شكلت الزيارة الرسمية، التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله٬ للغابون محطة بارزة لتعزيز العلاقات المغربية الغابونية المتينة في أفق الرقي بها إلى مستوى شراكة حقيقية بين البلدين، وخاصة على المستوى الاقتصادي. ولعل أول ما يسترعي انتباه المتتبع لأطوار هذه الزيارة هو ذلك الاستقبال الحماسي الذي خصص لجلالة الملك٬ على المستويين الرسمي والشعبي٬ منذ وصوله يوم الاثنين 25 مارس٬ إلى ليبرفيل في زيارة رسمية لجمهورية الغابون٬ المحطة الأخيرة ضمن جولة إفريقية قادت جلالته أيضا إلى كل من السينغال والكوت ديفوار. فبعد الاستقبال الكبير، الذي خصصه الرئيس علي بونغو أونديمبا لجلالة الملك والذي تميز بتنظيم عرض عسكري كبير على شرف جلالته بأرضية مطار ليون امبا الدولي بليبرفيل٬ كان لجلالته موعد مع استقبال شعبي حار يعكس بجلاء علاقات الأخوة القائمة بين البلدين وشعبيهما. ولدى خروجه من المطار٬ وجد جلالته في استقباله حشدا غفيرا من أبناء الجالية المغربية المقيمة بالغابون والمواطنين الغابونيين، الذين قدموا للترحيب بمقدم جلالته الذي أبى إلا أن يبادلهم التحية. وتوجه الموكب الرسمي بعد ذلك الى القصر الرئاسي بليبرفيل٬ وسط هتافات أعداد غفيرة من المواطنين الغابونيين وأفراد الجالية المغربية المقيمة بهذا البلد٬ الذين احتشدوا على طول الطريق التي مر منها الموكب٬ حاملين الأعلام الوطنية للبلدين٬ ترحيبا بمقدم جلالة الملك وتعبيرا عن تشبثهم بالأخوة والصداقة المغربية الغابونية٬ وبالعلاقات المتينة، التي تربط قائدي البلدين. وأجرى جلالة الملك يوم الثلاثاء 26 مارس بالقصر الرئاسي بليبرفيل٬ مباحثات على انفراد مع رئيس جمهورية الغابون، علي بونغو أونديمبا. كما ترأس قائدا البلدين حفل التوقيع على ست اتفاقيات للتعاون الثنائي من شأنها إعطاء دفعة قوية للشراكة القائمة بين المغرب والغابون٬ وتعكس كذلك الإرادة الراسخة لجلالة الملك والرئيس علي بونغو في تعزيز وإعطاء دفعة قوية للتعاون بين البلدين والشعبين الشقيقين. ويتعلق الأمر ببروتوكول للتعاون في المجالات التقنية ومحاربة الغش والمختبرات واتفاقية للتعاون في مجال الصحة واتفاقية شراكة في مجال تكوين العاملين في قطاع الصحة بالمعهد الوطني الغابوني للتكوين والعمل الصحي والاجتماعي واتفاقية للتعاون في مجال الوقاية المدنية واتفاقية تتعلق بالترخيص لإذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية بالبث بتعديل الترددات في جمهورية الغابون. وأقام فخامة رئيس جمهورية الغابون، علي بونغو أونديمبا٬ في اليوم نفسه بالقصر الرئاسي بليبرفيل٬ مأدبة عشاء رسمية على شرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله. وألقى صاحب الجلالة٬ خلال هذا الحفل٬ خطابا أكد فيه أن زيارة جلالته الحالية للغابون٬ وهي ثالث زيارة يقوم بها جلالته إلى هذا البلد منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين٬ سوف تشكل لبنة جديدة ومتميزة في مسار تطوير العلاقات بين البلدين. وقال جلالة الملك٬ إن "زيارتي الحالية للغابون سوف تشكل٬ بفضل القرارات التي سنتخذها والأعمال التي سنحددها٬ لبنة جديدة لها أهمية بالغة في تطوير العلاقات القائمة بين بلدينا٬ والمتميزة على الدوام بآفاقها الواعدة"٬ مما سيمكن البلدين من مواصلة تعميق وتوسيع شراكتهما التضامنية والمثمرة والاعتماد على قدراتهما الذاتية للاستجابة للتطلعات المشروعة للشعبين الشقيقين٬ المشهود لهما بمدى تشبثهما بالتعاون بين الدول الإفريقية. وفي هذا السياق ذكر جلالته بأنه "تم تحيين وإثراء الإطار القانوني لشراكتنا٬ بينما شهدت مختلف أشكال تبادل التجارب والخبرات في ما بيننا تطورا مطردا٬ واتسعت دائرة التعاون التقني اتساعا ملحوظا"٬ مبرزا جلالته أن أجواء الثقة والتفاهم الودي٬ التي تطبع علاقات البلدين٬ شكلت أرضية خصبة لتعزيز المبادلات الاقتصادية والتجارية بينهما٬ وأن خير شاهد على ذلك٬ تنامي عدد المجموعات المغربية الكبرى الموجودة بالغابون٬ حيث تستقطبها المؤهلات التي يزخر بها الاقتصاد الغابوني وتستهويها جاذبية مناخ الأعمال في هذا البلد. من جانبه أكد الرئيس الغابوني علي بونغو أونديمبا٬ في خطاب مماثل٬ أن الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الغابون والمملكة المغربية٬ هي في الوقت نفسه٬ شراكة تاريخية ونموذجية٬ وأن "جودة هذه الشراكة المتميزة بين بلدينا تتطلب منا العمل على تمتين ما يجمعنا من روابط متعددة الأشكال وتنويعها في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك". وقال الرئيس الغابوني٬ إن المبادلات الاقتصادية والتجارية بين البلدين حققت تطورا من حيث الكثافة والتنوع٬ وأن حجمها يعد بتحقيق مزيد من النمو نظرا للنتائج المشجعة المسجلة خلال الثلاث سنوات الأخيرة التي شهدت نموا ملحوظا في الصادرات المغربية نحو الغابون وفي الصادرات الغابونية نحو المغرب. وأشاد الرئيس الغابوني٬ من جهة أخرى٬ بمبادرات صاحب الجلالة الذي تفوق بفضل "عزمه وبراغماتيته٬ في إطلاق إصلاحات مؤسساتية مهمة أفضت إلى تنظيم انتخابات حرة وشفافة ٬ وتعزيز دولة الحق القانون والنهوض بحقوق المرأة" في المملكة٬ وأنه من حق المغرب أن يفتخر اليوم بكونه يقدم للعالم صورة مملكة مبدعة وحديثة تحترم فيها إرادة الشعب٬ مبرزا أن مشروع الجهوية والأوراش الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي يقودها جلالة الملك جديرة بالاحترام والتقدير. واعتبر الرئيس بونغو٬ أن حضور المملكة المغربية في إفريقيا أمر لا محيد عنه بالنظر لإشعاعها على الساحة القارية والدولية٬ لاسيما أن هذا الحضور هو في مستوى التطلعات المشروعة والطموحات العادلة للمغرب العضو المؤسس لمنظمة الوحدة الإفريقية٬ وصاحب مبادرات قارية والمدافع القوي عن الحوار الأورو- متوسطي. وفي ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية٬ جدد الرئيس الغابوني دعم بلاده "اللامشروط للمبادرة المغربية الهادفة الى تخويل جهة الصحراء حكما ذاتيا موسعا في إطار الوحدة الترابية والوحدة الوطنية للمملكة المغربية". ويوم الأربعاء 27 مارس استقبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله٬ بالإقامة الملكية بليبرفيل٬ رئيس الجمعية الوطنية الغابونية، غي نزوبا نداما٬ ورئيسة مجلس الشيوخ، روز فرانسيز روغومبي٬ وكذا الوزير الأول، رئيس الحكومة الغابوني، رايموند ندونغ سيما. كما استقبل أمير المؤمنين وفدا عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الغابوني يقوده رئيسه، إسماعيل أوسيني أوسا، إمام وخطيب مسجد الحسن الثاني بليبرفيل. وقد توجت زيارة جلالة الملك لليبرفيل ببيان مشترك أكد عزم المغرب والغابون٬ اللذين تجمعهما روابط صداقة وتعاون متميزة٬ على الرقي بعلاقاتهما إلى شراكة استراتيجية تعود بالنفع على كليهما وتتيح النهوض بالمبادلات الاقتصادية والتجارية بينهما. كما أعرب الطرفان٬ في هذا البيان٬ عن ارتياحهما للدينامية التي تطبع تدبير التعاون الثنائي واتفقا على الإسراع بإحداث مجلس الأعمال المغربي الغابوني وعقد الدورة السادسة للجنة العليا المشتركة للتعاون بليبرفيل في أقرب الآجال خلال السنة الجارية. وأضاف البيان أن جلالة الملك هنأ فخامة الرئيس علي بونغو أونديمبا على مسعاه التوافقي الذي اتسم بالحوار والتشاور مع مختلف الفاعلين السياسيين والسوسيو - مهنيين في البلاد. وبفضل هذا المسعى نجح الغابون في تعزيز وحدته وتماسكه الاجتماعي واستقراره السياسي. وأشار البيان إلى أن الرئيس الغابوني هنأ من جهته جلالة الملك محمد السادس٬ حفظه الله٬ على الإصلاحات الكبرى التي قام بها جلالته في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي٬ والتي مكنت المغرب من قطع خطوات كبيرة على درب بناء صرح دولة عصرية وديمقراطية. كما حرص فخامة الرئيس علي بونغو أونديمبا٬ وفق البيان٬ على تجديد دعم جمهورية الغابون القوي والدائم لمغربية الصحراء وللوحدة الترابية للمملكة المغربية٬ مؤكدا أن الحل السلمي والدائم لهذا النزاع الإقليمي لا يمكن أن يتم إلا على أساس المبادرة المغربية الرامية إلى منح جهة الصحراء حكما ذاتيا موسعا في إطار السيادة والوحدة الوطنية والترابية للمملكة المغربية٬ وأن هذه المبادرة تشكل السبيل الأمثل للتسوية السلمية والدائمة لهذا النزاع الإقليمي. وعلى الصعيد الثنائي أعرب رئيسا الدولتين عن ارتياحهما للانخراط المتزايد للقطاع الخاص المغربي في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين٬ مساهما بذلك في إنجاز المخطط الاستراتيجي للغابون الصاعد٬ الذي أطلقه فخامة الرئيس علي بونغو أونديمبا بهدف الرقي بالغابون إلى مصاف البلدان الصاعدة في أفق 2025. وعلى الصعيد الإقليمي٬ نوه رئيس الجمهورية الغابونية بالتزام المملكة المغربية بدعم النهوض بالتعاون جنوب جنوب، الذي جعلت منه أحد المحاور الأساسية لسياستها الخارجية. وبخصوص الوضع في إفريقيا٬ وبعد أن أعربا عن ارتياحهما للتقدم الذي حققته بعض الدول الإفريقية في مجال تعزيز دولة الحق والقانون والقيم الديمقراطية٬ عبر رئيسا الدولتين عن انشغالهما إزاء بعض بؤر عدم الاستقرار التي تهدد السلم والأمن بالقارة٬ وخاصة الوضع في جمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية مالي٬ مؤكدين تمسكهما القوي بوحدة وسيادة هذين البلدين ووحدتهما الترابية.