في سابقة تعد الأولى من نوعها على المستوى الوطني، أصدر نادي قضاة المغرب، أخيرا، بيانا طالب فيه بضمان إشراف كامل للقضاة على الانتخابات القادمة، وهي خطوة مثيرة أقدمت عليها الجمعية الأكثر تمثيلا للقضاة بالمملكة، انطلاقا من أحد أهم أهدافها المحددة في نظامها الأساسي، والمتمثلة في الدفاع عن حقوق وحريات المواطنين. أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب بأزيلال تكتسي المبادرة الجديدة لنادي قضاة المغرب أهمية بالغة بالنظر إلى سياقاتها التي تنطلق من الوظائف الجديدة التي أضحت تلعبها الجمعيات المهنية للقضاة بوجه خاص، والأدوار التي تضطلع بها السلطة القضائية بوجه عام في تدعيم دولة الحق والقانون والمسار الديمقراطي في مغرب القرن الواحد والعشرين. وتأتي هذه المبادرة في سياق عام يتمثل بالأساس في وجود إطار دستوري جديد ارتقى بمكانة القضاء إلى مستوى سلطة مستقلة، تضطلع بمهام جليلة، على رأسها الدفاع عن الحقوق الفردية والجماعية وهو ما يتجلى من نص الفصل 117 من الدستور الذي ينص على أنه "يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون"، وبالتالي فإن المطالبة بضمان إشراف كامل للقضاة على الانتخابات يندرج في إطار الولاية العامة التي تنعقد للسلطة القضائية في هذا المجال. كما تندرج هذه المبادرة في سياق الاستعدادات للعمليات الانتخابية القادمة، والنقاش العام الذي تعرفه الساحة الوطنية الحقوقية والمجتمعية حول أفق ضمان شفافيتها ونجاعتها. وبروز اتجاهات حقوقية ترى في القضاء الركن الأساس في الحكامة الانتخابية، والحصن الحصين لضمان نزاهتها طالما أنه يمثل سلطة مستقلة عن باقي السلطتين التشريعية والتنفيذية ومن ثمة تبرز أهمية الارتقاء بالإشراف القضائي على الانتخابات إلى درجة الإشراف الكامل. فمن المعلوم أن القوانين الانتخابية الحالية تعطي "نوعا" من الإشراف للقضاة على العملية الانتخابية لكنه من الناحية الواقعية لا يرقى أبدا إلى درجة الإشراف الحقيقي، فالقانون المتعلق بمراجعة اللوائح الانتخابية أناط رئاسة اللجان الإدارية مثلا لقاض يعينه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف. ورغم إسناد مهمة رئاسة اللجان الإدارية إلى قاض إلا أن ذلك لم يغير من طبيعتها الإدارية في ظل غياب الإشراف القضائي الفعلي على مراجعة اللوائح الانتخابية وحصرها وتنقيحها نتيجة عدة عوامل، أهمها عدم تمكين القضاة من وسائل العمل الضرورية والكفيلة بقيامهم بمهامهم، والتي تبقى حكرا على الإدارة، وغياب أي تكوين حقيقي للقضاة في هذا المجال. من جهة أخرى فإن القانون الحالي يعطي للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف سلطة "مطلقة" في تعيين القضاة، الذين سيشرفون على العملية الانتخابية، والسؤال الذي يطرح بداهة هو ما هي المعايير التي يعتمدها في اختيار لائحة القضاة المشرفين على الانتخابات سيما أن عملية الاختيار هاته تبقى على درجة كبيرة من الحساسية؟. إن ترك مجال واسع أمام السلطة التقديرية الممنوحة لمؤسسة الرئيس الأول في اختيار القضاة المكلفين بالإشراف على الانتخابات من شأنه أن يؤدي إلى ما يشبه الشطط أو التعسف أو حتى المحاباة في هذا الاختيار، خاصة أمام عدم تحديد أي معايير واضحة في هذا الصدد. وكان من الأجدر نقل صلاحية التعيين من يد الرؤساء الأولين بمحاكم الاستئناف إلى الجمعيات العمومية للقضاة بالمحاكم، تفعيلا للمقاربة التشاركية، وحرصا على الحياد التام، ومن أجل القطع مع كل محاولة للتدخل في هذا التعيين من شأنها أن تمس بسلامة الاختيار، مع ضرورة وضع ضوابط دقيقة وواضحة تراعي مقاربة النوع الاجتماعي، وتضمن تمثيلية منصفة للنساء والشباب من القضاة في هذا الصدد، مع الحرص على ضمان التكوين الجيد والفعال للقضاة في القوانين الانتخابية، من أجل ضمان نجاعة أكبر للإشراف القضائي على الانتخابات. إن المطالبة بالإشراف القضائي الكامل يقتضي تمكين السلطة القضائية من السهر على سير العملية الانتخابية، والإشراف عليها برمتها، من خلال التقليص من أوجه تدخل الإدارة في هذه العملية، وتبوئ القضاء مهمة الإشراف الفعلي والحقيقي مع ما يستلزم ذلك من رصد وسائل العمل والإمكانيات اللازمة لقيام القضاة بمهامهم. كما أن تمكين القضاة من الإشراف الكامل على العملية الانتخابية وفق الأدبيات الحقوقية الدولية، يستهدف الوصول إلى ضمان شفافية ونزاهة العملية الانتخابية كحق من حقوق المواطنين من جهة، فضلا عن تنزيه السلطة القضائية من أن تتحول إلى مجرد آلية لشرعنة أوضاع غير سوية من جهة أخرى. ولعل من بين أهم الاقتراحات التي قد تجد طريقا لها للمناقشة في الندوات، التي سينظمها نادي قضاة المغرب بالموازاة مع النقاش المفتوح حول أفق الإشراف القضائي على الانتخابات، وتقييم هذه التجربة على ضوء التجارب الوطنية السابقة وكذا التجارب الدولية، ضرورة إحداث لجنة قضائية وطنية عليا للإشراف على الانتخابات تحل محل الإدارة، وتمكينها من الإمكانيات اللازمة مع ضرورة الارتقاء بالتكوين المستمر للقضاة في المادة الانتخابية مع الإسراع بإخراج إطار قانوني ينظم بوضوح التعويضات المستحقة للقضاة بمناسبة إشرافهم على الانتخابات قطعا مع كل محاولة لاستغلال التعويضات الممنوحة كوسيلة للمس بسلامة عمليات الإشراف القضائي بأي وجه كان. ولنا في التجربة المصرية خير نموذج، إذ لاحظ عدد من المراقبين ومن بينهم نادي القضاة، الذي شكل لجنة لتقصي الحقائق لمراقبة نتائج استفتاء سنة 2005 وفي ظل غياب أي إطار قانوني ينظم التعويضات الممنوحة للقضاة نظير إشرافهم في هذا المجال أنه "كلما زادت الشكاوى من الانتخابات إلا وزادت قيمة المكافئات التي ترصدها الإدارة للقضاة"، وهو ما لا يستقيم أبدا مع مستلزمات الاستقلال التام والحيدة المطلقة، التي تفرضها عملية الإشراف القضائي، والتي تبقى حقا للمواطن خاصة وللشعب عامة، وليس مجرد امتياز لأي جهة كانت.