تمكنت عناصر قوات الشرطة القضائية لعمالة (باري) بإيطاليا بتنسيق مع الفرقة المتحرّكة التابعة لدائرة (مانفريدونيا) بفودجا ،من كشف غموض عملية سرقة الواحد وثلاثين من شهر يناير الماضي لمتجر "مجوهرات كييتي" بشارع بوليوني ، أحد أبرز المحلات التجارية المحادية لكاتدرائية "سان دجوستينو" والمتخصصة في التحف والمجوهرات الأثرية الناذرة بعمالة كييتي. كما توصلت الوحدتان السالفة الذكر إلى اعتقال أحد المنفذين لعملية السطو ،والإطاحة به بعدما كان يحاول بيع بعض مقتنيات هذه السرقة ،التي حيّرت أمن المنطقة وأربكت ساكنة المدينة طول هذه المدة. حسب إفادة صاحبة المحل السيدة الإيطالية (إيسا كارل ادي ماركو) ،أن كمية ونوعية البضاعة المسروقة من السلاسل والسّوارات ،والنطاقات والأقراط والدماليج، من الذهب والجوهر والماس قدّرت بمبلغ 200.000 أورو كتقديرات أولية.
هذا ،وأوضح بيان موثوق فيه من خلية الإعلام التابعة للشرطة القضائية حول تفاصيل الحادث ،أن الهجوم تمّ على يد شخصين مجهولين كانا يرتديان ملابس أنيقة ونظارات سوداء ،يظهر عليهما الاحترام وسعة الحال ،تقمّصا شخصيات إيطالية تتحدث اللهجة الجنوبية ،حين امتثلا أمام صاحبة المتجر على أساس اقتناء بعض المجوهرات الثمينة حسب تصريحات هذه الأخيرة.
لم تكد تمرّ دقائق معدودة على ولوجهما حتى انقلبا إلى مهاجمين شرسين ،لينقضا عليها بيدين قويّتين لا تحتاجان لأي أسلحة نارية أو بيضاء ضد امرأة لا تقو حتى على إمساك دموعها من شدّة الهول وقوّة الفزع ، في وقت وجيز يرغمانها على فتح الخزينة ويستوليان على كمية هامّة من محتوياتها من سلاسل وقلادات ومجوهرات وأحجار كريمة ،ويفارقانها خلال دقائق معدودة آخر المطاف في صورة درامية تصوّرها منبطحة على الأرض ،تتحسّر لمصابها ،تبكي حظها السيئ ،وتئن من جرح ألّم برأسها جرّاء خشونة معاملة المهاجمين لها . في صمت عارم وهدوء مخيف ،تنتهي آخر اللقطات لعملية سطو ناجحة التقطتها عيون الكاميرات التي لا تنام من وراء مرايا تزيّن جوانب المتجر ،يلوذ المهاجمان بالفرار سيرا على الأقدام ،تاركين للضحية حرّية الاتصال بالشرطة القضائية لولاية فودجا للتبليغ بالحادثة وبأوصاف الجناة.
على وجه السرعة التحق بعين المكان عناصر من الوحدة المختصة بالتحقيق في ملابسات وظروف الحادث ،ليباشروا التحريات والقرائن والمعاينات ،مع الإنصات إلى إفادات صاحبة المحلّ بصفتها الشاهد الوحيد على مجرى هذه الأحداث ،كما جمعت معطيات من آثار وبصمات الجناة ومن تسجيلات الكاميرات لتعرض على التحاليل والفحوص بغية الوصول إلى مرتكبي الجريمة.
تفيد التحقيقات الأوّلية التي توصلت إليها فرق البحث أن المتهمَيْن اكتريا سيارة من مدينة(فييستي) خصيصا للقيام بهذه العملية النوعية ،وتبقى هذه النقطة هي الخيط الرقيق الناعم الذي تمسكت به شرطة (مانفريدونيا) للتعرّف على المتّهمَيْن من بين عدد كبير من المنحرفين والمجرمين وأصحاب السوابق الذي تزخر به هذه الجهة من إيطاليا . انقشعت بارقة أمل أمام فرقة التحقيق واتضح في الأفق تطابق في الأوصاف مع المشتبه به وتبلورت دلائل نتائج التحليل بعد الغموض الذي كان يغطّي الملف برمّته ،لتتأكّد النازلة وتثبت التهمة بحق شاب مغربي يسمى ر. ياسين،يبلغ السادسة والعشرين من العمر ،مقيم منذ سنوات بمدينة فييستي ،سبق أن ألقت عليه الشرطة القبض في شهر نوفمبر الماضي بتهم تتعلّق بالانحراف وترويج المخدرات. بعد الانتهاء من الإجراءات والتحريات التي سهرت عليها ذات الفرقة على مستوى الاختصاص في دراسة الصور الأرشيفية وصور أشرطة تسجيل من كاميرات المتجر والمحلات التجارية المجاورة ،تَمّ التعرف على المشتبه فيهما وحدّدت هوياتهما ،ممّا لم يترك مجالا للشك لقائد الدائرة الأمنية العميد (لوتشانو ديبريسكو) ورئيس المباحث الجنائية ،من اتخاذ كافة التدابير الأمنية وتقنين الاجراءات ،والتكثير من مسطرة المراقبة ضد المتهم الأول ياسين ،لرصد كل تحركاته وسكناته،كل اتصالاته ومكالماته الهاتفية ،إلى أن تحقّقت أماني الشرطة ونجحت مساعيها بمشاهدة هذا الأخير يوقف سيارته بقرب متجر "مجوهرات فيستانا" بساحة (كاريبالدي) ،الذي لم يفتح أبوابه بعد في تلك الساعة المبكّرة من يوم الاثنين الماضي. لم يكد ياسين يلقي نظرة خاطفة على لافتة مواقيت الافتتاح والإغلاق المعلّقة على زجاج واجهة المتجر بعد ،حتى رأى خيال الشرطة التي تراقبه من الرصيف المقابل منعكسا على تلك الواجهة ،خالجته حينها الشكوك والظنون ،ولم يعد له بدّ عدا إتمام دوره كبطل هذا الشريط البوليسي الذي بدأ فصوله قبل شهرين مضت.
امتطى سيارته بتأنّي وحذر خوفا من إثارة أدنى شبهات ،وكأن الأمر لا يهمّه ولا شيئا سبق له أن وقع ،لم يدم حلمه طويلا حتى تأكّد أن الخطر أتى عليه ومن أجله .فهم آنذاك أن دورية الشرطة تتبع آثاره وتحاول الإطاحة به ،بينما الوقت لم يكن ملائما لذلك لأنه يحمل معه دلائل ضده تثبت عليه تهمة السطو . أطلق عجلات سيارته تسابق الريح لينجو من هذا الكابوس المخيف ،على أمل طيّ الطريق ليختفي عن الأنظار ويستريح ،لكن حركة السير لم تسعفه وضيّقت عليه الخناق والمسير ،حتى حاصرته دوريات ثانية للشرطة في بداية شارع "لونكو ماري كولومبو" آتية لنفس الأرب الذي كان يتمنى أن لا يقع في شراكه.أسكت للتوّ محرّك سيارته لمّا أحسّ بالخطر يباغثه ،وبدأت تتصاعد وثيرة خفقان قلبه لما لم يبق له أمل ثاني في الركض أو الفرار بعد تمرّده على عناصر الأمن ،ليستسلم للأمر الواقع وتكون اللقطة الأخيرة لمرحلة الاعتقال لتنتهي القصة الفاشلة بالزجّ به وراء القضبان.
إنها اللحظة اللعينة في تلك الساعة الأليمة المشينة، يلتقي فيها ياسين بأفراد فرقة الوقاية من الجرائم التابعة لعمالة باري ،الذي يعرفونه حقّ المعرفة كما سبق له الشرف بالتعرّف عليهم في وقت من الأوقات. فكر مليّا بالتخلّص من القطع المسروقة التي كانت بحوزته من قبل ،لكنه لم يقدر على قذفها من النافذة كما خطر على باله ،ولم يجد أفضل من ملابسه الداخلية ،ظنا منه أن ذلك سيبعدها على أيادي وعيون الفرقة المتخصصة ،ليخيب ظنه ويجذبها أحد العناصر من مكانها الأمين ،ليكتمل آخر الدلائل ضده ويرفع هذا الملف إلى قاضي التحقيق ليسلك مسارا جديدا لم يكن في الحسبان . فتحت الشرطة ذلك الغلاف البلاستيكي الذي كان يتستّر عليه لتتأكّد من محتواه ،لتضع يدها على خاتم عليه نقش قصر من ذهب أبيض ،مزيّن بجوهرة ثمينة براقة ،وحلقات أذن بأحجار كريمة من الألماس الأزرق الباهظ الثمن ، ومعلّقة ساعة أثرية من الذهب الأصفر الخالص على شكل باخرة، وقطعتين من الماس الخالص قياس 0,4 سنتم و0,6 سنتم ، وساعة ناذرة ،في حين عثر على قطع أخرى بمنزله بمدينة فييستي وتمّ احتجاز السيارة وكل الأشياء ذات القيمة.
هذا وأفادت المصادر ذاتها، أن الصور الملتقطة من الكاميرات كانت مطابقة للظنين ياسين ،في حين تعرّفت عليه مالكة المتجر كما تعرّفت على البضاعة المسترجعة من عملية السرقة. أودع الشاب أخيرا في السجن المدني بفودجا بأمر من وكيل الجمهورية السيدة (سطيفانيا فايلا) بتهمة السرقة الموصوفة وإخفاء المسروق والعنف ضد قوات الأمن ،كما وافقت على توقيع تقرير اعترافاته بجميع الأفعال المنسوبة إليه ،ونشرت على الصعيد الإيطالي مذكرة بحث و توقيف في حق شريكه الذي مازال لحد الساعة في حالة فرار.