للوقت مفعول السحر، يعطيك مساحة من أجل التحليل الهادئ من جهة، ومن أجل طرد شيطان الدهشة من مخيلتك، بفرك العينين وكثير من التأمل، يجعلك أمام سقوط الأقنعة، يجعلك تكتشف تهافت الخطاب، الذي يوظف الدين، وتهافت الخطاب الذي يستعمل المال، وتكتشف انهيار أسطورة القطبية المصطنعة… عيب «ساستنا» أنهم لا يطبخون كلامهم على نار هادئة، يغترون بسرعة وينتفخون بسرعة، ردود انفعالية تنم عن الجهل أحيانا وعن التضخم أحايين كثيرة… عدم إعمال العقل وتغييب المنطق …القفز على الحقيقة والقطع مع الواقع، قراءة الأحداث بأوهام القوة وإسقاطات الذات التائهة … عيب «ساستنا» أنهم لا يفكرون، أنهم منخدعون، أنهم واهمون، يتكلمون ولا يفكرون… ضحايا اللحظة لا يتجنبون متعة لحظة عاجلة تفاديا لألم مستقبل… يستسلمون لحماس جماهير حضرت إنزالا أو رشوة، إغراء أوترهيبا …وهم في مشاكلهم غارقون… و«ساستنا» «يخطبون»، يلغون، يقولون كل شيء ولا يقولون شيئا… دعهم يقولون، دعهم يتيهون؛ إنهم مبتدئون، إنهم وافدون… السياسة نضال، السياسة تضحية …والتربية ممارسة وثقافة… والسؤال الأنطولوجي، والسؤال السياسي، والسؤال المغربي: من يربي ومن يربى؟ «المغاربة خاصهم اترباو» قالها اوفقير ذات يوم رصاص، وقالها البصري في زمن الجحيم، وقالها بنكيران «عيطو للدولة» في «زمن الإخوان»، ويقولها اليوم أخنوش في زمن التيه…ويؤكدها الطالبي رئيس مجلس النواب. وفي البدء كان الاتحاد الوطني، الاتحاد الاشتراكي، ناضل وضحى من أجل الحرية والكرامة والديموقراطية، وقاوم بشموخ، وقاوم بالروح والصدر… قاوم من زعم ويزعم أنه «يربي المغاربة». هنا الاتحاد الاشتراكي، هنا معبد الشجعان …هنا الاعتراف بأن المغاربة مربون بالطبع والطبيعة …بالفطرة والثقافة… هنا الاتحاد الاشتراكي، هنا احترام المغاربة …هنا انهيار أسطورة «المغاربة يحتاجون إلى إعادة التربية». وينتهي وهم القطبية المصطنعة، وينتهي لغو الكلام وسفسطته، ويبقى مجد الاتحاد الاشتراكي… «زعماء» آخر لحظة يسقطون… عيب «ساستنا» أنهم يتكلمهم اللغة ولا يتكلمون اللغة… عيب «ساستنا» أنهم لا يفرقون بين خطاب السلطة وسلطة الخطاب… خطاب السلطة يستمد رعبه من التهديد والقمع والجبروت… سلطة الخطاب سلطة تستمد قوتها من داخلها، بصدق منطقي وصدق واقعي: – صدق منطقي، تطابق الكلام / الفكر مع ذاته؛ تماسك وانسجام بين المقدمات والنتائج؛ خلو الخطاب من التناقض… – صدق واقعي؛ تطابق الفكر مع الواقع …تطابق «الزعيم» مع نفسه… المهدي بنبركة كان يخطب وهو يقرأ عيون الجماهير …يخاطب العقل قبل الوجدان… يخاطب كل فئات المجتمع بالطرق التي تفهمها، يخاطب فيقنع…إنه الاتحاد، وكذلك كان عمر، عبد الرحيم بوعبيد، اليوسفي، اليازغي والراضي … إدريس لشكر يتكلم ولا ينسى أنه يفكر، يفكر ولا ينسى أنه يتكلم …لا لغو …لا تناقض ولا إهانة للمغاربة… إنه اتحادي …إنه أصيل… إنه الاتحاد…