في إطار فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بباريس، المنعقد من 22 فبراير إلى 2 مارس، نظمت الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) ومعهد البحث الزراعي للتنمية (CIRAD) اليوم الأربعاء السادس والعشرون من فبراير ورشة عمل هامة تحت عنوان "من التسميد إلى خصوبة التربة: تحدٍ أساسي لصحة التربة والسيادة الغذائية في إفريقيا". وقد شكلت هذه الفعالية فرصة لإعادة التأكيد على أن صحة التربة ليست مجرد قضية بيئية، بل تعد حجر الزاوية لتحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في القارة الإفريقية. أرقام مقلقة وتحديات كبرى خلال الورشة، قدم الدكتور رشيد مصدق، الباحث البارز بالمعهد الوطني للبحث الزراعي وإيكاردا، تشخيصًا دقيقًا لحالة التربة في إفريقيا، حيث كشف أن 65% من الأراضي الزراعية الإفريقية تعاني من التدهور، بينما 25% منها متدهورة بشكل حاد. وأكد أن هذه الأرقام تستوجب مراجعة عميقة لأساليب إدارة صحة التربة، داعيًا إلى تبني مقاربة أكثر تكاملاً تعتمد على الاستخدام الذكي للمواد العضوية والمعدنية معًا، لضمان استدامة الإنتاج الزراعي. وأشار الدكتور مصدق إلى أن مستويات استخدام الأسمدة في إفريقيا لا تزال متدنية بشكل خطير، حيث لا تتجاوز 20 كلغ للهكتار في العديد من الدول الإفريقية، مقارنةً ب 200 كلغ للهكتار في أوروبا وغيرها من الدول . وأوضح الخبير الزراعي المغربي أن نقص التسميد، خاصة بالنسبة للأسمدة النيتروجينية والبوتاسية والفوسفاتية، يؤثر بشكل مباشر على خصوبة التربة وإنتاجية المحاصيل، مما يهدد الأمن الغذائي لملايين الأشخاص. نحو حلول منبثقة من الواقع الإفريقي وأوضح الدكتور مصدق في الورشة أن الحلول الناجعة لاستعادة خصوبة التربة يجب أن تكون محلية المنشأ، أي منبثقة من احتياجات الفلاحين الأفارقة أنفسهم، وبمشاركة كافة الفاعلين الزراعيين. وقدم الدكتور مصدق نموذج استراتيجية الجيل الأخضر في المغرب، والتي اعتمدت على الزراعة الحافظة في مليون هكتار، كإحدى التجارب الناجحة التي يمكن أن تستفيد منها دول أخرى في القارة. كما تمت مناقشة تجربة السنغال في إدارة المادة العضوية للتربة، حيث استعرض مدير الزراعة السنغالي الجهود المبذولة لتعزيز استخدام الأسمدة العضوية وتحسين تقنيات التسميد المستدام، بما يتماشى مع الحفاظ على صحة التربة والبيئة . مقاربة متكاملة تجمع بين التسميد والزراعة استنادًا إلى الدراسة التي أجرتها مؤسسة "FARM" حول تجديد خصوبة التربة في غرب إفريقيا، أكدت الورشة على ضرورة إدارة خصوبة التربة بطريقة متكاملة، من خلال مراعاة طرق التسميد العضوي ، مع إدماج الممارسات الزراعية البيئية عند الحاجة. في هذا السياق، سلط الدكتور رشيد مصدق الضوء على عدة مبادرات ناجحة، من بينها المبادرة التي اطلقتها وزارة الفلاحة في إطار إستراتيجة الجيل الاخضر الطموحة بخصوص الزراعة الحافظة ومبادرة عدة شركاء منهم برنامج "المثمر"، ومشروع "تربة"، إضافة إلى جهود الجمعية المغربية للزراعة الحافظة وباقي الشركاء الخواص والعموميين ، الذين يعملون على نشر تقنيات زراعية مستدامة تعزز خصوبة التربة دون الإضرار بالموارد الطبيعية. نحو رؤية مستقبلية لصحة التربة الإفريقية خلص المشاركون في الورشة إلى أن تحقيق السيادة الغذائية في إفريقيا لن يكون ممكنًا دون استعادة صحة التربة، مما يتطلب استثمارات جادة في البحث العلمي، وتبني سياسات زراعية أكثر ذكاءً واستدامة. كما شددوا على أهمية دعم الفلاحين من خلال برامج تكوينية وإرشادية، تتيح لهم فهم أفضل للتقنيات الحديثة في التسميد والإدارة المتكاملة للخصوبة. في الختام، تظل صحة التربة مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود بين الحكومات، الباحثين، المنظمات الزراعية، والقطاع الخاص. ومن خلال تعزيز التعاون بين الدول الإفريقية، والاستفادة من التجارب الناجحة، يمكن تحقيق تحول حقيقي نحو زراعة أكثر استدامة، وتربة أكثر خصوبة، ومستقبل غذائي أكثر أمناً لأجيال القارة القادمة.