حدود المغرب لا تتوقف عند مدينة الكويرة في اتجاه الصحراء، وإنما تتوقف فقط عند مدينة الداخلة، هذا ما يمكن أن يستنتجه المسافرون على متن قطارات المكتب الوطني للسككك الحديدية، وهم يرون خرائط مغربية مثبتة داخل مقصورات هذه القط ارات تفصل المغرب عن صحرائه، فيما تحمل بعض المصادر مسؤولية مثل هذه «الأخطاء الجسيمة» إلى كبار المسؤولين الذين توجد مؤسسة السكك الحديدية تحت وصايتهم. وأشارت مصادرنا في هذا السياق إلى كل من وزير النقل كريم غلاب وربيع الخليع، المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية، فيما ذكر مصدر أن مثل هذه الأخطاء لو وقعت في دول أخرى لوجد المسؤولون عنها أنفسهم في قفص الاتهام، ل«أن الأمر يتعلق، يقول مصدرنا، بسلوك استفزازي لقيم المواطنة واستهتار بمشاعر الانتماء إلى الوطن». واعتبر أكثر من مصدر أن تعليق خرائط المغرب بدون صحرائه داخل قطارات مغربية هو تسفيه للجهود الرسمية التي يبذلها المسؤولون في الرباط من أجل حماية الوحدة الترابية للمغرب. إلى ذلك، نجح أحد قطارات ربيع الخليع عصر أول أمس الاثنين في إنتاج مشاهد واقعية من دراما القطارات المغربية، عندما تعطل بعيدا عن محطة القطارات بمراكش. وقد تحول مئات الركاب إلى ضائعين بأرض خلاء، عندما توقف القطار القادم من مدينة فاس دون سابق إنذار على بعد حوالي سبعة كيلومترات من محطة الوصول.وبدا الركاب في وضع لا يحسدون عليه، تائهين في كل اتجاه بحثا عمن يخرجهم من ورطتهم المفروضة عليهم. وقد وصل بعض هؤلاء راجلين إلى المحطة، وآخرون اضطروا إلى قطع السكة الحديدية للبحث عن وسيلة نقل تحملهم إلى وجهته، فيما تطوع محسنون ممن كانوا ينتظرون أهلهم وذويهم بنقل العديد منهم بسياراتهم الخاصة. وأجمع كل من تحدث ل «المساء» على أنهم تركوا لحالهم تحت شمس حارقة، فيما تحول أطفالهم إلى أجساد رخوة تحت حرارة فاقت الخمسين درجة. وذرف أفراد من عائلة متجهة إلى العيون الدموع، وهم يتحركون في كل الاتجاهات، وانهال العشرات من المسافرين بشكاوى على إدارة المحطة. ووصفت الشابة « سمية.ب» في اتصال ب «المساء» الوضع ب «الكارثة»، مشيرة إلى أنه انتابها خوف شديد على مصير أمها، بعد أن تأخر وصولها لأزيد من ساعة. ونفت مهاجرة مغربية (رحمة) تقيم بمدينة «تكساس» الأمريكية في تصريح ل «المساء» أن يكون أحد من مسؤولي المكتب الوطني للقطارات بمراكش زارهم، أو حتى كلف نفسه عناء الاتصال بهم للاطمئنان على وضعهم، بينما طلب منهم العاملون مغادرة القطار، ومتابعة السير إلى المحطة، أو تدبر أمرهم. وأضافت أنها عاينت امرأة وقد جاءها المخاض بالقطار، ولخصت تعامل الإدارة مع المئات مع الركاب كأنهم «كلاب». وتأسفت «رحمة» التي قدمت من «تكساس» لقضاء عطلتها بوطنها الأم كثيرا للفرق الكبير بين بلدها الأصلي المغرب وبلد الإقامة الولاياتالمتحدةالأمريكية، واستغربت غياب أي مبادرة من الجهات الوصية لحل المشكل، سواء باستقدام حافلات، أو قطار يكمل بهم الرحلة. وتطوع بعض المحسنين، الذين كانوا في انتظار أقاربهم إلى التخفيف من معاناة العديد من المسافرين، عبر نقل العديد منهم إلى محلات إقامة أسرهم بالمدينة الحمراء. وقال أحد المتطوعين في حديث مع «المساء» إن «الوضع لايمكن وصفه إلا ب «السيء للغاية». بالمقابل استنكرت العديد من الأسر التي اتصلت ب»المساء» استغلال العديد من سائقي الطاكسيات هذه الفرصة للمتاجرة بمعاناتهم، عبر فرض أثمنة خيالية، وصلت إلى 70 درهما لنقل ثلاثة أفراد من عائلة واحدة، واصفة هذا التصرف ب»الغش المبين». من جهتها، تحدثت سيدة تدعى «سعاد لحرش» ل «المساء» بحرقة عما تعرض له المسافرون، واصفة الوضع بالقطار ب «المأساوي». وقالت المواطنة المقيمة بإيطاليا: «إننا تركنا لحالنا» دون أدنى اعتبار لكرامة الإنسان المغربي. وأضافت سعاد القادمة من مدينة سلا أن عديدا من السياح الأجانب تذمروا من الوضع، وذكرت أنها شاهدت عددا من السياح الايطاليين يسبون ويشتمون ويلومون مضيفتهم المغربية، التي دعتهم لزيارة المغرب للتعرف عليه، وحببتهم في ذلك.وأضافت أن المضيفة أسرت لها بأنها ندمت كثيرا على هذه الدعوة، بعد أن وجدت نفسها في حالة لا تحسد عليه. وعلقت المهاجرة المغربية، التي قدمت لزيارة أهلها بمدينة النخيل، قائلة: «إذا كنا كمغاربة نصبر على هذه الأخطاء في بلدنا فإن الأجانب لن يقبلوا مثل هذه الخدمات المتدنية، وهو ما يضرب السياحة المغربية في الصميم». من جهة أخرى، تأخرت رحلة طائرة الخطوط الملكية المغربية الرابطة بين مطاري مدريد ومراكش لمدة 5 ساعات ليلة الجمعة السبت الماضي، وأضاف رشيد مناصيفي أحد ركاب الرحلة، وهو في الوقت نفسه رئيس الجمعية المهنية لشركات الأمن الخاص في المغرب، أن المسافرين على متن الرحلة لم يجدوا أيا من الأطر التجارية لشركة «لارام» في عين المكان قصد إخبارهم بما يحصل والاعتذار عن التأخر وتقديم المساعدة للأسر نتيجة الضرر الحاصل. وأوضح مناصيفي أن الطائرة كان يفترض أن تنطلق في رحلتها الرابطة بين إسبانيا والمغرب في العاشرة ليلا، قبل أن يتم الإعلان في السبورة الإلكترونية أن ساعة الانطلاق ستتأخر إلى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، ثم يعلن مرة ثانية عن تأجيل آخر إلى غاية الرابعة إلا ربع من صباح السبت الماضي. وعبر المتحدث عن احتجاجه لتأخر الرحلة لمدة 5 ساعات، ولعدم مبالاة «لارام» بمعاناة المسافرين على متن الرحلة، وأشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يسجل فيها تأخر في رحلات الشركة، فقد سجلت سوابق مع مناصيفي عند سفره إلى بروكسيل وباريس ومدن أوربية أخرى، وهو ما دفع إلى اتخاذ قرار بعدم السفر على متن طائرات «لارام» مستقبلا.