خطوة دبلوماسية جديدة.. فرنسا تتجه لافتتاح قنصلية عامة في الصحراء المغربية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    طقس السبت.. أمطار رعدية مصحوبة برياح قوية بعدد من مناطق المملكة    تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران بعد الضربات الجوية الإسرائيلية    تلفزيون إيران: 6 انفجارات قرب طهران    الجيش الإسرائيلي يشن هجومًا على أهداف عسكرية في إيران    اسبانيا ترحب بقرار المغرب استيراد اللحوم الحمراء (فيديو)    موسى: العرب يعيشون مذلة قومية.. وازدواجية المعايير أسوأ طعنة للسلام    استثمارات متوقعة لتنمية الفلاحة بنحو 11,23 مليار درهم خلال الفترة ما بين 2025 و2027    أكاديمية المملكة تتذوق "الطبخ الأندلسي" .. مؤرخ: المطبخ يصنع الأخوة الحقيقية    فوزي بنسعيدي يغوص في أعماق الدراما الإنسانية من خلال فيلم "الثلث الخالي"    الرباط.. افتتاح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي للمعاهد المسرحية    الجيش الإسرائيلي يٌعلن بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران ودويّ انفجارات يٌسمع في عدة مدن إيرانية    وزير إيطالي: المغرب شريك استراتيجي متميز لإيطاليا وركيزة مرجعية للقارة الأفريقية    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى فخامة السيد لونغ كوونغ بمناسبة انتخابه رئيسا لجمهورية الفيتنام الاشتراكية    مقتل 3 صحفيين بغارة إسرائيلية جنوب لبنان    "الماط" يحقق فوزه الأول في البطولة    اتصالات المغرب تسجل رقم معاملات موطد بقيمة 27,46 مليار درهم    أهم توصيات مؤتمر الموثقين بمراكش    بعد أن صمت شهرا كاملا.. المغرب يدعو من باريس إلى وقف إطلاق النار في لبنان واحترام سيادته    وقفات مغربية تتمسك بوصية السنوار    تدشين أول رحلة جوية مباشرة تربط نيويورك بمراكش    في أول امتحان له.. النقابات توجه رسالة إلى وزير الصحة الجديد    باريس سان جرمان يرفض قرار لجنة الاستئناف في رابطة المحترفين بدفع 55 مليون يورو لمبابي    إسرائيل تقتل منتظرين للمساعدات بغزة    أمن مراكش يحبط عملية تهريب طن من حشيش "الكيف"    محمد المحتوشي يكتب: التكنولوجيا كأداة لتحسين أداء الجماعات الترابية    بعد وفاة شخص وإصابة آخرين إثر تناولهم "برغر" من "ماكدونالد" بأمريكا.. السبب هو البكتيريا الإشريكية القولونية    نادي أولمبيك مارسيليا يكرم الراحل برادة    خزينة المملكة: فائض في الميزانية يصل إلى 26,6 مليار درهم            مديرية الأرصاد تحذر من امطار رعدية قوية بعدد من أقاليم المملكة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الوكيل العام يرفض استدعاء "أحمد أحمد" لتبرير اقتناء الناصري "فيلا كاليفورنيا"    الأميرة لالة حسناء تترأس حفل "فاشن تراست أرابيا" العربية    بونو والركراكي والسكيتيوي والكعبي ودياز خارج المرشحين لجائزة الأفضل في إفريقيا    الغافولي يعيد إصدار "المعفر" بتوزيع جديد    هل ينجح الميداوي في إيجاد الحلقة المفقودة التي ضيعها الميراوي في ملف أزمة طلبة الطب؟    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مصحوبة بهبات رياح اليوم الجمعة بعدد من مناطق المملكة    بورصة البيضاء تفتتح التداولات ب "ارتفاع"    "أمو تضامن".. تحويل 15,51 مليار درهم من طرف الدولة إلى الضمان الاجتماعي    لا بَيْتَ في الدَّارْ!    لامين يامال يرد على مشجع لريال مدريد سخر من أدائه أمام بايرن    مهنيو أرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب في وفقة احتجاجية جديدة على قرارات CNSS    جورجينا رودريغيز تستعيد عافيتها بعد تغلبها على أزمة صحية خطيرة    بايتاس يستعرض استراتيجية الحكومة لضبط أثمان اللحوم الحمراء    زياد فكري.. قصة بطل انطلق من أكاديمية محمد السادس إلى الولايات المتحدة الأمريكية    ندوة علمية تقارب "الفلسفة الوسيطية"    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب تصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    فرط صوديوم الدم .. الأعراض والأسباب    التغير المفاجئ للطقس بيئة خصبة لانتقال الفيروسات    وفاة وحالات تسمم ببكتيريا في أحد منتجات "ماكدونالدز"    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من‮ ‬يُنقذ الجندي‮ ‬أنطونيو‮ ‬غوتيريس؟

وجد الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غويتيريس نفسه محاطا بالكراسي‮ ‬المتحرّكة في‮ ‬مجلس لا‮ ‬يتحرّك‮. ولعله‮ قبْل ذلك استسلمَ‮ ‬للأمل‮ ‬في‮ ‬أن سلاحا قديما لم‮ ‬يُستعمل منذ عقود،‮ ‬هو المادة‮ ‬99‮ ‬من ميثاق الأمم المتحدة، كفيل بأن‮ ‬يكشف عن مهاراته العسكرية في‮ ‬مواجهة ضراوة الحرب،‮ ‬وتّجارها، وبأن‮ ‬يوقف آخر تقنياتها وحشية‮. ومن المفارقة أن غوتيريس هو‮ ‬نفسه الذي‮ ‬وجد التعبير الصالح لوصف حالته‮، ‬ووصف منظمة دولية مهمتها الحركة من أجل السلام‮: ‬الشلل‮!
‮تأسّف ‬أنطونيو‮ ‬غوتيريس،‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يتحدّث أمام منتدى الدوحة، ل»فشل مجلس الأمن» ‬باتخاذ قرار بوقف إطلاق النار في‮ ‬قطاع‮ ‬غزّة‮ ‬»بسبب الانقسامات الجيواستراتيجية‮». هي‮ ‬طريقته للقول إن الحرب تسير‮ ‬في‮ ‬طريقها الدموي‮ ‬السيّار،‮ ‬لأن حسابات العواصم تختلف عن بعضها‮: ‬بين من‮ ‬يرى الدم عملة جيدة‮ ‬في‮ ‬بورصة القيم الميركانتيلو إمبريالية في‮ ‬كسب مزيد من المواقع والمصالح والحلفاء،‮ ‬ومن‮ ‬يرى‮ ‬أن هدف السلام‮ هو حماية شعب‮ٍ من إبادة جماعية، ولا بد من هذا السلام‮، ‬لكي‮ ‬يجد المنقسمون على توزيع الخريطة الجديدة للشرق الأوسط مكانا هادئا للتفاوض‮.
غوتيريس محاصر بالشلل، ‬في‮ ‬وقت الحرب. ‬لهذا‮ ‬يتوفَّق للغاية في‮ ‬تأزيم‮ ‬ما تبقى‮ ‬من الضمير الأميركي‮ ‬المتبقي‮ ‬من عالم حر فقَدَ‮ ‬الكثير من قيمه،‮ ‬عندما‮ ‬يقف وحيدا في‮ ‬طريق‮ الجلجلة وأمام الجيوش المتحالفة ضد جثث الأطفال الفلسطينيين‮: ‬ولعله‮ ‬يُؤزِّم أميركا بذكريات ما احتفل به خيالها الهوليوودي،‮ ‬وهي‮ ‬تصنع فيلم «إنقاذ الجندي‮ ‬رايان‮» ‬لمخرجه ستيفن سبيلبرغ‮: ‬إنقاذ قلب أم من فاجعة رابعة‮، بعد أن نالت الحرب حصتها كاملة من الأسرة بموت ثلاثة أبناء،‮ ‬والعمل على وقف القدر العسكري‮ ‬في‮ ‬اختطاف الجندي‮ ‬رايان،‮ ‬الابن الرابع‮. ‬
‮في‮ ‬الاستبدال الرمزي ‬،‮ ‬يقف‮ ‬غوتيريس ليحدّث العالم عن عائلات بلاد‮ ‬غزّة تباد‮ عن بكرة آبائها وأبنائها،‮ ‬وشعبٍ‮ ‬يُدفع إلى مقبرة جماعية بلا نشيد ولا إنجيل عسكري‮. ‬وغوتيريس ليس بطلا،‮ ‬لكن‮ جو بايدن‮ ‬الذين أفشل‮ وقف الحرب جعل منه‮ «‬أخيل‮» ‬التراجيديا الجديدة في‮ ‬القرن الواحد والعشرين‮: ‬نقطة ضعفه هي‮ ‬السلام بالذات،‮ ‬في‮ ‬موقع‮ ‬يكون فيه المنطق الحاكم ميزان القوة‮… ‬بل الإفراط فيها إلى درجة تخرج عن التصنيف‮.
يتحسّر‮،‮ ‬كَمنْ‮ ‬فوجئ بما في‮ ‬السياسة الدولية من مكائد وبأن‮ «سلطة مجلس الأمن ومصداقيته‮ ‬قد جرى تقويضها بشدة‮»‮. ‬ولعله انتظر،‮ ‬مثل كل المحاصرين تحت القنابل والقذائف والأمطار،‮ ‬أن‮ ‬يكون لاستعماله‮ ‬المادة‮ ‬99‮ ‬من ميثاق المنظمة الأممية‮ قوة سحرية تعادل وعود الآلهة في‮ ‬تراجيديا إغريقية تتجدّد في‮ ‬يوم الناس هذا‮، ‬وأن حرصه على مصداقية المجلس هو من باب الدفاع عن عقيدة هو مؤمن بها‮… ‬بعد أصحابها طبعا‮.‬ لكنه، في‮ ‬كل الأحوال‮، ‬نجح في‮ ‬أن‮ ‬يوسّع من‮ ‬وضوح الفارق‮ ‬الأخلاقي وحجمه‮ ‬بين أعضاء المجلس‮ (41) ‬وبلاد العم سام التي‮ ‬انتصرت للحرب وحدها،‮ ‬وانتصرت أيضا لما ستُحدثه من فراغ‮ ‬أخلاقي‮ ‬في‮ ‬عالم هو في‮ ‬حاجة إلى منظومته حاجة المحتضر للهواء‮.
لقد نجح أيضا في‮ ‬إحداث الشرخ الضروري‮ ‬وسط المجموعة الغربية الشاملة التي‮ ‬وقفت، بلا شعور بالذنب، إلى جانب القتل الجماعي‮ ‬وجرائم الحرب‮. ‬وانحازت إليه لندن وباريس (‬بعد دخول الحرب شهرها الثالث‮)‬،‮ ‬عوض المسارية العمياء التي‮ ‬طبعت مواقف العاصمتين الأوروبيتين منذ بداية الحرب‮.
‮اعتقد ‬الجندي‮ ‬غوتيريس أن رسالته التي‮ ‬أشهرها في‮ ‬وجه الأقوياء، كي‮ ‬ينبه إلى ما‮ «يمكن أن‮ ‬يعرض السلام والأمن الدوليين للخطر‬‮»،‮ ‬بمثابة تلويحة سماوية لحماية العالم من رغبته الانتحارية،‮ ‬أو تعويذة أسطورية تعود إلى حقبة كان الإنسان إنسانا‮ ‬يأسف لموت كائن واحد‮ (الجندي‮ ‬رايان مثلا‮!)،‮ ‬وكانت البشرية ترفض الإبادات‮،‮ ‬واعتبرت أن الأمم المتحدة هي معبدها الذي‮ ‬أقامته بعد الحرب العالمية التي‮ ‬اشتعلت فيها الوحشية‮‬،‮ ‬لكن ما ‬وقع أن الذين ورثوا الرأسمال،‮ ‬المادي‮ ‬والروحي‮، ‬لهذه المنظمة الأممية‮، ‬التي‮ ‬وُلدت من رماد الحروب بتخصيب‮ ورود السلام، صارت تبحث عند معنى لعقيدتها وَجدْواها،‮ ‬مع حرصٍ مبالغ‮ ‬فيه على أن تلتزم الشعوب الضعيفة، حصريا، ‬بالالتزام بقراراتها‮.
لقد ختم‮ ‬الجندي‮ ‬أنطونيو‮ ‬غوتيريس مرافعته من أجل‮ ‬غزّة والسلام بما‮ ‬يشبه الوداع‮. ‬كما لو كان‮ ‬يدري‮ ‬أن لإغضاب‮ ‬تل أبيب وواشنطن ثمناً‮ معروفاً،‮ ‬وأن الذين‮ ‬يسمحون بقتل عشرين ألف مدني،‮ ‬نصفهم أطفال، لن‮ ‬يتذكّروا في‮ ‬غمرة الهجوم جنديا اسمه‮ ‬غوتيريس‮. ‬لهذا قال‮: «‬يمكنني‮ ‬أن أعدكم، ‬أنني‮ ‬لن أستسلم‮». وهي‮ ‬عبارة لا تحبها واشنطن ولا تل أبيب، لا منه ولا من المقاومة‮. ‬وبالرغم من ذلك،‮ ‬لقد أقام الحقّ دروعا بشرية في‮ ‬كل الكرة الأرضية،‮ ‬من الذين ما زالت الإنسانية مهنتهم اليومية وجدواها التي‮ ‬يحيوْن بها،‮ ‬في‮ ‬العواصم كلها، تتحرّك هذه البشرية العظيمة‮ ‬من أجل أن‮ ‬يبقى للعيش المشترك فوق الأرض طعم القيم، وهؤلاء سيحرّرون السياسة من معادلاتها البائسة،‮ ‬المعادلات التي‮ ‬تلغي الشعوب‮ ‬لفائدة المُرَكَّبات الصناعية العسكرية الدينية‮‬،‮ ‬مُركَّبات المقدس الفاشي،‮ ‬والإنتاج الاستعماري‮ ‬والتسليح العدواني‮.
ختاما،‮ ‬أذكر أن العبد الفقير إلى رحمة ربه كتب، قبل ثماني سنوات، ‬في‮ ‬»العربي‮ ‬الجديد‮»، مقالا بعنوان «أميركا العملاق المارق بلا أزمة ضمير‮» (19/5/2015)، وفيه أن‮ «‬المهارة العسكرية الأميركية،‮ ‬عندما تجتهد،‮(…) ‬عادة ما تقدّم دروساً‮ ‬غاية في‮ ‬الصغر‮ ‬في‮ ‬قضايا في‮ ‬منتهى الخطورة،‮ ‬فالدولة الكبرى،‮ ‬القوية،‮ ‬لا تعطي‮ ‬دروساً‮ ‬كبيرة،‮ ‬وقوية،‮ ‬أيضاً‮ ‬في‮ ‬القانون،‮ ‬لكي‮ ‬تسند أسطورتها المادية على جدار العدل‮…‬فلم‮ ‬يعد العالم،‮ ‬اليوم،‮ ‬يقف مطوّلاً‮ ‬أمام الشكليات القانونية،‮ ‬لكي‮ ‬يتساءل: إلى أي‮ ‬درجة‮ ‬يمكن أن تكون أميركا الكبيرةُ‮ ‬كبيرةً‮ ‬في‮ ‬القانون الدولي‮». ‬
نشر بالعربي الجديد يوم 12 ديسمبر 2023


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.