يستقبل من يزور الضفة في الأشهر الأخيرة ضجيج جرافات ومطارق هوائية تقتلع الجبال، تنثر غيوم الغبار التي تبدو عن بُعد كيلومترات. تعمل خلاطات إسمنت على مدار الساعة، وكل ذلك يتم في جو خطف بقدر المستطاع. في عشرات المستوطنات، وفيها مستوطنات لم يتحرك فيها حجر مدة سنين، تجري أعمال مستعجلة، يفترض أن تحقق لمئات العائلات الإسرائيلية الأخرى حلم البيت الملاصق للأرض، الواقع في ما لا يزال يُرى في إسرائيل أنه منظر طبيعي ريفي. يضاف إلى ذلك إعداد أراض ضخمة وبناء في أكبر المستوطنات، حيث لم تنقطع الأعمال فيها ولو للحظة عشرات السنين وهي: معاليه أدوميم، وأريئيل، وموديعين العليا وبيتار العليا. بخلاف ما تم في الأشهر التي سبقت التجميد، وفي أشهر «التجميد» العشرة (التي لم تكن أكثر من حيلة دعائية صدرت عن بنيامين نتنياهو)، والتي تم فيها إنجاز جزء كبير من البناء في المستوطنات شرقي الجدار، انتقل البناء الذي بدأ في الأشهر الأخيرة مرة أخرى إلى المستوطنات غربي مسار الجدار المُجاز، تلك التي تحاول إسرائيل أن تُعود العالم أن يراها جزءا من «كتل المستوطنات». لم يخلُ أيضا مكان البناء غير القانوني. فثمة مشروعات جديدة في مستوطنات رسمية ليس فيها حتى بيت واحد قانوني، مثل عالِيه وعوفرا تنمو كالفطر. لم يُر في البؤر الاستيطانية منذ زمن زخم بناء كثيف إلى هذا الحد. والحديث في عدد منها، مثل شفوت رحيل ونوف هريم وبلغيه مايم وبروخين ومتسبيه كرميم، عن بناء ثابت لم يكن له مثيل منذ 2002 2003. يبني مئات العمال في جدٍّ مئات البيوت على نحو متراكم في ظل صرف مطلق للنظر من قبل الإدارة المدنية، التي كان عشرات مراقبيها مشغولين، في المدة الأخيرة، كما يبدو، بهدم مائدة التنزه وسلة القمامة التي وضعها المستوطنون قرب ينبوع بجوار ألون موريه، فلماذا يشغلون أنفسهم بالأمور الحقيقية إذا كان يمكن -كما كانت الحال دائما- الاستمرار في عدم فعل شيء سوى إرسال رسائل إلى مراسلي المناطق عن إعمال فرض القانون. لم يُر بناء في المستوطنات بمقادير كهذه منذ فترة إيهود باراك، إذ كان رئيسا للحكومة، وهو الذي وبّخ الفلسطينيين في لحظة نادرة في المدة الأخيرة لعدم استعدادهم للعودة إلى التفاوض، بحجة أن التفاوض في فترة رئاسته للحكومة استمر، رغم أن مقدار البناء كان أكبر بأربعة أضعاف مما هو اليوم. ورغم المبالغة في كلامه، فالمثير في هذه الحال هو ما نسي باراك ذكره خاصة: وهو كيف انتهى ذلك التفاوض الذي أجراه مع الفلسطينيين. ربما هنا بالضبط يكمن سبب أن الفلسطينيين يرفضون العودة إلى التفاوض. فقد كانوا، ذات مرة، في هذا الفيلم الذي بدأ مع 110 آلاف مستوطن في 1993 وبلغ الآن نحوا من 330 ألفا وما تزال اليد مبسوطة. لا عجب في هذا الوضع من أنهم يفضلون نقل ساحة الصراع مع إسرائيل إلى الأممالمتحدة. فهم يُرون هناك كما كان اليهود في 1947 الجانب الضعيف الذي يحظى مطلبه، وهو الاعتراف بدولته في حدود 1967 على نحو طبيعي عادل، بتأييد أكثر دول الجماعة الدولية. لم يعد الأمر، كما شخصه أحد أصدقائي منذ زمن بعيد هو اليمين في مواجهة اليسار في إسرائيل، لأنه لم يعد يوجد يسار في إسرائيل. الحديث، في واقع الأمر، عن معركة يجريها اليمين المستوطِن بمساعدة حكومة نتنياهو التي تُسوّف مع العالم كله، إذا استثنينا أصدقاءنا الجدد في حلقات اليمين الفاشي الجديد في أوربا والأنغليكاني في الولاياتالمتحدة. يجدر بإسرائيل مع هؤلاء الأصدقاء أن تزن في جدية التوصل إلى سلام مع العالم العربي وسريعا. عن ال«هآرتس»