يعد مولاي الطاهر الأصبهاني من بين الأعمدة الأساسية لمجموعة جيل جيلالة، بل من أعمدة المجموعات الغنائية ككل، صوته أطرب الكثيرين، منهم مسؤولون في الدولة، بل أكثر من هذا كان قد أثنى عليه العندليب الأسمر في أواخر السبعينات، عندما كان في زيارة للمغرب ودعاه أحد المسؤولين إلى حفل ستحييه فرقة جيل جيلالة، أدت خلالها أغنية «ليغارة»، ولأن الأغنية استهوته كثيرا صعد العنديب الأسمر إلى الخشبة، وأخذ البندير في يده وبدأ يغني مع المجموعة، وبعد انتهائها سيمسك العندليب بيد مولاي (كما يناديه المقربون منه) ويعلن في الحضور بأن صوته من أجمل ما سمع في حياته. شكل صوت مولاي الطاهر الأصبهاني رنة خاصة في أذان الأجيال، حتى أن الشباب الذي يقلد المجموعة غالبا ما يقلدون صوته، الذي أسكن في أذهان المتلقين- بمعية أصوات الدرهم والطاهري وعبد الكريم وسكينة والسعدي- فن الملحون وجعله فنا مشاعا لدى الشباب الذي كان يستثقل الطريقة التي يؤدى بها من طرف شيوخه. في هذه السلسلة سنسافر مع الأصبهاني وسط قلعة جيل جيلالة لنطلع على أسرارها ومسارها. بعد التصدعات التي عرفتها المجموعة، خصوصا أواخر التسعينسات، سيجد مولاي الطاهر نفسه أمام مواقف محرجة جدا: فراغ الجيب، تراكم الديون ومشكل البحث عن أعمال، لتحقيق الحد الأدنى من العيش. في سنة 2000 سيقترح الفنان عبد العظيم الشناوي على مولاي الطاهر إنجاز عمل مسرحي، سيتم الاتصال بعبد العزيز الطاهري، الذي سيكتب المسرحية، فيما يقوم بإخراجها عبد العظيم الشناوي. يحكي أحد أصدقاء مولاي الطاهر، الذي حضر تفاصيل هذا العمل، أن مولاي الطاهر كان يعيش ضائقة مالية، وكان يرفض أن يطرق أبواب المسؤولين. في المقابل كان يبحث عن أعمال كيفما كانت لتدر عليه بعض المال لإطعام العائلة ليس إلا. في تلك الفترة بدأ الإعداد لمسرحية «بين البارح واليوم» التي سيشارك في تمثيلها، بالإضافة الى مولاي الطاهر وعبد الكريم قسبجي، مجموعة من الفنانين منهم سعد التسولي، فاطمة خير، حنان الإبراهيمي، صلاح ديزان، رفيق بكر، رضوان الفرقاني وعتيق وغيرهم.. وهي المسرحية التي سيتعرف فيها سعد التسولي على فاطمة خير ويعقد قرانه عليها.. بعد التداريب والقيام بالإجراءات الإدارية كي يتاح لهذا العمل أن يخرج إلى الوجود، ستواجه الفرقة صعوبات عديدة، فهي لم تكن تدر الدخل المطلوب، وبما أن مولاي الطاهر كان من أصحاب الفكرة، ومن المشرفين على العمل، فلم يكن مدخوله منها يكفي لأسبوع واحد لركوب «الطاكسي»، لكن كان عليه أن يعمل ويبحث عن مخارج لعرض المسرحية وبيعها... ومن المواقف الحرجة التي سيتعرض لها هذا الفنان خلال هذا العمل، هو ذلك الذي عاشته الفرقة برمتها عندما كانت تريد أن تعرض عملها بسينما مبروكة بمدينة مراكش، فقد سبق لعبد العظيم الشناوي أن اتفق مع أحدهم كي يوفر للفرقة حافلة ثقلهم من البيضاء إلى مراكش، ولكي يفرج مولاي الطاهر، قدم له هذا الرجل، الذي أخبرهم أنه يعرف عبد العظيم منذ زمن طويل ويحبه كثيرا، وبأنه مسؤول في إحدى الشركات الوطنية الحيوية، وبإمكانه أن يساعد الفرقة في عمليات تنقلها. يحكي صديق مولاي الطاهر أن المسؤول في تلك الشركة، ظل الليل كاملا يخيرهم شفاهيا بين الحافلات التي يريدون، وهل تكون مصحوبة بحاملة البضائع أم لا.. أشبعه حاضرو هذه الجلسة من أعضاء الفرقة وغيرهم بعبارات الشكر والإمتنان، فضرب لهم موعدا في اليوم الموالي، وهو يوم عرض المسرحية، وأخبرهم بأن ينتظروا الحافلة بشارع الجيش الملكي في السابعة صباحا. بالفعل قدم الممثلون بدون استثناء، أخذوا في الدردشة في انتظار قدوم الحافلة، مرة ساعة ثم ساعة ونصف، اتصل عبد العظيم الشناوي بالمسؤول، كانت فقط الآلة الصوتية لشركة الاتصال تجيب بدلا عن الرجل، اعتقد الجميع أن الرجل مايزال نائما، عاود عبد العظيم الاتصال، نفس الآلة تجيب دائما، مرت أكثر من ثلاث ساعات، سيستشيط فيها مولاي الطاهر وباقي أعضاء الفرقة غضبا. وبما أن له مسؤولية العمل، سيفرض على عبد العظيم الشناوي التنقل إلى المحطة الطرقية اولاد زيان للبحث عن حافلة.. سيتجهان بالفعل إلى هناك، لم يجدا سوى حافلة ثلث مقاعدها مملوء بالركاب. سيبلغان صاحبها بأن فرقتهما المسرحية تضم 40 نفرا. سيبلغهم بأن العدد غير كاف لملء كراسي حافلته، وهو بذلك مضطر أن يملأ هذه الكراسي في الطريق الرابطة بين الدارالبيضاءومراكش، وافقه مولاي الطاهر على هذا الشرط. انطلقت الحافلة ببطء، تتوقف في هذا المكان وذاك كي تملأ الكراسي بعدد الرؤوس المطلوبة. ولتسهيل العملية على صاحب الحافلة، أخذ منه مولاي الطاهر التذاكر ووقف بباب الحافلة، وكلما توقف السائق إلا وخرج مولاي الطاهر صائحا في الراغبين للسفر «باقة بلاصة لمراكش، مراكش، مراكش..» ويقدم للراغبين في الركوب التذاكر، و يأخذ المقابل ويقدمه لصاحب الحافلة .... المنظر كان مضحكا للجميع، سواء للفرقة المسرحية المرافقة لمولاي الطاهر، أو حتى بالنسبة للركاب الجدد الذين يعرفون أن «الكريسون» هو فنان جيل جيلالة مولاي الطاهر. كل هذا التنازل عن ذات الفنان لم يفلح في إنجاح العمل بمدينة مراكش، فبمجرد الوصول إلى سينما مبروكة، سيكتشف مولاي الطاهر وباقي الفنانين بأن المكلف بالدعاية لهذا العمل في مدينة النخيل لم يقم أصلا بالدعاية، وبأن الجمهور الحاضر لا يتعدى 12 نفرا، أغلبهم من عائلة مولاي الطاهر، أي أنهم يتوفرون على دعوات مجانية. كواليس هذه السينما كلها خراب، لم يجد الممثلون مكانا يغيرون فيه ملابسهم أو يقضون فيه حاجتهم، بل لم يجدوا حتى زاوية لوضع الماكياج وغيره. ومع ذلك ستقدم الفرقة عملها، لكن بعد الإنتهاء سيجد مولاي الطاهر نفسه في الكوميسارية بمعية عبد العظيم الشناوي. فالمكلف بتنفيذ الإنتاج لم يكتف فقط بعدم القيام بالدعاية، بل إنه لم يؤد لصاحب السينما مستحقاته المالية، لتفاجأ الفرقة في آخر العرض بصاحب السينما يحجز عن الديكور، ليدخل مع الجميع في شجار سينتهي في الكوميسارية، هناك كل المسؤولين الأمنيين يعرفون مولاي الطاهر وعبد العظيم الشناوي اللذين أبلغاهم بما جرى وبأن المكلف بأداء واجب السينما لم يظهر له أثر، وبأن محصل المداخيل لم يحصل على ريال واحد. لكن الطريف دائما، حسب رواية صديق مولاي الطاهر، بأنه طيلة الشجار داخل الكوميسارية، كان بعض المساجين ينادون على مولاي الطاهر، ويطلبون منه سيجارة أو بعض الدراهم، وكان يستجيب لهم. المسؤولون الأمنيون تدخلوا بشكل ودي بين الطرفين، فهم أمام صاحب قاعة عرض هضمت حقوقه، وفي المقابل أمام فنانين لا يكسبون فلسا واحدا.. ومن المحرج جدا أن تتخذ هذه المسألة مناحي أخرى. اقتنع صاحب السينما، وقبل مقترح إعادة الديكور إلى أصحابه، رغم أن هذه الحكاية لا تخلو من طرافة، لكنها تبقى مشهدا من المشاهد التي يعيشها بعض فنانينا في المغرب والتي تعكس الصورة الحقيقية لنجومنا، الذين يعتقد البعض أنهم «يتشتتون» مالا.