يشكل اليوم العالمي للطفل في 20 نونبر من كل سنة، وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الطفل في 1959 واتفاقية حقوق الطفل في 1989، مناسبة أخرى لتأكيد التزامات المملكة لصالح الطفولة والتي تمثل السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة اليوم آلية أساسية لعمل دؤوب في هذا المجال يدعم سير المغرب نحو تحقيق أهداف الألفية الجديدة من أجل التنمية لسنة 2030. وبالفعل تميز تخليد اليوم الوطني للطفل في 25 ماي الماضي بتنظيم لقاء وطني حول "وضعية الأطفال بالمغرب .. واقع والتزامات"، بتعاون بين وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية ومنظمة (اليونيسيف) والمرصد الوطني لحقوق الطفل، تم فيه التأكيد مجددا على الالتزام الوطني الراسخ لتكريس حقوق الطفل، وجعلها ثقافة مجتمعية لدى كل القوى الحية، والسعي المتواصل للنهوض بوضعية الطفولة وإعطائها المكانة التي تستحقها في السياسات والبرامج العمومية. وكانت الوزارة الوصية أطلقت في 2013، بدعم من اليونيسيف، مسلسل إعداد مشروع السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة بمشاركة واستشارة واسعة لجميع الفاعلين المعنيين، بمن فيهم الأطفال، ما خول تشخيص واقع الحماية، وتحديد المكتسبات التي تشكل روافع للنهوض بها، إلى جانب الوقوف عند نقاط الضعف التي ينبغي معالجتها لإعطاء مزيد من الفعالية والنجاعة لخدمات الحماية. وتنفيذا لهذه السياسة، خاصة في هدفها الاستراتيجي المتعلق بتعزيز المعايير الاجتماعية الحامية للأطفال، تم في نونبر 2014 إطلاق الحملة الوطنية الأولى لوقف العنف ضد الأطفال، التي تتواصل إلى غاية نونبر 2015، للتعريف بجميع أشكال العنف ضد الأطفال والتوعية بخطورتها، ولتعبئة الجهود الجماعية لحماية هذه الفئة ووقايتها من العنف، وتعزيز اليقظة الجماعية لمواجهة هذه الآفة. وتحظى مجهودات المغرب لصالح الطفولة باعتراف دولي من منظمة اليونيسيف التي أشارت ممثلتها بالمغرب ريجينا دو دومينيسيس، بمناسبة اليوم الوطني للطفل، إلى أن المغرب تمكن من الوفاء بالتزاماته وتحسين المؤشرات المرتبطة بتحسين وضعية الأطفال في عدة مجالات، من خلال ضمان حقوقهم الأساسية، معتبرة أن التحدي الذي يواجه اليوم الحكومة وباقي الأطراف المعنية يتمثل في تنفيذ توجهات السياسة الجديدة وتعبئة الأموال الضرورية لذلك. وأعربت دو دومينيسيس، في حديث خصت به وكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة اليوم الوطني للطفل، عن ارتياحها لمستوى التمدرس الابتدائي الذي يكاد يكون معمما، ومعدل التلقيح القريب من 100 في المائة، والتشريع الوطني الذي يتماشى بشكل متزايد مع الالتزامات الدولية للمغرب، والوعي الاجتماعي بالتحديات المرتبطة بالبيئة لحماية حقوق الطفل، وثقافة الطابوهات التي تتلاشى بشكل متزايد. غير أن ممثلة اليونسيف أشارت إلى بعض الفوارق المسجلة في ما يتعلق بالفقر وتنمية الأطفال على مستوى الجهات والفئات الاجتماعية للبلد، والإشكاليات الجديدة التي برزت بفعل التطورات السوسيو اقتصادية والديمغرافية، خاصة التحديات المرتبطة بالاندماج الاجتماعي والاقتصادي للمراهقين والشباب ومخاطر وتهديدات التكنولوجيات الحديثة. وبالفعل رصدت الدراسة الخاصة ب"وضعية الأطفال والنساء بالمغرب، تحليل حسب مقاربة الإنصاف"، التي أنجزها المرصد الوطني لحقوق الطفل بتعاون مع اليونيسيف وتم تقديم نتائجها في 25 ماي، العديد من الإكراهات والتحديات الراهنة التي تحول دون تساوي جميع أطفال المغرب فعليا في التمتع بحقوقهم المتمثلة أساسا في البقاء، والحماية، والنمو، والمشاركة. فعلي مستوى الحق في البقاء، أشارت الدراسة إلى وجود فوارق بارزة في نسب وفيات الأمهات بين العالمين الحضري والقروي وتمييز اجتماعي على أساس الدخل ومجالي بين الجهات يجعل النساء في البوادي والقرى أقل حظا للولوج إلى فحوصات أثناء الحمل وما قبل الولادة وللاستفادة من المساعدة الطبية أثناء الولادة. وعموما تمكن المغرب من خفض عدد وفيات النساء جراء مضاعفات الحمل والولادة من 227 إلى 120 حالة لكل 100 ألف ولادة حية ما بين سنتي 2003 و2010. ورغم انخفاض معدل وفيات الأطفال، ماتزال الوفيات في الشهر الأول من الولادة تشكل 75 في المائة من مجموع وفيات الأطفال، خاصة في الوسط القروي، وتبقى عدم المساواة شاسعة بين الجهات الأكثر ثراء وتلك الأكثر فقرا على مستوى التأخر في النمو والنقص في الوزن. وفي جانب الحماية، أكدت الدراسة أن تشغيل الأطفال يؤثر سلبا على صحة ونمو الطفل ويهدد تربيته وتكوينه وقد يفضي إلى أشكال أخرى للاستغلال وسوء المعاملة، قائلة إنه رغم التراجع القوي للظاهرة منذ 1999 لكنها ما تزال موجودة كحقيقة مستعصية. وبالفعل كانت نسبة تشغيل الأطفال تمثل 9,7 في المائة للفئة العمرية بين 7 وأقل من 15 سنة في 1999، لكن نتائج البحث حول الشغل الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط كشف أن 86 ألف طفل كانوا يشتغلون في 2013 بمعدل 1,8 في المائة من مجموع هذه الفئة العمرية. كما اعتبرت الدراسة أن تأخر اعتماد مشروع القانون الخاص بالعمل في البيوت والغياب الحالي لأي إطار قانوني لهذا القطاع يضعف بالخصوص حماية الفتيات الصغيرات الخادمات في البيوت، علما أن جهود التحسيس القائمة ساهمت نسبيا في انتشار الوعي وتحري عدم تشغيل خادمات تقل أعمارهن عن 15 سنة. وسجلت الدراسة بشأن الزواج المبكر أن معدل زواج القاصرين شكل 11,47 في المائة من إجمالي الزيجات في 2013 ورغم تراجع هذه الزيجات ب9,9 في المائة مقارنة مع 2011، ما يزال الموضوع مقلقا بسبب مضاعفاته على حياة وصحة الفتيات وأصبح يمس حتى المدن وليس فقط العالم القروي. كما أن غياب المعطيات حول الأطفال في وضعية الشارع يجعلهم عرضة للنسيان مما يزيد من صعوبة القضاء على الظاهرة بشكل أكثر نجاعة، حسب الدراسة التي أضافت أن استغلال الأطفال في التسول يحرمهم من حقوقهم الأساسية في التربية والترفيه ويجعلهم عرضة للاستغلال والعنف. وعلى مستوى قضاء الأحداث، نقلت الدراسة عن وزارة العدل أن بطء وتعقيدات المساطر ونقص الاهتمام بضحايا الأعمال الإجرامية من الأطفال من الاختلالات ونقاط الضعف التي تؤثر على حماية الطفل. كما أشارت إلى صعوبة التكفل بالأطفال في وضعية الإعاقة ضحايا الأحكام الانحيازية والمعتقدات السلبية التي تسهم في تهميشهم إلى جانب تزايد عدد الأطفال الموجودين في مؤسسات الرعاية التي ارتفع عددها في السنوات الأخيرة (175 في المائة بين 1990 و2010). وحسب وزارة العدل، فإن 2011 و2012 سجلتا ارتفاعا مهولا في حالات الإهمال العائلي وحالات عدم التصريح بالأطفال، نتيجة أساسا لتقصير الأب. ومنذ 2010، تشكل هاتان الظاهرتان أكثر أشكال العنف الممارسة في حق الأطفال مقارنة مع أشكال العنف الأخرى الجسدية والجنسية. وعلى مستوى الحق في النمو، سجلت الدراسة تحسنا واضحا في نسب التمدرس مع استمرار الفوارق، موضحة أنه ما بين 2008 و2013، انتقلت نسبة التمدرس من 91,6 إلى 99,6 في التعليم الأساسي الابتدائي ومن 70,2 إلى 85,1 في المستوى الإعدادي، ومن 49,9 إلى 58,5 في المائة في الثانوي التأهيلي، حسب إحصائيات وزارة التربية الوطنية. ورغم التقدم التي تحقق في عملية التمدرس، إلا أن هناك تدنيا كبيرا ومتفاوتا جدا للتمدرس في المستوى التمهيدي على المستوى الوطني، خاصة في الوسط القروي الذي تظل فيه أيضا مستويات التمدرس في المستوى الإعدادي ضعيفة جدا، خاصة لدى الإناث. كما يصل المعدل المتوسط للهدر المدرسي إلى 9,3 في الاعدادي و8,7 في الثانوي التأهيلي ولا يتجاوز معدل إنهاء الدراسة 41,9 في المائة في الثانوي ويصل معدل التكرار في الإعدادي إلى 16,7 في المائة، بناء على إحصائيات موسم 2012-2013. ويؤثر تشغيل الأطفال على تمدرسهم، ففي 2012 وحسب ظروف شغلهم، فإن 21,7 في المائة من الأطفال كانوا يشتغلون بالموازاة مع الدراسة وانقطع 59,2 في المائة عن الدراسة، في حين لم يسبق ل19,1 في المائة قط الذهاب للمدرسة. وفي ما يتعلق بالحق في المشاركة، ثمنت الدراسة برلمان الطفل كآلية إيجابية توفر للأطفال والمراهقين فضاء للتبادل والاستئناس بممارسة الديمقراطية وثقافة الحوار والتسامح وإشراك الأطفال في صناعة القرارات السياسية. كما سجلت حضورا ضعيفا للأطفال في وسائل الإعلام السمعية البصرية والصحافة المكتوبة وتخصيص مدة زمنية قصيرة لبرامج الأطفال والمراهقين في الإعلام السمعي البصري وغياب البرامج الخاصة بالمشاركة المباشرة للأطفال في محطات التلفزيون، مبرزة أن البرامج التلفزيونية الخاصة بالأطفال موجهة للترفيه أكثر منها للتثقيف واكتساب المعارف، ما يبرز الدور الضعيف لوسائل الإعلام المرئية في تكوين الأطفال. وعموما، تبقى مواجهة تحديات الفوارق والحماية للنهوض بوضعية الأطفال رهينة أساسا بتحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية شاملة تنعكس إيجابا على مستوى عيش سكان المغرب بمختلف فئاتهم الاجتماعية وانتماءاتهم الترابية، إلى جانب بذل المزيد من المجهودات للتحسيس والتوعية بحقوق الطفل وجعلها جزءا لا يتجزأ من ثقافة أشمل لحقوق الإنسان تنتشر داخل المجتمع (و م ع).