أجمع باحثون في علوم التربية والاجتماع على أن المرحلة التي تسبق الامتحانات تعد "منعطفا حاسما في مسار التلاميذ، لأنها تختزل موسما من التحصيل والإدراك فإما أن يكون فيه المقبل على الامتحان، في حالة نفسية مستقرة، ويستطيع التركيز، أو أن تكون نفسيته متدهورة، وبالتالي لا يفقد في شهر ما تحمل عبأه طيلة شهور السنة". وأكدوا في حديثهم مع "المغربية" أن العديد من التلاميذ، رغم مثابرتهم واجتهادهم طيلة الموسم الدراسي، يصابون بانهيار عصبي ويفقدون تركيزهم، في يوم يتغلب فيه الاستعداد النفسي على الشحن المعرفي، الذي لم يكن وفق منهجية علمية مضبوطة وعلى أساس عقلاني في استيعاب المعلومات وتوظيفها بالشكل الذي يجب". هذا ما أكده العديد من المدرسين ممن استقت "المغربية" آراءهم وأضافوا أن المهم في هذه الفترة، التي تسبق الامتحانات، ليس هو "الحفظ عن ظهر قلب ولا المطالعة الكثيفة لمختلف المقررات ولا الاستخراج الكمي للمسائل الرياضية والفيزيائية وغيرها، إنما كيفية تدبير هذه المعلومات ومعالجتها بترو وبعد نظر"، فهذه الوصفة، تقول المصادر ذاتها، هي التي بمقدورها أن "تعطي قيمة مضافة في الفهم وتجعل المعلومة تحتل مكانها وعنوانها الصحيح في العقل والذاكرة، باعتبار أن التركيز على معرفة ماهية الأشياء بمثابة عقل للمعارف والتشبع بها وبخصوصيتها". فإذا كانت الأسرة لها دور في خلق الأجواء الملائمة لأبنائها لتدبر هذه المرحلة، التي تسبق الامتحان بنجاعة، يقول العربي سعدون، باحث في علم الاجتماع، فإن للمدرسة نصيبها الأوفر في "إعادة استحضار الدروس مع التلاميذ بمنطق التركيز على الأهم والتمحيص في أخذ المعلومة والتعرف على ماهية الأشياء التي من الممكن أن تطرح لديه علامات استفهام وتربك سيره العادي أثناء الامتحان". وهذا ما يتطلب، حسب محدثنا "إقامة مجموعة من الامتحانات التجريبية توافق الأجواء نفسها، التي تجري فيها الامتحانات الرسمية، حتى يتعود التلاميذ على مثل هذه الأجواء". ويرى العربي سعدون، أن غياب المدرس بمبررات أو غيره، يضرب في الصميم دور المدرسة في التعليم المستمر للتلاميذ، ويقلل من مستوى استيعاب هؤلاء التلاميذ للدروس المقررة، كما أن تسريح التلاميذ بمبرر انتهاء المقرر، يضر بالمنظومة التربوية وبقدسية الزمن المدرسي، ويحرم التلاميذ من الدعم النفسي والموجه التربوي، الذي يساعدهم على تنظيم الوقت وتبديد المخاوف التي تكون عادة مصاحبة لترقب المجهول"، معتبرا أن مسألة الوقوف على طبيعة هذه الفترة الحساسة في حياة التلميذ، تبقى بمثابة "نقطة الارتكاز لتكسير الحواجز النفسية لديه، وجعله يتعاطى تلقائيا مع ما ينتظره من امتحانات". ويبقى الاستعداد النفسي، يؤكد الأستاذ الباحث، بمثابة "العصا السحرية، التي يمكن أن تضبط تفكير التلميذ وتجعله قادرا على استحضار ما اختزنه من معلومات دون الشعور بأي مركب نقص". ومن هنا، أصبحت الظروف تفرض على القطاع الوصي أن يستعين بمربين لهم تكوين في مجال الإعداد النفسي لمحاولة التقرب من التلاميذ ومعرفة طبيعة الصعوبات التي تواجههم، فجميع الدول المتقدمة أصبحت تستعين في مختلف قطاعاتها التكوينية بالمتخصصين في البناء والمعالجة النفسية وذلك لكون الإعداد النفسي، يعد الحلقة الأكثر حساسية في خوض أي مباراة ودخول غمار أي امتحان، ففي المجتمعات المتقدمة يعطى لهذا الجانب حصة الأسد في الاستعدادات لكونه التيار المغناطيسي، الذي يمكنه جذب المعلومات وإعطائها الفضاء اللائق بها في الذاكرة.