شكل موضوع «التفكير في المتوسط .. مقاربة الفيلسوف» موضوع الجلسة الأولى من الجلسات التي تنظمها «جمعية ضفاف المتوسط»، والتي أقيمت برحاب رئاسة جامعة محمد الخامس أكدال-الرباط. وقد اختارت الجمعية أن تقارب العرض الأول في موضوع «التفكير في المتوسط»، والذي أراده المنظمون أن يظل مستمرا، من زاوية فلسفية وذلك من خلال الانفتاحات والأسئلة التي قدمها الجامعي والباحث محمد الدكالي حول «العلاقة السحرية بين الفكر الفلسفي والبحر الأبيض المتوسط منذ ما يسمى المعجزة الإغريقية». وفي هذا السياق، أكد الأستاذ الدكالي، في هذا اللقاء التدشيني الذي أداره الأستاذ نور الدين آفاية، أن موضوع التفكير في المتوسط يفترض بذل الجهد، وهو شرط مرتبط بالضرورة بالممارسة الفلسفية باعتبارها عمل العقل وإنتاج الأفكار والتي من أهمها المبالغة والاعتدال والمتعة وسؤال الحقيقة قبل أن ينتهي بمسألة الفهم الذي يظل «رهانا من رهانات الزمن الحاضر». وأضاف الأستاذ الدكالي أن زمن اليوم أضحت تكثر فيه العديد من عوامل الضجيج وانسحاب العقل وسطوة الانفعال والأغواء، والعلاقة الملتبسة مع الأفكار، مشيرا إلى أنه مع ذلك فإن الفضاء المتوسطي «كان ومازال فسحة لخلق الأفكار ومساحات من الحوار والمتعة والفرح». وأوضح باقي المتدخلين أن المعجزة الإغريقية لم تعد كذلك «إلا بعد ما توافدت على الفضاء المتوسطي لا سيما في جهته الشرقية مجموعة من الأجناس والقيم الآتية من كل مكان، فرعونية وفينيقية وبابلية ويونانية وإغريقية، إضافة إلى حضارات الشرق الأقصى». وأكدوا أن المعجزة الإغريقية ما هي إلا نتاج لكل هذه المساهمات التأسيسية ومنها المعنى الفرعوني للخلود، والفهم الفينيقي للتواصل, وآلهة الأولمب إلى حدود ما يسمى بالمعجزة الإغريقية، مبرزين أن هذه اللحظات الانعطافية في تاريخ هذا البحر ستتواصل من الحقبة الرومانية إلى اللحظة العربية الإسلامية ثم عصر النهضة والأنوار وهيمنة الفكر الحديث. وأبرز المتدخلون أن كل الأضداد تلتقي في البحر الأبيض المتوسط، فهو «ملتقى للأهواء العارمة والقداسات المضطرمة والحالات الصوفية والعصابات المغامرة»، مبرزين كيف عملت الفلسفة على تكون نصوص الوعي بهذه الأضداد، والأسئلة والانفتاحات التي تقترحها لفهم تاريخ المتوسط. يشار إلى أن جمعية «ضفاف متوسطية» تروم النهوض بالمبادرات الثقافية المشتركة الرامية إلى مد جسور التعارف المتبادل ما بين الشعوب المتوسطية في كافة مجالات النشاط البشري بكل أبعادها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والمؤسسية، بما في ذلك علوم الآثار والبيئة وكل ما يتعلق بالإنتاج الفكري والأدبي والفني. كما تسعى الجمعية إلى تحقيق جملة من الأهداف منها على الخصوص تنظيم أنشطة ثقافية وعلمية متعلقة بمعرفة العالم المتوسطي، وعقد مؤتمرات حول مواضيع محددة لها علاقة بالموضوع المركزي «التفكير في المتوسط»، إلى جانب ملتقيات ثقافية ومعارض لفائدة الفنانين ورجال الفكر والأدب والباحثين من مختلف المشارب وصناع الرأي في المجال المتوسطي.