سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يبلغ عدد المنتحرين في المغرب 1200 حالة لكل 100 ألف نسمة مقتربين بذلك من المعدل الدولي الانتحار لا يرتبط بالضرورة بالأوضاع الاجتماعية المتدهورة بقدر ما يتعلق بأسباب نفسية مرضية
لم يكن المغاربة «يُقبلون» على الانتحار كما يفعلون اليوم إلى درجة أنهم اقتربوا من المعدل الدولي. ماذا يعني أن ينتحر 1200 مغربي ومغربية كل عام؟ وماذا يعني أن ينتحر أشخاص يعيشون في الظاهر «سعادة» يشهد بها من يحيطون بهم؛ تتمثل في عمل مستقر، أو كانوا قُبيل إنهاء حياتهم في اللحظات الأخيرة من إنهاء مشاريع «حياتية» مهمة من قبيل الزواج؟ يستعصي تفسير مثل هذه الحالات بقدر ما يمكن «فهم» حالات أخرى فشل أصحابها في تحقيق مآربهم أو تورطوا في قضايا لم يروا منها مخرجا «سهلا» سوى الانتحار... يميز الدكتور ادريس جعيط، طبيب متخصص في الأمراض النفسية والعصبية بمدينة فاس، بين الانتحار ومحاولة الانتحار. فالانتحار يعني أن يقدم الإنسان على وضع حد لحياته، بينما محاولة الانتحار هي محاولة غير ناجحة لوضع الشخص حدا لحياته. وفشل هذه المحاولة يمكن أن يكون بسبب تدخل أشخاص آخرين لإنقاذ حياة الشخص الذي يحاول التخلص من حياته، كما يمكن أن يكون بسبب عدم توفر القدرة الكاملة للشخص على فعل الانتحار. وتعتبر محاولة الانتحار، حسب الأطباء النفسانيين، بمثابة جرس خطر يدقه الشخص حول خطورة حالته النفسية التي تستدعي تدخلا عاجلا لمعالجته. وتتعدد وسائل الانتحار، لكن أبرزها، في نظر الدكتور اجعيط، هي الشنق أو تناول مواد سامة. وتحتل روسيا الرتبة الأولى عالميا من حيث عدد الوفيات التي تسجل فيها بسبب الانتحار. ويبلغ الرقم فيها حوالي 2005 حالة لكل 100 ألف نسمة. وتليها فرنسا بمعدل 1800 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة. وتسجل منظمة الصحة العالمية معدل انتحار عالمي يبلغ 1900 حالة لكل 100 ألف نسمة. ويصل معدل الانتحار عالميا، كما حددته هذه المنظمة، إلى 900 ألف نسمة في السنة، أي بمعدل انتحار شخص واحد في العالم في كل 40 ثانية. ويرى الدكتور جعيط أن معدل الانتحار في المغرب منخفض مقارنة مع دول أخرى كروسياوفرنسا، ويشرح هذا الانخفاض بوجود عامل ديني يمنع المواطن من الانتحار ويعتبره حراما ويعد المقدم عليه بدخول النار. ولا يتوفر المغرب على معطيات رسمية معلن عنها حول معدل الانتحار في المجتمع، ويفضل عدد من الأسر عدم التصريح بحالة انتحار أفرادها، وتميل إلى عدم التصريح لدى الشرطة، قبل دفن الرفات، أن الفرد المنتحر توفي في ظروف عادية، وذلك لتفادي النظرة السلبية التي يكونها المجتمع على الشخص المقدم على الانتحار وعلى العائلة التي يتحدر منها. ومع ذلك، فإن الدكتور اجعيط يورد أن دراسة أنجزت من قبل أطباء ينتمون إلى المستشفى الجامعي بالرباط بينت أن معدل الانتحار في المغرب ربما يفوق 1200 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة، وهو رقم يقترب من المعدلات الدولية، ما يستدعي، طبقا لتصريحات الدكتور اجعيط، ضرورة اتخاذ اجراءات وقائية لمواجهة هذه الظاهرة، وذلك عبر إحداث شبكة اجتماعية بمراكز استماع مباشرة وبالهاتف للأشخاص الذين يحاولون الانتحار، وذلك لمساعدتهم بعلاج كيميائي ونفساني، على تقوية شخصياتهم، ومنعهم من الانتحار. وعكس عدد من المقاربات التي تربط بين فعل الانتحار وبين الأوضاع الاجتماعية المتدهورة وانعدام الشغل، فإن الدكتور اجعيط يسجل بأن الأسباب عادة ما تكون نفسية مرضية، أبرزها مرض الاكتئاب الحاد أو ما يعرف لدى المتخصصين ب«الميلانكوليا»، يليه مرض «السكيزوفرينيا» أو ما يعرف ب«انفصام الشخصية»، ثم الإضطراب الحاد في الشخصية، وبعدها الإدمان على المخدرات وعلى الكحول. أما الانعزال وعدم الشغل والوضعية الاجتماعية، فهي في نظره، دافع ثانوي للانتحار، مقارنة مع الأسباب الرئيسية المرضية والنفسية. وإذا كانت بعض التيارات الفلسفية القليلة تعتبر فعل الانتحار بمثابة فعل تحرري، فإن جل الفلاسفة يؤكدون أن هذا الفعل ضد الإنسانية وضد الطبيعة. وتتفق الديانات السماوية الثلاث على تحريم الانتحار، وقتل النفس. فقد قال الله سبحانه وتعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً»، وورد في حديث للرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردَّى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسَّى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً). وفي الدين الإسلامي يقدم الانتحار على أنه دليل على ضعف الإيمان ورقة الدين، ويعتبر من عظام الآثام والكبائر، والمؤمن لا يقدم على الانتحار مهما أصابه من بلاء الدنيا، لأنه عليه أن يصبر ويحتسب لأن الدنيا دار امتحان وابتلاء.