ستنفع الشوكة والسكين في تقطيع وتجزيء ما ينتظر رئيس الحكومة الجديد من أطباق ستقدم إليه على المائدة؟ أم سَيُقدِم بنكيران ويتردد وزراءه على غطس أيديهم فيما يسميه المغاربة «العصيدة». الظاهر اليوم أن المائة يوم الأولى في عمر الحكومة الجديدة ستكون حافلة بالترقب الشعبي والإعلامي والسياسي والدولي بشأن قوة وتوهج الضوء الذي وعد بنكيران المغاربة بأنه سيخرجه لهم من «مصباحه» العجيب ليضيء به البلاد والعباد.ويبدو كذلك أن على بنكيران إن أراد أن يكمل بركاته في مصالحة المغاربة مع السياسة أن يلزم وزراء حكومته خلال أدائهم مهامهم الرسمية بلبس «بلوزة» زرقاء تعبيرا رمزيا عن أنهم عُمال هذا الشعب الذي انتخبهم لخدمته خلال 5 سنوات. مشكلة المغرب هي أننا نستوزر وزراء ينطبق عليهم تعريف الكاتب والصحفي الأمريكي أمبروز بيرس، الذي كان يعرف الوزير بأنه شخص يمتلك سلطات كبيرة مع مسؤوليات صغيرة.وأولئك الذين يروجون من الآن لمنح حكومة بنكيران فترة صفح جميل حتى تطلع على الملفات كأنهم يقولون للمغاربة: «حتى خروف ما تزاد بصوفتو».والحال أن «الصوفة» منحها أغلب المغاربة عبر صناديق الاقتراع لإخوان بنكيران حتى يُسخنوا بها أيديهم وهم يذيبون ما وعدوا به من جليد الفساد والريع.