تصف الأرقام الرسمية التي يعطيها المكتب المركزي للإحصاء القصة الكامنة وراء شهور التجميد العشرة هذه بكونها قضية يمكن تلخيصها بواسطة عدة نعوت، لكن من المحقق أن «التجميد» ليس واحدا منها. ليس ما حدث في الأشهر الأخيرة، في أفضل الحالات، أكثر من انخفاض لا شأن له لعدد الوحدات السكنية التي بنيت في المستوطنات. تبين المعطيات التي تظهر في قوائم المكتب المركزي للإحصاء هذا الأمر بوضوح: ففي نهاية 2009 كان عدد الوحدات السكنية التي كانت تبنى بناء نشيطا في جميع المستوطنات معا 2955 وحدة. بعد ثلاثة أشهر، في نهاية الربع الأول من 2010، أي في نهاية مارس 2010، أصبح العدد 2517 وحدة. فالحديث، إذن، عن انخفاض ب400 وحدة سكنية في الحاصل، أي بنحو 16 في المائة من البناء كله في المستوطنات. إن أصوات الندب والأسى التي تصدر عمن يتحدثون باسم المستوطنين ممن «تَبَاكيهُم عملُهم»، لا يفترض حقا أن تفاجئ أحدا. من الواضح أنهم لم يكفوا عن التباكي أيضا عندما بنى لهم إيهود باراك «رئيس معسكر السلام» (أتذكرون؟)، 4700 وحدة سكنية في سنة 2000، وهي السنة الوحيدة التي تولى فيها كلها رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع. لكن الحقيقة أن المستوطنين يعلمون، أفضل من الجميع، بأن البناء في المستوطنات قد استمر في الأشهر العشرة الأخيرة بقوة، وليس ذلك فقط بل إن جزءا كبيرا نسبيا من البيوت بني في المستوطنات شرقي الجدار، مثل براخا، وإيتمار، وعلي، وشيلا، ومعاليه نخماش، ومعون، وكرميل، وبيت حجاي وكريات اربع ومتسبيه يريحو. القصة الحقيقية التي تقف وراء استلال شأن العلاقات العامة الذي يسمى «التجميد» وقعت، على العموم، في الأشهر التي سبقت ذلك، والتي استعد في أثنائها المستوطنون، بمساعدة الحكومة استعدادا جيدا لشهور «القحط التجميدي» الذي فرض عليهم: في نصف السنة الذي سبق إعلان التجميد، الذي بدأ في أواخر نوفمبر 2009، نجمت عشرات مواقع البناء الجديدة ولاسيما في المستوطنات المتفرقة والبعيدة نسبيا شرقي الجدار. هذا المعطى أيضا مصور جيدا في قوائم المكتب المركزي للإحصاء: ففي نصف السنة الأول من 2009 بدأ بناء 669 وحدة سكنية في المستوطنات، وكلما مرت الأشهر زاد معدل البناء. وبدأ في النصف الثاني من 2009 بناء ما لا يقل عن 1204 وحدات سكنية في المستوطنات. فالحديث عن زيادة بنحو 90 في المائة على بدايات البناء قياسا بنصف السنة الأول. هذه هي خلاصة الخدعة الإسرائيلية وراء قصة «التجميد». كل ما بقي للساسة أن يفعلوه في الأشهر الأخيرة هو أن يدعوا في كل بضعة أشهر، بتعبير مليء بالمعاناة، فريق تلفاز يصور كيف يهدم مراقبو الإدارة كوخا من الصفيح البائس بني خلافا ل«أمر التجميد». إذا زدنا على هذه المعطيات حقيقة أن الحكومة أعلنت سلفا أنها تنوي أن توافق، في كل حال ودونما صلة ب«التجميد»، على بناء 600 وحدة سكنية في مستوطنات مختلفة، والفوضى والفساد في التطبيق اللذين يسودان، على كل حال، المستوطنات والبؤر الاستيطانية ويمكنان أي شخص من أن يبني أين ومتى شاء، فسنحصل على صورة غير سيئة لما حدث حقيقة في المستوطنات في الأشهر الأخيرة. إن الفلسطينيين، من جهتهم، لم يطلبوا تجميدا تاما للبناء حقا. طلبوا وبحق أن يقبل بمرة واحدة وإلى الأبد الاعتراف بمبدأ عدم إجراء تفاوض في مستقبل المناطق في حين يستمرون، في الوقت نفسه، في قذفها بأطنان من الإسفلت والإسمنت وإسكان مئات آلاف الإسرائيليين فيها. وعلى ذلك، وافق الفلسطينيون على غض النظر عن البناء ما استمرت سياسة التجميد الرسمية لحكومة إسرائيل. إن من يعرف الواقع في الضفة، لا يفترض أن يفاجئه ما كتب ها هنا. لكن يبدو أنه يمكن في شأن واحد تعزية النفس مع كل ذلك، وهو أن بنيامين نتنياهو ربما لا يحظى بجائزة نوبل للسلام، لكن من المحقق أنه قد يحظى بجائزة نوبل للفيزياء أو الكيمياء على الأقل، باسم حكومة إسرائيل التي بينت أنه بخلاف ما ظنه العلماء حتى اليوم، ليس الماء هو المادة الوحيدة التي يزداد حجمها بدل التقلص في وضع التجميد. عن ال«هآرتس»