اعتقلت وسنها لم يتجاوز التاسعة عشر، وحين خرجت من السجن، عادت إليه من خلال الدفاع عن إدماج السجناء بعد انتهاء فترة العقوبة. قصتها تختصر جزءا كبيرا من نضال المرأة المغربية، إنها المعتقلة السياسية السابقة، فاطنة البويه، التي لقبها الحراس في المعتقل باسم «رشيد»، في إشارة معبرة عن العقلية الذكورية، التي لا تستسيغ أن تكون الفتاة مناضلة، وتهتم ب«السياسة».تعرضت فاطنة البويه، وهي في سن المراهقة، للاعتقال والسجن، بسبب نشاطها في حركة «اليسار الجذري» آنذاك، ثم اعتقلت، مجددا، سنة 1974 بالدارالبيضاء، وهي تلميذة بالثانوي، ثم سنة 1977، عند زيارتها لإحدى صديقاتها، فاعتقلت لمدة سبعة أشهر بمعتقل درب مولاي الشريف، بمدينة الدارالبيضاء، تحت اسم «رشيد، رقم 45». بعد خروجها من السجن، انصرفت إلى الاهتمام بحقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة، إذ ساهمت في تأسيس «المرصد المغربي للسجون»، سنة 1999، كما كانت فاعلة في إنشاء «ربيع المساواة»، وهي من بين المطالبات بتعديل مدونة الأسرة. يقول القريبون منها إنها حقوقية، آمنت بمجموع القضايا المؤسسة على ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وعملت على تكوين جمعية تعنى بإدماج السجينات بعد انتهاء فترة العقوبة، وهي تعتبر «الاعتقال الحقيقي هو الحياة ما بعد السجن، لأن صعوبة الإدماج لا توازيها لا لحظات انتظار الحكم، ولا لحظات التأديب، أو الاعتقال السري». فاطنة البويه الحقوقية، كاتبة أيضا، كتبت أول شهادة نسائية لمعتقلة سياسية في المغرب، وكان أول مؤلف لها هو «حديث العتمة»، أو «امرأة اسمها رشيد»، في النسخة الفرنسية. ويضم الكتاب شهادات عن الاعتقال والسجن، الذي تعرضت له الكاتبة في فترة السبعينيات، لأنها تجرأت، ومجموعة من رفيقاتها، على المطالبة بتغيير الأوضاع السائدة آنذاك. «ألفت هذا الكتاب داخل عتمة السجن، ومرت 20 سنة قبل أن يخرج إلى الوجود»، تقول البويه، «وكان لقائي مع فاطمة المرنيسي سببا في إخراج الكتاب إلى حيز الوجود. التقينا في ورشة للكتابة حول الثقة بالنفس، وقلت لها إن لدي كتابا، لكن لا أجرؤ على إخراجه إلى الوجود، وكانت بمثابة الوازع على أن يخرج الكتاب بالسرعة المطلوبة، ليمكنني من إعادة الثقة إلى نفسي. وحين صدر الكتاب، اكتشفت أنه لم يعد لي، بل أصبحت التجربة الشخصية مشتركة مع كل الناس، ولم تعد تلك الذكرى الأليمة الكامنة في مكان ما». بعد ذلك، ألفت البويه، بتعاون مع زوجها، يوسف مداد، كتابا بعنوان «أطلسيات»، نسبة إلى نساء منطقة جبال الأطلس، اللواتي تعتبرهن نموذجا للمرأة المكافحة. ويتحدث الكتاب عن فلاحات، وربات بيوت، وأميات، مارسن العمل السياسي، وتعرضن للتنكيل والقمع. كما لديها إسهامات وكتابات في منابر إعلامية، وأعمال موثقة وأشرطة، تجمع بينها قضية محورية، هي الدفاع عن حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، بالأخص. وتشتغل حاليا على جبر الضرر مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وكامرأة، بتاء التأنيث، التي صادرها منها حراس المعتقل، عندما سموها «رشيد»، تحاول البويه أن توفق بين واجبات الزوجة والأم، وبين نشاطاتها المتعددة.