يكشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن شرخ في العلاقة كان مستبعدا حتى الأمس القريب، بين الولاياتالمتحدة من جهة والسعودية والإمارات، حليفيها الرئيسيين في الشرق الأوسط وعملاقي النفط الساعيين لإبراز استقلالية دبلوماسية على الساحة الدولية، من جهة أخرى. ولم يصدر عن دول الخليج الثرية التي تستضيف قوات أمريكية على أرضها وتقيم حلفا ثابتا مع الولايات منذ عقود، مواقف مؤيدة لإدارة الرئيس جو بايدن في محاولتها خنق موسكو، من الطاقة إلى الدبلوماسية. ووفقا لمحللين، فإن الموقف الجديد المنبثق من مجموعة من الخلافات بما في ذلك تلك المتعلقة بجريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي على أيدي سعوديين في تركيا، يكشف عن نقطة تحول في العلاقات الخليجية مع الولاياتالمتحدة. وتقول الخبيرة في الشؤون الخليجية والباحثة في معهد »مونتين« الفرنسي آن غادال لوكالة فرانس برس «هذا أكثر من تحول فعلي، هذه اللحظة هي بالتأكيد محطة مهمة في العلاقات الخليجية الأمريكية». وتضيف أن دول الخليج «تدرك أنها بحاجة للتحضير لشرق أوسط مختلف، وأن ميزان القوى يتغير بشكل عام». وامتنعت الإمارات التي تتولى حاليا رئاسة مجلس الأمن الدولي، الشهر الماضي عن التصويت على مشروع قرار أمريكي ألباني يدين الغزو الروسي لأوكرانيا. وبينما تسببت الحرب على أوكرانيا في ارتفاع تكاليف الطاقة، قاومت دول الخليج حتى الآن الضغوط الغربية لزيادة إنتاج النفط بهدف كبح جماح الأسعار. وأكدت السعودية التزامها بالحصص الإنتاجية ضمن تحالف «أوبك بلاس» النفطي بقيادة موسكو والرياض، وشدد وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي على التزام بلاده بحصص إنتاج التحالف. وأوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رفضا طلبات من الولاياتالمتحدة للتحدث إلى »بايدن« في الأسابيع الأخيرة، وذلك نقلا عن مسؤولين من الشرق الأوسط والولاياتالمتحدة. لكن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض إميلي هورن قالت إن تقرير الصحيفة غير صحيح. وفي الواقع، لم يتحدث الرئيس الأمريكي والأمير محمد منذ أن تولى بايدن منصبه وتعهد بمعاملة السعودية كدولة «منبوذة»، على خلفية جريمة قتل خاشقجي في أسطنبول عام 2018 التي ألقت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية باللوم فيها على ولي العهد السعودي. وردا على سؤال في مقابلة مع صحيفة «ذي أتلانتيك» نشرت هذا الشهر عما إذا كان بايدن يسيء فهمه، قال بن سلمان «ببساطة، أنا لا أكترث»، مضيفا «الأمر يعود له للتفكير في مصالح أمريكا». ولد التحالف الأمريكي السعودي على متن سفينة أمريكية في عام 1945، عندما أجرى الملك السعودي الراحل عبد العزيز بن سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت محادثات، واتفقا على ما عرف لاحقا ب»النفط مقابل الحماية». وفي العديد من مناطق العالم العربي، بات ينظر إلى دول الخليج التي تستضيف قوات وقواعد أمريكية وأجنبية أخرى، على أنها بمثابة «دمى» في أيدي الأمريكيين. لكن هذا الأمر بدأ بالتغير قبل نحو عقد عندما أدت انتفاضات الربيع العربي إلى تهميش القوى العربية التقليدية مثل مصر وسوريا، ما سمح لدول الخليج المستقرة والمزدهرة بلعب دور أكبر. وأوضحت السعودية والإمارات، أكبر اقتصادين عربيين، أنهما تسعيان إلى سياسة خارجية مستقلة قائمة على المصالح الوطنية. وقال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله لشبكة «سي أن أن» هذا الشهر، «(لا ينبغي) اعتبار الإمارات دمية في يد الولاياتالمتحدة بعد الآن». وتابع «فقط لأننا نتمتع بعلاقات مهمة مع أمريكا، لا يعني أننا نتلقى أوامر من واشنطن. علينا أن نقوم بأشياء تتفق مع استراتيجيتنا وأولويتنا». وأدت العديد من التوترات إلى تشنج في العلاقات، بما في ذلك سعي بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران بعد انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب منه، وتردد الولاياتالمتحدة في تصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن على أنهم جماعة إرهابية. لكن مسألة «الحماية» بقيت في صلب التوترات، ومن أسبابها الرئيسية عدم وجود رد عسكري من الولاياتالمتحدة عندما تعرضت منشآت أرامكو النفطية السعودية لهجوم في 2019، ورغبة واشنطن المعلنة في خفض تدخلها العسكري في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، كتب حسين إيبش من معهد دول الخليج العربية في واشنطن الأسبوع الماضي، «دول الخليج مثل السعودية والإمارات… لم تعد مستعدة للاعتماد على الولاياتالمتحدة كضامن نهائي للأمن». وتابع «بينما تظل الولاياتالمتحدة شريكا استراتيجيا أساسيا، فإن هذه (…) الدول التي لديها الكثير لتخسره، لا تستطيع سوى تنويع خياراتها الدبلوماسية وأدواتها الاستراتيجية». وقال إن «ظهور عالم متعدد الأقطاب (…) وخصوصا مع صعود روسيا والصين، أمر لا مفر منه».