في المحطة الطرقية القامرة بالرباط، يصير لكلمة "الكورتي" التي تعني في اللغة الفرنسية "وسيط معتمد ينظم سير العمل" مدلول آخر يختلف كليا عن هذا المعنى. في هذه المحطة، يفرض بائع تذاكر السفر المتجول أو ما يطلق عليه "الكورتي"٬ قانونا خاصا به٬ عنوانه فوضى عارمة وتبعاته خروقات بالجملة قد تصل حد سرقة جيوب المسافرين وأمتعتهم. مدخل المحطة الطرقية القامرة الجيلالي، "كورتي" رمت به عطالته إلى المحطة الطرقية القامرة، بالعاصمة الإدارية، ليصبح شغله الشاغل تلقف كل من وطأت قدماه مدخل المحطة٬ مبادرا إياه بالسؤال "فين غادي أسيدي؟ مراكش، طنجة، أكادير.."٬ ودون تردد وبحرفية عالية٬ يدس في يد من حسبه مسافرا تذكرة سفر غالبا ما تكون مزورة٬ يحدد هو ثمنها٬ بعد أن يتفحصه بعينين جاحظتين ويستفسر عن نوعية وحجم الأمتعة التي معه. وإذا كان المسافر مسنا أو بدت عليه دهشة الغريب٬ ازدادت شراهة هذا "الكورتي"، الذي لا يتوانى للحظة في نزع حقيبة المسافر بقوة من يده٬ تحت غطاء المساعدة، ليقتنص بالمقابل بعض الدريهمات٬ ويهرول به نحو إحدى الحافلات الرابضة بالمحطة. الجيلالي و"زملاؤه" أصبحوا مع الوقت "خبراء" بنوعية اللغة التي تمكنهم من قضاء مآربهم دون الوقوع في مشاكل محتملة٬ لذلك تجدهم يغيرون نبرات أصواتهم حسب جنس وسن ومظهر المسافر. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ برر الجيلالي تصرفه هذا بظروف الاشتغال السائدة في محطة القامرة والمنافسة الشرسة التي تحتم عليه جلب أكبر عدد ممكن من الركاب للحافلات التي يعمل لحسابها وفي ظرف وجيز٬ ليحصل في المقابل على سبعة دراهم من مساعدي سائقي الحافلات المعروفين ب"الكريسونات" عن كل مسافر "يصطاده"٬ قد تصل مع نهاية اليوم إلى 200 درهم في المجموع. أما خلال المناسبات والأعياد، فتحتدم المنافسة أكثر فأكثر بين "الكورتية" الذين يعملون لحساب شبابيك بيع التذاكر٬ وأولئك الذين يشتغلون مع "الكريسونات" أو لحسابهم الخاص٬ إذ تباع تذاكر السفر بضعف ثمنها، هذا إن لم تكن هذه التذاكر مزورة. هذا الجو الذي تسوده الفوضى واللانظام٬ تغذيه أيضا وفي أحيان كثيرة مشاداة بين الكورتية ورواد المحطة سرعان ما تتحول إلى عراك٬ يستدعي تدخل رجال الأمن العاملين بالمحطة. وبحسب العديد من المسافرين فإن تلاعبات هؤلاء الكورتية لا تقتصر على تذاكر السفر والابتزاز فقط٬ بل تطال حتى أمتعتهم التي تتعرض للسرقة في ظروف غامضة. ويعلل الكورتي عبد الصادق استفحال هذه الخروقات "بضعف المراقبة والتغاضي عن "فضائح" الكورتية٬ والكريسونات٬ مقابل رشاوي قد تصل أحيانا إلى 600 درهم في اليوم الواحد"٬ ليبقى المسافر الضحية الأولى في نهاية المطاف وهو ما يطرح٬ في نظره٬ أكثر من سؤال. إدارة المحطة تبرئ نفسها في محاولة لرصد هذه التجاوزات، تم ثتبيت كاميرات عند مدخل وبهو "القامرة" تراقبها إدارة المحطة التي تحصر مسؤوليتها في مراقبة النظافة "المنعدمة أصلا" وفي تنظيم دخول وخروج الحافلات٬ أما "الكورتية"٬ تقول الإدارة٬ فهو شأن لا يدخل ضمن اختصاصاتها. وتؤكد موظفة بإدارة المحطة أن هؤلاء الكورتية وأغلبهم منحرفون وأصحاب سوابق عدلية أصبحوا هم سادة المحطة والمتحكمون بزمام الأمور. في هذا السياق٬ حمل رئيس الجامعة الوطنية لنقابات أرباب النقل العمومي عبر الطرق بالمغرب، عبد الله بوزيد٬ في تصريح مماثل٬ مسؤولية هذا الوضع لإدارة المحطة التي أكد أنه من واجبها السهر على فرض النظام وتأمين سفر مريح للمواطنين٬ عوض "التواطؤ بشكل مفضوح مع الكورتية والكريسونات". فإدارة المحطة٬ حسب بوزيد٬ "تسمح نهارا جهارا ببيع أدوية غير مرخصة وبعض المواد الغذائية بالمحطة وداخل الحافلات٬ ما قد يعرض صحة المواطنين للخطر٬ ناهيك عن ماسحي الأحذية٬ وغالبيتهم أطفال في سن التمدرس". ويزداد الأمر سوءا عندما يسدل الليل ستاره ويغيب رجال الأمن فتتحول "القامرة" إلى مرتع للصوص وللمتسكعين ومعاقري الخمر وملاذ للمتشردين، ما يعرض سلامة المسافر إلى خطر محقق٬ يقول رئيس الجامعة. الحل في يد بنكيران للتخفيف من حدة هذا الوضع٬ دعا المسؤول النقابي إلى الإسراع باعتماد تدابير ذات طابع استعجالي٬ تأخذ بعين الاعتبار الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لهؤلاء، خاصة أن من بينهم أرباب أسر٬ مقترحا تنظيم عمل "الكورتية"٬ وتشغيلهم كمرشدين لتوجيه المسافرين٬ ما يحول دون ولوج أي دخيل للمحطة الطرقية. ولأن "القامرة" تقع في قلب العاصمة وتشكل إحدى المحطات الطرقية الرئيسية بالمغرب٬ فمن المؤكد أنها ستكون من بين أولى المحطات التي سيشملها مخطط تأهيل المحطات الطرقية الذي أعلن عنه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران خلال إحدى جلسات الأسئلة الشهرية بمجلس المستشارين. وكان رئيس الحكومة أكد، خلال هذه الجلسة المخصصة لقطاع النقل، أن تأهيل المحطات الطرقية سيهم تحديث المحطات الطرقية الرئيسية وفق نموذج جديد وعصري وإحداث محطات ثانوية على مشارف المدن واعتماد دفتر تحملات لإحداث محطات خاصة ومكاتب مستقلة لبيع التذاكر. وفي انتظار قد يطول لقطف ثمار هذه الإصلاحات التي ستشمل منظومة النقل العمومي بكافة مكوناتها٬ يبقى المواطن/المسافر الحلقة الأضعف٬ فوحده من يتجرع مرارة هذه الاختلالات عندما يحزم أمتعته ويهم بالسفر. (و م ع)