المعركة الآن مستعرة في سوريا بين طاغوت وجبت من جهة، الطاغوت من يخضع الأمة بقوة السلاح للنظام السياسي، والجبت رجل الدين بعمة وطربوش ولفة وديكور بألوان شتى وغرابيب سود، ويزعم أن ما يجري في الدم كريات حمر مختومة بختم النبوة. وشباب ثورة بوعي يقدح بزناده ظلمات البعث.. وعلى الثورة أن تعرف صديقها من عدوها، وعليها أن تدرك أن المعركة هي متعددة الجوانب، جانب يقوده سجاح ومسيلمة كما فعل من قبل أحمد سعيد والصحاف لربهما المصدوم والمهزوم، يساند ذلك فتوى تقول إن المظاهرات لم يعرفها الصحابة والنبي (ص) وليس فيها آية وحديث، وإن المظاهرات حرام لأنها ممنوعة، وإنها ممنوعة لأنها حرام. وبجانب ذلك قتلة ماهرة في ضرب الرأس إلى الناصية والجمجمة كما فعلوا منذ نصف قرن وما يزالون. سؤال ما زال يلح علي بدون أن أعثر على إجابة؟ كيف يمكن رؤية هذا التناقض بين رياض الترك (الشيوعي) الذي نام في زنزانة انفرادية سبعة عشر عاماً من أجل أفكاره في الحرية، ويعتبر حسب لوغاريتم رجال الدين هرطيقا، وواعظ السلطان الذي أقسم أن ابن الطاغية الذي مات يطير في الجنة بجناحين؟ لقد كانت الكنيسة يوما تبيع تذاكر لدخول الجنة، وتعالج السعال الديكي بلبن الحمير، وتحرق الساحرات والكتب والقطط في الساحات العامة؟ وفي آشور كان الكهنة يتقنون الكتابة، ولكنها كانت حرفة للتضليل أكثر من بث الوعي. واليوم يجتمع ثلاثي من (الكهنوت) و(الجبت) و(الطاغوت) في تجهيل المواطن العربي بالكتابة والفضائيات. واجتماع ثلاثة لا يعني ثلاثة بل أكثر من ثلاثة. وكل له سلاحه الخاص. فال (الكهنوت) يغتال العقل بالوهم، و(الجبت) يغيب الوعي تحت غبار الكلمات، و(الطاغوت) يستعبد الناس بالقوة. وهكذا يؤكل المواطن بالطول والعرض، فلا يبق منه مواطنا، بل مسكينا ويتيما وأسيرا، في سجن كبير اسمه الوطن. (الكهنوت) هم وعاظ السلاطين ورجال الدين حيث لا رجال دين في الدين. ومفتي الجمهورية لا يختلف عن كهنة آمون في شيء سوى الاسم؟ أما (الجبت) فهم مثقفو السلطة المتأهبين لطلي مساحيق التجميل لوحش قاضم قارض، وتقديمه للجماهير على أنه ملكة جمال العالم. أما (الطاغوت) فهم رجال المخابرات والجندرما والحرس الجمهوري المسلحون حتى الأظفار والأنياب الجاهزون للقتل تحت إمرة فرعون. وكلاً من (الكهنوت) والكاهن، والجبت والمثقف، والطاغوت والمخابرات متفاهمون متعاونون. وفي التاريخ كان فرعون وسيد الكهنة يخرجان على جمهور مخدر؛ فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، أن فرعون من نسل الإله فتخر له الجباه ساجدين. وفي البيان الذي أصدره الشيوعيون في مطلع القرن الفائت، تم التعبير بشكل فاضح، عن حقائق مغيبة، على شكل طبقات، تمنيت أن أرسل رسمه للإطلاع، فكل له وظيفته في سيمفونية التعذيب: السلطة تحكم بالسيف والسلسال والساطور. وهي في قمة الهرم.. على شكل ملائكي بملابس ملكية جدا وعطور مخملية.. ووعاظ السلاطين يحللون الظلم بنصوص نزلت ضد الظلم، بلحى وقلانس وطرابيش وعمامات مختلفا ألوانها بيض وجدد حمر وغرابيب سود؟ ومثقفو السلطة يخدرون الوعي، مقابل ثمن يقبضونه ومراكز يمنحونها. فمنهم وزير للسخافة والإفساد القومي ومنهم للتضليل الاشتراكي وآخر من شكله أزواج لا مرحبا بهم. إنهم صالوا النار. وعساكر وضباط وجندرما ومخابرات، مسلحون بالطبنجة والغدارة والخنجر والعصارة، مدربون على القتل والاغتيال، والتعذيب لدرجة القتل، من ملة الحجاج، يقتلون محافظة على النوم العام. في فروع تسع عشرة جهنمية من مخابرات جوية وبحرية وتحت أرضية وفضائية. لاشيء يعمل في البلد غير جهازهم، يسبقون دقة ناسا وإحصائيات الترند، يحصون دبيب كل نملة وطنين كل نحلة، ولا تاخذهم سنة ولا نوم.. وفي أسفل الطبقات عمال وفلاحون يطعمون كل الطبقات الملكية على ظهورهم طبقا عن طبق. (واعظ السلطان) يصدر الفتوى على المقياس، حسبما أصدرها رجال الحزب والزعيم الملهم. وعلى المواطن دخول عصر المعلومات من ثقب أمني يتسع لدماغ قملة ودبيب نملة. ومن يكتب يجب أن يقول قولا لا يوقظ نائما ولا يزعج مستيقظا. ومن عاش في ظل النظام العربي؛ فيجب أن يفتح كتاب النبات فيحفظ (وظائف النبات) جيدا فهذا أسلم للعاقبة؛ فالنبات يتنفس ويتكاثر، ويمكن للمواطن العربي أن يتنفس وينجب أولادا للعبودية. وفي عصر السلطان العثماني عبد الحميد كان من حرك العوام ضد جمال الدين الأفغاني (أبو الهدى الصيادي) مفتي الديار العثمانية. وفي عهد نابليون الثالث فتح سجن في غوايانا الفرنسية أخذ اسم جزيرة الشيطان، وبقي السجن يعمل بكامل الطاقة، بعد أن مات نابليون الثالث بدهر فهذه هي مهزلة التاريخ، أن من يفتح ملفات الشيطان لا تغلق بعد موته. وإذا دخلت الديكتاتورية بلدا فمات الديكتاتور فابنه جاهز وحفيده من بعده أجهز؟ وأما (مثقف السلطة) فهو يؤكد أن الاعتقالات مؤشر صحة للأمة كما صرح بذلك الرفيق، لأنه دليل المقاومة؛ فلولا العافية في الأمة والاعتراض لما كان هناك سجون واعتقالات؟ وهذا يفيد أن كندا عقيمة سياسيا، لأنه لا يوجد سجون ومعتقلو رأي. وهذا المثل يذكر بنكتة المجنون الذي سئل عن الجسر لماذا صنع فأجاب: من أجل أن يمر النهر من تحته! ومناقشة مثقفو السلطة عقيمة، ويذكر بالحوار الذي جرى بين المجرم الصربي (رادوفان كاراديتش) ومراسل مجلة (الشبيغل) الألمانية فعندما سألوه عن اغتصاب خمسين ألف امرأة على يد الصرب قال: من فعلها هم المسلمون؟ قالوا: فما بال القبور الجماعية؟ قال: هي جثث الصرب؟ وهو يعرف أن الجثث لا تتكلم؟ وفي معركة صفين ارتج معسكر معاوية بخبر مقتل عمار لوجود حديث يفيد أن عمار تقتله الفئة الباغية، فأنهى معاوية الجدل بسرعة، وقال: من قتله هو من أخرجه للقتل؟ ورياض الترك الذي خرج من مدفنه بعد دفن الطاغية، يرى أن النظام الشمولي الذي اشرف على بنائه مجرمون محترفون؛ «نظام غير قابل للإصلاح»؟!. وأن ما يحكم النظام الشمولي «توازن الضعف» فالحكومة ضعيفة عاجزة. والمعارضة مفككة. وكل تغيير وزاري هو (تقليع) موظف انتفخت جيوبه بالرشوة، إلى موظف جديد فارغ الجيب. وأن النظام الشمولي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب. فهو يلعن أمريكا جهرا بقدر ما يتعاون معها سرا... والشعب ينتظر الخلاص بالدعاء واللعنات، مثل من يريد إطفاء حريق بانتظار سحابة صيف عابرة.. والمهم أن تبقى العصابة في الحكم بأي ثمن ولأطول فترة. خرج جحا يوما على الناس بالسواد قالوا له خيرا من مات؟ قال: البارحة مات والد ابني تقبل الله عزاءكم؟