بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل/قطاع الثقافة ,قدمت فرقة المسرح الطلائعي مساء الاثنين23 أكتوبر2023 ضمن فعاليات المهرجان الدولي للمسرح الجامعي بطنجة ،مسرحية"خط اسود" ،من تأليف رفيق مرشد وإخراج عبد الفتاح الصرصار وتشخيص أسامة زوهار ومحمد مناجي وكوثر بنعمرو ،سينوغرافيا أسامة زوهار وفنيين آخرين في باقي مكونات العرض المسرحي. نص "خط اسود " معالجة درامية بأسلوب عبثي لفكرة الانتظار لمبدعها صامويل بيكيت ولكن بطريقة استنبات مسرحي مغربي على غرار تعبير المبدع الرائد محمد قاوتي في عمله الرائع "سيدنا قدر ". "خط أسود" استنبات متجدد لنص الانتظار العبثي ولكن برؤية مغربية لأهم تفاصيل الحياة والمعيش اليومي في الكشف والبوح بمعاناة شخصيات لاخفاقات في حياتهم ومشاعرهم وآمالهم المستقبلية . رجل وامرأة ينتظران قدوم شخص يعرفان حد اليقين أنه لن ياتي ومع ذلك يتشبتان بأمل مفقود ،أشبه بخط اسود لا نهاية له ولذلك كان السواد الخطي اختزال لمسار حياة شخوص بدون اختيار أو إرادة أو مشاعر حقيقية ، شخصية رجل بدون هوية ذاتية وملامح جنسية واضحة ،بدون أحلام وآمال مستقبل جلية ، كأنه ألف وضع التواجد المهمش تحت سلطة القهر والإلزام، شخصية امراة عانت كل المصائب، الزواج القسري والاغتصاب وفقدت طفولتها وأمها ، وبراءتها ، سلمها أبوها لغريب مقابل رغباته وأهوائه وأصبحت وعاء فارغا بدون محتوى ، وكيانا بدون معنى أو صدى…. شخصية ثالثة بمثابة ضمير جمعي يمثل مراقبة الأنا الأعلى للذات في أهوائها وانتظاراتها وحتى معاناتها ، شخصية تكسر الاعتقاد باليقين وتكرس الإحساس بالاغتراب والاستلاب ، والضياع ،وحده الأنا الأعلى بجبروته يحسم كل مواقف التردد والتمرد على الأنا وعلى الغير ، وحدها الجملة الكئيبة تتردد عبر حوارات النص ،قلت لكم ، إنه لن ياتي ، وبإلزام الذوات الحائرة بالصمت . نص درامي عبثي يزاوج بين الأسلوب الدارجي في الحوارات والمجادلات الكلامية، بين رفيقي الانتظار العبثي و المتنافرين حد الخصام والفصام والأسلوب العربي الفصيح في الشكوى عند الحكي عن أحداث الماضي المؤلم والمناجاة بأمل القادم من المجهول من أجل الخلاص … التصور الإخراجي لخط أسود ينبني على بعدين الأول بعد التصور العبثي لمعنى الوجود والعدم باعتبار أن الآخر جحيم للأنا في ثنائية الحق والواجب /الخيروالشر ،ولكن بصورة واقعية مرتبطة بحياة الناس البسطاء ، والثاني بعد الوعي البريختي في الحرص على جعل المسرح خطاب عقل للمتلقي، والنأي به عن كل إلتباس فكري ووظيفي وأن الفن وسيلة التغير الاجتماعي ، ولذلك استطاع المخرج بحنكته و وتجربته العميقة خصوصا في إدارة الممثلين فوق الركح أن يستغل كل المساحات المتاحة من خلال حركات وتموضعات وتنقلات الشخصيات في خطوط عمودية وأخرى أفقية ومنحنيات خطية ،تحركات أمام وخلف خلفية شفافة يرسل منها الأنا الأعلى أوامره ونواهيه في شخص الممثل الثالث . على مستوى التشخيص كان الأداء قويا ومبدعا وربما أحسن عناصر العرض من حيث تقمص الأدوار إلى درجة الاندماج مع أحاسيس التيه والضياع، والبحث المستميت عن الغائب المفترض والحاضر المتوقع، والأداء الجيد في اعتماد تقنية التمثيل داخل التمثيل بأدوار مركبة تمكن من الانتقال من دور لآخر بشكل سلس خصوصا في دور الأب / العشيق /ابن العم / الزوج.. وبإيقاع متنامي بشكل تصاعدي مع تطور الأحداث الدرامية مما منح العرض استقطابا كليا لعقل وانتباه المتلقي ،وصل ذروته في مشهد بوح الفتاة بمعاناتها خلف الستار الشفاف وهي تنثف ريش دميتها كرمز لطفولتها المغتصبة . على المستوى السينوغرافي وظفت حقائب السفر بشكل كلي للدلالة على الرحلة والتنقل المستمر وحفظ الملابس والإكسسوارات ،بل وتتحول في جل اللحظات إلى كراسي متنقلة ووسادة وشاشة أو مرآة عاكسة للسقوط والتلاشي والهشيم المتساقط على الرؤوس حد الموت . خلف الحقائب أو ساحة اللعب الأمامية نصبت ستائر للمرور والحكي المختفي وأيضا كشاشة فضية للمؤثرات السمعية البصرية المكملة للحوارات والحركات المشكلة للأحداث والمواقف المتتالية . "خط اسود" نص جميل منح الكتابات المتعددة لنص "في انتظار كودو" مسحة مغربية متجددة إلى جانب الإيداعات السابقة وبإخراج واضح في رؤيته وتفاسيره لمعنى الانتظار العبثي وتحكمه في بناء المواقف والأحداث ،وأداء حرفي بأحاسيس مرهفة تصل أحيانا حد التماهي مع الشخوص في اندماجها ويقظتها وإبداعاتها… مؤلف ومخرج مسرحي