عندما أسكن الله آدام في الجنة، أصبح فريسة للعزلة. لم يكن هناك أحد يؤنسه. فسلط الله عليه النوم، ثم أخذ ضلعا من جانبه الأيسر وخلق منه حواء دون أن يشعر آدم بأي شيء، أو بأي ألم، فلو أحس آدم بأقل ألم لما شعر أي إنسان بالحنان تجاه المرأة. غطى الله حواء برداء من ثياب الجنة وزينها بالحلي ثم أجلسها بالقرب من آدم. وحين استفاق آدم من نومه، رأى حواء جالسة بالقرب منه. فسألته الملائكة: - ما هذا يا آدم؟ فأجاب: - امرأة. - ما اسمها؟ - حواء. - أنت محق. لماذا سميت حواء؟ - لأنها خلقت من كائن حي. - لماذا خلقها الله؟ - لأسكن إليها وتسكن إلي. ثم وضع آدم يده على حواء. فاندهشت الملائكة وقالت: - ماذا تفعل يا آدام؟ لم لا؟ ألم يخلقها الله من أجلي؟ ليس قبل أن تمنحها مهرها. ما هو مهرها؟ أن تصلي ثلاث مرات على محمد. من هو محمد؟ إنه خاتم الأنبياء. فلولا محمد لما خلقت. حينما أسكن الله آدم وحواء الجنة، وقال لهما كلا منها رغدا واستمتعا بكل خيراتها باستثناء شجرة. وحين علم إبليس بقبول آدم في الجنة، قال حاسداً: يا ويلي، أنا الذي عبدت الله منذ آلاف السنين رفض الله إدخالي إلى الجنة، بينما فتح أبوابها لهذا المخلوق الذي انتهى من صنيعه للتو. وقرر أن يخرج آدم من الجنة. فأقام أمام باب الجنة، وخصص كل قوته لعبادة الله ثلاثمائة سنة لدرجة أنه عرف بين الملائكة بتعبده. وظل هناك ينتظر خروج أي واحد يمكنه من اللحاق بآدم. لكن الله لم يسمح لأي ضيف من ضيوف الجنة بالخروج منها. ثم سمح للطاووس، ملك طيور الجنة، بالخروج. ولما رآه إبليس، صرخ: أيها المخلوق النبيل، من أنت؟ وما هو اسمك؟ فمن بين مخلوقات الله، لم أر أجمل منك؟ أنا أحد طيور الجنة، وإسمى الطاووس. فبدأ إبليس يبكي، فسأله الطاووس: من أنت؟ ولماذا تبكي؟ أنا ملاك، وأبكي لمجرد تفكيري في ما ستفتقده من جمال ورشاقة. فاندهش الطاووس: كيف سأفتقد الى ما أملكه؟ ولكنك ستهلك وتختفي كما اختفت كل المخلوقات باستثناء تلك التي ستأكل من شجرة الخلود. فتساءل الطاووس: أين توجد تلك الشجرة؟ في الجنة. من سيرشدني إلى مكانها؟ يمكنني إرشادك إليها لو أدخلتني الجنة. كيف يمكنني ذلك، والملك رضوان يحرس الباب. لا أحد يمكنه الدخول أو الخروج بدون إذنه؟ لكني يمكنني أن أدلك على أحد مخلوقات الله قادر على إدخالك الى الجنة. هو وحده قادر على ذلك من بين جميع المخلوقات. إنه خادم آدم، خليفة الله. من هو هذا الخادم؟ الأفعى. اذهب، إذن، وجئني بها. إذا كانت لها هذه القدرة، سنفوز معاً بغبطة الوجود.فذهب الطاووس الى الأفعى وكرر أمامها ما سمعه من إبليس: التقيت بملاك يعرف أين توجد شجرة الخلود، إنه واقف أمام باب الجنة. هل باستطاعتك أن تدخله إليها حتى يرشدنا إلى المكان؟ فأسرعت الأفعى الى الباب وخرجت لتلتقي إبليس، ثم قالت له: كيف يمكنني إدخالك إلى الجنة ورضوان يحرس بابها؟ إذا رآك سيمنعك من الدخول. فأجاب إبليس: سأتحول إلى هواء وما عليك إلا أن تضعيني بين أنيابك. فقبلت الأفعى، ثم تحول إبليس إلى هواء ودخل الى فم الأفعى التي دخلت الجنة. وهكذا نال إبليس مراده. فاتجه إلى المكان الذي كان يوجد به آدم وحواء ثم أطلق تأوهات سببت الكرب لهما. ففاضت عيونهما بالدموع، لأن إبليس هو أول من تأوه. ثم سألاه: لماذا تبكي؟ فأجاب: أبكي من أجلكما لأنكما ستموتان، فمن هذا الذي يغادر هذا النعيم والعز الذي أنتما فيه؟ فأحزنهما كلامه. ثم انصرف عنهما إبليس وجعل يراقبهما من مكان قريب، حتى يسري فيهما مفعول كلماته. ثم عاد إليهما وقال لآدم: - هل تريد أن أدلك على شجرة الخلود والسلطة الدائمة. فأجاب آدم: - نعم. فدله إبليس على الشجرة: - إنها هذه. كل فاكهتها. - حرم علي الله أن آكل من فاكهة هذه الشجرة. - حرم الله عليكما الأكل منها ليمنعكا من أن تصيرا ملاكين أو تصبحا خالدين. لكن آدم رفض الأكل من الشجرة، فأقسم إبليس بالله بأن نيته طيبة وبأنه لهما من الناصحين. ولم يكن، لا آدم ولا حواء، يتصوران أن بالإمكان الاختباء وراء القسم بالله لاقتراف الشر. فاتجهت حواء صوب الشجرة وأكلت منها، وبدأت تتباهى بما أقدمت عليه أمام آدم الذي أكل بدوره. وعندما قاما بفعلهما اكتشفا عريهما فأحسا بالخجل. آنذاك تمكن الارتباك من آدم فحاول الهرب من الجنة، لكن شجرة الندم اعترضته وقبضت عليه من خصره، فناداه ربه: - «ماذا؟ أفراراً مني؟». - «بل حياء منك يا سيدي!». - «من عصى أمري لن يظل بالقرب مني.. ««اهبطوا منها بعضكم لبعض عدو»..». فنزل آدم بسرنديب بأرض الهند، وحواء بجدة بالحجاز، وإبليس بالأيالة بأرض العراق، وأهبط الحية بأصبهان. أما مكان هبوط الطاووس فكان ببابل.