في واحدة من سلسلة المفاجآت التي أطلقتها تسريبات موقع «ويكيليكس»، كشفت مذكرات دبلوماسية أمريكية -سربها الموقع ونشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية، يوم أمس الاثنين- أن قطر كانت تستخدم قناة «الجزيرة» الفضائية بوصفها ورقة للمساومة في مفاوضاتها مع الولاياتالمتحدة وبعض الدول العربية، خاصة السعودية ومصر. وقال الدبلوماسي الأمريكي في إحدى المذكرات السرية المسربة إنه «بالرغم من إصرار القناة على استقلالية خطها التحريري، فإنها كانت وما تزال أهم أداة سياسية ودبلوماسية تملكها قطر». وتابع المسؤول الأمريكي قوله في الوثائق إن قطر تتدخل لتعديل تغطية «الجزيرة» الإعلامية لإرضاء بعض القادة الأجانب. كما كشفت المذكرة السرية أن قطر عرضت إلغاء بعض التقارير أو تخفيف حدة البرامج التي تتضمن انتقادات مقابل تنازلات معينة. وأشارت برقية دبلوماسية بتاريخ نوفمبر 2009 إلى إمكانية استخدام قطر للقناة «كورقة مساومة لتحسين العلاقات مع بعض الدول، وعلى الأخص الدول المستاءة من تقارير «الجزيرة»، بما فيها الولاياتالمتحدة». ويرى الدبلوماسيون الأمريكيون أن سيطرة حكومة قطر على خط القناة التحريري مباشرة إلى حد قالوا معه إن «برامج «الجزيرة» أصبحت جزءا من محادثاتنا الثنائية، مثلما كان لها تأثير إيجابي على العلاقات بين قطر وكل من السعودية والأردن وسوريا ودول أخرى». وفي فبراير، بعثت السفارة الأمريكية في الدوحة رسالة إلى واشنطن مفادها أن العلاقات (بين قطر والسعودية) قد تحسنت بصورة عامة بعدما قللت قطر من حدة الانتقادات للأسرة المالكة السعودية على قناة «الجزيرة». غير أن السفير الأمريكي في قطر، جوزيف لوبارون، أشار في مذكرة إلى أن تغطية «الجزيرة» لأحداث الشرق الأوسط تتسم نسبيا بالحرية والانفتاح، رغم استغلالها من قبل القطريين مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى. لكنه أضاف: «بالرغم من تأكيدات حكومة قطر على عكس ذلك، فإن الجزيرة تبقى من أهم الأدوات السياسية والدبلوماسية بيد قطر». وفي دليل على استخدام القناة لأهداف سياسية، لفتت السفارة الأمريكية في الدوحة إلى أن رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني عرض صفقة على الرئيس المصري حسني مبارك. وأوضحت الوثيقة أن الشيخ حمد قال للسناتور الأمريكي جون كيري إنه عرض على الرئيس المصري صفقة تتضمن وقف «البرامج ضد مصر لمدة سنة على «الجزيرة» بشرط أن تبدل القاهرة موقفها من المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية». وتابع السفير قائلا إن مبارك لم يرسل برد على هذا العرض، حسب رئيس الوزراء القطري. وتذكر البرقيات أن تغطية القناة باتت أكثر مراعاة للولايات المتحدة بعد انتخاب باراك أوباما رئيسا. وجاء في برقية بتاريخ نونبر 2009 أنه «حسب الأدلة ووفق ما أكده عاملون سابقون في «الجزيرة»، فإن صورة الولاياتالمتحدة باتت أكثر إيجابية (على «الجزيرة») منذ تولي إدارة أوباما السلطة». وذكرت البرقيات أن السفارة الأمريكية شعرت بالقلق إزاء عدم تغطية «الجزيرة» للاضطرابات المدنية في إيران بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في صيف عام 2009، نظرا إلى حفاظ قطر على علاقاتها مع إيران. وقالت إحدى تلك البرقيات إن «تغطية «الجزيرة» للانتخابات الإيرانية وتداعياتها كانت هزيلة بالمقارنة مع القضايا الساخنة الأخرى في المنطقة، مثل قطاع غزة». وتابعت البرقية: «لقد أثبتت «الجزيرة» أنها أداة مفيدة في سبيل تحقيق الأهداف السياسية لأصحابها»، تقصد القطريين. وقالت البرقية في نوفمبر: «وسائل الإعلام المحلية في قطر تعاني من تدخل الحكومة... على مدى السنوات الثلاث (الزيارات) كان هناك تناقص مطرد في حرية وسائل الإعلام عموما في قطر... وعلى الرغم من عدم وجود رقابة رسمية علنية، فإن الرقابة الذاتية والمتحفظة جعلت المسؤولين الإعلاميين القطريين مروضين وغير فعالين.» بالمقابل، نفت قناة «الجزيرة» هذه المزاعم جملة وتفصيلا. وقال متحدث باسم المحطة: «هذا هو تقييم السفارة الأمريكية، وهو بعيد جدا عن الحقيقة. فرغم جميع الضغوط التي تعرضت لها «الجزيرة» من جانب الحكومات الإقليمية والدولية، فإنها لم تغير سياستها التحريرية الموجهة بمبادئ حرية الصحافة!».